نحن نعلم - والفلسطينيون والعالم أجمع كذلك - أن إعلان الدولة الفلسطينية وقبولها عضوا بالأممالمتحدة ليس نهاية المطاف.. بل هو بداية كفاح جديد ومرير.. ربما يكون أشد قسوة من الحقب السابقة.. نظرا لطبيعة العدو.. الأشرس!! ولكن إسرائيل لا تدرك أن الوقت يعمل فى غير صالحها.. وانها تسير مع قيادتها المتطرفة الحالية عكس حركة التاريخ. فإسرائيل هى الدولة المحتلة الوحيدة فى الكون الآن!. وإسرائيل تعلم علم اليقين أنها تغتصب حقوق الآخرين.. بالقوة الغاشمة التى لن تدوم. ولكن السؤال الذى يفرض نفسه هو: هل إعلان دولة فلسطين وقبولها عضوا بالاممالمتحدة يمثل قفزة غير محسوبه.. سوف تحمل عواقب صعبة.. كما توقع عباس.. وحذر نتنياهو؟!أم أن الدولة الحلم.. هى مجرد «دولة فى الهواء»على غرار عمود «دخان فى الهواء» لأستاذى الراحل جلال الدين الحماصى؟! حتى نجيب عن هذه التساؤلات.. يجب أن ندرس تاريخ صناعة الدول!!وهل تتم فعلا «صناعة»الدول؟! وكيف تمت صناعة إسرائيل وفرضها قسرا.. وقهرا.. على دول المنطقة؟ إسرائيل نشأت وفق تآمر دولى شبه متكامل.. حتى أن الدول العظمى كانت تتسابق للاعتراف بها.. ومهدت الدول الاستعمارية - خاصة بريطانيا - بتوفير المناخ الجيوبوليتيكى والعسكرى لإقامة إسرائيل.. حتى أنه يمكن القول بأن وعد بلفور البريطانى مثل مفتاح نشأة إسرائيل.. كما منحت بريطانيا العصابات اليهودية حقوقا لا تستحقها وانطلقت الهجرة اليهودية إلى فلسطين بدعم ومساندة الاحتلال البريطانى. وها هو ذا تونى بلير- سليل الاستعمار البريطانى- يواصل اليوم ذات المسيرة بالضغط على الفلسطينيين لإثنائهم عن اللجوء للامم المتحدة وإعلان دولتهم والعودة إلى طاولة المفاوضات! شىء غريب أن يضغط بلير على الطرف الضعيف والمسلوبه حقوقه.. ويطالبه بتقديم تنازلات لا يملكها؟! حتى كادت السلطة تدخل فى عداد الأموات.. قبل إعلان هذه المبادرة الجريئة! كنا نتوقع من بلير أن يضغط على إسرائيل ويطالبها بتنفيذ قرارات الاممالمتحدة التى تنص على إنشاء دولة فلسطينية. ولكن يبدو أن الاممالمتحدة وقراراتها لا تطبق إلا على العرب والمسلمين فقط!! إسرائيل التى نشأت فى ظل هذا المناخ الدولى المتآمر..غربا وشرقا.. أضافت إليه إصرارها على إنشاء هذه الدولة ووفرت لها كل عناصر القوة العسكرية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية أيضا. حتى أسلحة الدمار الشامل «النووية» تنفرد بها إسرائيل دون أن يطالبها أحد من العالم «الحر» بتنفيذ التزاماتها الدولية.. مثلما يطالبون العرب والمسلمين فقط. أيضا ألبست إسرائيل كيانها المحتل ثوب الديانة اليهودية.. واليهودية الحقيقية الصحيحة منها براء. فسيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم - لم يدع لإيذاء الغير وقتلهم وتشريدهم واحتلال أراضيهم.. فهذا كله ابتدعه أحبارهم وحاخاماتهم المتطرفون.. الارهابيون. وإسرائيل تمتلك قوة اقتصادية هائلة تدعم وجودها.. من خارجها.. من الجاليات اليهودية المنتشرة حول العالم.. ومن سيطرتها على أسواق المال بطرق خبيثة، ومن الولاياتالمتحدة والدول الغربية التى تدعمها بلا حدود.. وبالباطل دائما. وبالمقابل فإن صناعة الدولة الفلسطينية لم تبدأ اليوم.. ولن تبدأ بموافقة الأممالمتحدة على عضويتها.. ولكنها ذات جذور تاريخية وعقائدية عميقة.. يشهد بها كل مكان فى فلسطين. وإسرائيل تعمل بكل الطرق غير المشروعة لإزالة هذه الآثار.. حتى تلغى حق الفلسطينيين فى أرضهم، ولكنها لا تدرك أنها تزيدهم إصرارا على استعادة حقوقهم. ويكفى أن غالبية شعوب العالم تؤيد دولة فلسطين.. حتى الشعوب الغربية.. وفق استطلاع ال bbc بل إن الشعب الامريكى يؤيد هذا الحق.. رغم نفوذ وسطوة اللوبى الصهيونى هناك. وفلسطين التاريخية تدعمها القرارات الدولية التى نصت على إنشاء دولتهم.. مع إنشاء إسرائيل. ولكن الاممالمتحدة وأعضاءها ومن يوجهونها من وراء الكواليس أصابهم وقر «وعمى»! بل أنهم يتعامون عمدا!! ولكن حتى نكون واقعيين.. فإن إعلان الدولة الفلسطينية هو مجرد خطوة أولى.. يجب أن تتبعها خطوات أهم وأشد خطورة وربما يستدعى الأمر انتفاضة ثالثة أو مقاومة مسلحة شاملة.. فى الضفة وغزة معا. ويجب أن يتأهب عباس والسلطة الفلسطينية كلها لهذا الاحتمال. ويكفيه فخرا أنه الزعيم الفلسطينى الوحيد الذى جرؤ على اتخاذ هذه الخطوة. وليترك الساحة بعد ذلك لأجيال جديدة تكمل المسيرة.. وربما تكون هذه الخطوة مسك الختام لعباس.. وربما تدفع إلى التواصل والوفاق مع حماس!! وهذه هى الخطوة الأهم: وحدة الشعب الفلسطينى. فنحن لا نفهم لماذا ترفض حماس الخطوة الفلسطينية. فإذا كانت لا تضيف شيئا.. فإنها لن تنتقص من الفلسطينيين شيئا. بل إنها تضيف لهم رصيدا سياسيا ودبلوماسيا ومعنويا هائلا. وإذا حازت فلسطين على عضوية الاممالمتحدة يمكنها- وفقا لميثاقها أن تطلب تحويل جرائم إسرائيل إلى المحاكم الدولية.. من خلال الجمعية العامة.. وليس مجلس الأمن الذى يهيمن عليه الفيتو الأمريكى. وعند هذه النقطة يجب أن تدرك الولاياتالمتحدة والدول الغربية التى تسير فى فلكها أنها تخسر كثيرا.. سوف تخسر أكثر باستخدام الفيتو ضد قبول فلسطين عضوا بالاممالمتحدة. فعلى المستوى السياسى.. فإن هذه الخطوة تتم فى عهد الديمقراطيين.. وعهد أوباما الذى يكاد يفقد آماله فى فترة رئاسة ثانية.. وربما يعود الجمهوريون إلى البيت الابيض.. بدعم صهيونى فاضح!! أيضا ستخسر أمريكا مزيدا من الصداقة والاحترام والثقة وسط الشعوب العربية والإسلامية.. فواشنطن التى تحتفى بالربيع العربى وتطالب بالديمقراطية للشعوب العربية.. تستثنى شعبا بأكمله.. تريد أن تشطبه.. وتلغيه من أرض الواقع!! ويمكن أن تخسر الولاياتالمتحدة اقتصاديا إذا تم تفعيل المقاطعة لبضائعها على المستوى الشعبى. والاقتصاد الأمريكى يعانى بسبب الحروب الصليبية التى اطلقها بوش.. ولم يستطع أوباما تحجيمها. أمريكا مهددة بالإفلاس الاقتصادى.. والسياسى والأخلاقى أيضا.. بسبب سلاح الدكتاتورية فى مجلس الأمن (الفيتو). وصناعة فلسطين تأتى وسط محيط عربى وإسلامى طبيعى يؤيدها ويؤازرها بكل قوة، وسوف يضيف إليها مزيدا من الدعم.. مع استمرار الربيع العربى.. بعيدا عن اللعب الغربى. إلا أن هذا بدأ ينعكس فعلا على قلب إسرائيل التى اندلعت فيها المظاهرات لاسباب اجتماعية واقتصادية.. ولكنها تحاول محاكاة المليونيات العربية.. بحجم إسرائيل. كما أن عرب 48 أو المواطنين الفلسطينيين حائزى الجنسية الإسرائيلية يشهدون نوعا من الحراك الذى يقربهم من جذورهم الفلسطينية والعربية والإسلامية. الأهم من ذلك كله.. المقاومة المسلحة. فلا يمكن أن تستعيد حقوقك المسلوبة بالمفاوضات فقط. لقد جرب الفلسطينيون ذلك على مدى سنوات طويلة.. دون جدوى. ومن الغريب أن اللجنة الرباعية الدولية تدعو الفلسطينيين للعودة إلى طاولة المفاوضات وتطالب نتنياهو بإبداء المرونة فيها! وكأن المفاوضات هدف فى حد ذاتها.. وكأن نتنياهو «بمرونته» سوف يُمن على الفلسطينيين ويمنحهم الأمل فى مستقبل أفضل. إن من يدرس التاريخ يدرك أن القوة العسكرية - سواء كانت حرب عصابات أو مقاومة مسلحة - تتكامل مع القوة الدبلوماسية وتدعمها. فالدبلوماسية وحدها لن تحقق للفلسطينيين آمالهم.. ولن تستعيد حقوقهم. ولعل الخطوة الاولى- بعد انضمام فلسطين للامم المتحدة- هى توحيد الصف الفلسطينى.. ونبذ الخلافات الشخصية والتجاوز عن خطايا الماضى.. القريب والبعيد. هذا هو المدخل الصحيح والوحيد. لاستكمال تحقيق حلم الدولة. وإذا كانت حماس ترفض اللجوء للأمم المتحدة.. فلماذا لا تبدأ باللجوء إلى الشقيق الفلسطينى وتتصالح معه؟. والأزمات الصعبة التى تحدث عنها عباس بعد اللجوء إلى الأممالمتحدة سوف تشمل تقليص المساعدات الدولية والغربية وربما قطعها من بعض الدول. وسوف تشمل أيضا قطع أموال الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية من إسرائيل.. بل إنها سوف تشمل إجراءات قمعية أشد قسوة على أرض الواقع. ومن أحدث ما ابتكرته إسرائيل إلقاء أكياس تطلق رائحة كريهة ضد المتظاهرين الفلسطينيين وهذا شىء متوقع من «النتنياهو»!! ولماذا لا يبدأ الفلسطينيون بمقاطعة البضائع الإسرائيلية والاستعاضة عنها ببضائع عربية.. أو حتى من دول أخرى غير إسرائيل؟ هذه خطوة مهمة ضاغطة سوف تكبد الاسرائيليين مليارات الدولارات إذا تم تطبيق المقاطعة بدقة وشمولية. وحتى تحقق الفعالية.. يجب أن تشمل المقاطعة العربية البضائع الإسرائيلية التى تغزو- للأسف الشديد كثيرا من الدول العربية عبر أطراف أخرى. وكأننا ندعم الاحتلال.. مثلما حدث من خلال مصيبة تصدير الغاز المصرى لإسرائيل. فنحن ندعم إسرائيل بمليارات الدولارات سنويا.. ويمنحوننا الفتات.. ويهددوننا بقطع المساعدات!! وفى نهاية المطاف.. فنحن على ثقة بأن الشعوب سوف تفرض ارادتها على الجميع فى إسرائيل.. وغير إسرائيل!