حالة من الغموض تلف الاقتصاد المصرى الذى أصبح لغزا محيرا خلال الشهور الماضية مع تفاوت آراء الاقتصاديين بين اعتباره على حافة الإفلاس وآخرون يرون أن الاقتصاد بخير ولا تنقصه سوى حزمة إجراءات حكومية لتصحيح أوضاعه. وفى ظل التحديات الداخلية والخارجية التى يواجهها الاقتصاد المصرى فى الوقت الحاضر، التقت أكتوبر مع عدد من خبراء المال والاقتصاد للوقوف على حقيقة الأوضاع الاقتصادية فى مصر، والإجراءات المطلوبة اتخاذها لإنقاذ الاقتصاد من شبح الإفلاس. فى البداية يشير التقرير الأخير للبنك المركزى المصرى الذى صدر فى شهر يوليو الماضى إلى أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة الوافدة إلى مصر، خلال الفترة من يناير إلى مارس الماضيين، سجلت تراجعاً بنحو 75.1%، مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة، مؤكداً ارتفاع الدينين الخارجى والمحلى بشكل ملحوظ خلال هذه الفترة. وذكر البنك فى تقريره أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة بلغت، خلال الربع الثالث من العام المالى 2010/2011، نحو 163.6 مليون دولار، مقابل 656 مليون دولار فى الربع الثانى بنهاية ديسمبر الماضى، وأن الاستثمارات الأجنبية سجلت تراجعاً سنوياً بنحو 90.4%، فى مارس الماضى، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضى. وأظهر التقرير ارتفاع الدين الخارجى بنحو 1.1 مليار دولار، بنسبة 3.4%، مقارنة بنهاية يونيو 2010، ليصل إلى 34.8 مليار دولار فى نهاية مارس الماضى، وأرجع ارتفاع حجم الدين الخارجى إلى ارتفاع أسعار العملات المقترض بها أمام الدولار الأمريكى. وارتفعت أعباء خدمة الدين الخارجى، بنحو 137.8 مليون دولار، لتصل إلى نحو 2.4 مليار دولار، خلال الفترة من يونيو 2010 إلى مارس الماضى، كما بلغ إجمالى الدين العام المحلى نحو 1001.9 مليار جنيه (نحو تريليون جنيه) فى نهاية مارس، منه 77% مستحقة على الحكومة و6.8% على الهيئات العامة الاقتصادية و15.5% على بنك الاستثمار القومى. وأوضح التقرير أن رصيد الدين المحلى المستحق على الحكومة ارتفع بنحو115.1 مليار جنيه خلال الفترة من يوليو 2010 وحتى مارس الماضى، ليصل إلى 778.9 مليار جنيه. وفى ضوء هذه المؤشرات وانطلاقًا من معطيات الوضع الاقتصادى الراهن يتوقع خبراء المصرفيون، تزايد معدلات نمو الدين المحلى خلال العام المالى الجارى، فى ظل الإعلان عن وجود عجز فى الموازنة يصل إلى نحو 140 مليار جنيه، وأن يصل الدين المحلى فقط دون الدين الخارجى إلى 1.25 تريليون جنيه، وهو ما يمكن أن يشكل 100% من الناتج المحلى الإجمالى. مخاطر الأوف شور يحذر د. يوسف صبرة الخبير الاقتصادى من مخاطر شركات وبنوك الأوف شور موضحًا أن المصطلح يشير إلى شركة ذات كيان قانونى تسجل فى بلد غير بلد مؤسسيها. كما أنها قد تمارس نشاطها فى بلد ثالث وربما تديرها شركة أخرى فى بلد رابع ولذا فإن مصطلح أوف شور تعنى اختصارشركة ينحصر عملها خارج الحدود. وأكد أن هناك العديد من الدول تسمح بإنشاء شركات الأوف شور فيها مثل قبرص وكوستاريكا وبنما وهونج كونج وسيشل ومورشيوس وسنغافورة وموناكو ودبى ورأس الخيمة إلا أن هناك جزر بعيدة تسمح بتكوين هذه الشركات وتمنحها مميزات أكثر فى السرية.. وتسمح لها بتجاوزات أكبر فى اللعب بالأموال القذرة.. مثل البهاماز وبرمودا وفيرجن وكايمان ومارشال والأنتيل. وأوضح انه لا يتطلب تأسيس شركة أوف شور سوى مذكرة وعقد تأسيس ونظام داخلى.. ويكفى وجود عنوان بريدى للمكاتبات دون الحاجة إلى مقر.. ويمكن أن يكون للشركة عناوين أخري.. لمزيد من التمويه والإخفاء.وتتمتع شركة الأوف شور بالسرية فيصعب الكشف عن مؤسسيها.. فهى كيان قانونى مستقل.. كما أنها معفاة من الضرائب.. ولا يفرض عليها سوى رسوم لا تذكر.. ويسهل تأسيسها عبر الإنترنت بأمر مباشر من البنوك التى لا تحافظ على سمعتها.. وأن تفرض قوانين مكافحة غسيل الأموال الكشف عن هياكلها.. وهو ما يفتح الباب لفضح أصحابها. وأضاف أنه يمكن إيداع أو استثمار الأموال المتراكمة من خلال مجموعة شركات خاصة فى مناطق الأوف شور حول العالم.. وهناك مناطق أوف شور توضع فيها الأموال المهربة كوديعة بنكية تتزايد فيها الفوائد والأرباح الرأسمالية.. كما يمكن استثمار هذه الأموال المخفية فى شركات الأوف شور فى البورصات وأسواق المال فى صناديق استثمار لا يتوافر مثلها للمواطنين المحليين.. فقوانين الأوف شور عادة ما تتسم بالمرونة، ويؤكد أن أخطر ما فى هذه الشركات هو الخصوصية التى تحصن بها رءوس الأموال وأصحابها، موضحًا أن هذه الشركات تعين ممثلين عنها هم أوصياء على أسهمها بموجب عقد ائتمان يوقع مع أصحابها وهو ما يشكل صعوبة بالغة فى الكشف عن المساهمين فهؤلاء الممثلون بمثابة ملاك وهميين لها، وأوضح د. صبرة أنه بجانب شركات الأوف شور توجد بنوك أوف شور وهى بنوك توجد فى أماكن بعيدة عن المودعين وتتمتع بضرائب منخفضة وبمزيد من السرية التى تفوق السرية المصرفية التى فرضها القانون فى سويسرا منذ عام 1934، مؤكدًا أن هذه عادة ما ترتبط بالاقتصاد السرى والجريمة المنظمة ونهب ثروات الشعوب.. فهى تتهرب من الضرائب.. والكشف عن مصادر أموال عملائها.. وهو ما يعطى للسياسيين الفاسدين فرصتهم كاملة لإخفاء ما سرقوه من شعوبهم بعيدا عن الأنظار، وانطلاقًا من ذلك يؤكد د. يوسف صبرة أن شركات وبنوك الأوف شور تمثل تحديًا شديد الخطورة أمام الاقتصاد المصرى خلال المرحلة الراهنة وهو ما يتطلب تفعيل الأجهزة الرقابية لمواجهته. سندات المغتربين وفى الوقت الذى تحاول فيه مصر استعادة اقتصادها لعافيتها مرة أخرى بعد ثورة 25 يناير، بدأت تحذيرات الخبراء من صناديق الاستثمار الأجنبى المعروفة باسم «الأوفشور»، التى يعتبرها المراقبون بوابة لتهريب أموال رجال الأعمال من البورصة المصرية، بعد أن طاردتها اتهامات غسيل الأموال قبل الثورة. ومع إعلان الحكومة المصرية نيتها طرح سندات المغتربين للمصريين العاملين بالخارج بضمان البنك المركزى لدعم الاقتصاد المحلى، ظهرت مخاوف من شراء رجال الأعمال المصريين هذه السندات والتلاعب بالبورصة عبر صناديق «الأوفشور»، وهذا ما أكدته الدكتورة سحر المختار، العضو المنتدب لإحدى شركات الاستثمار فى الأوراق المالية، وأشارت إلى أن «سندات المغتربين المزمع طرحها، سيقبل عليها المصريون والأجانب أيضا، وشركات الاستثمار، ومن المتوقع أن يكون لصناديق الأوفشور نصيب فيها، وذلك ما يشكل خطورة على البورصة المصرية، حيث لا يوجد قوانين وتشريعات تخضع لها هذه الصناديق، وهو ما يساعد على عدم التحكم فى أى تلاعب يمكن أن تمارسه. وأكدت د. سحر أنه فى حال الاعتماد على قانون محكم وشخصيات حازمة لإدارة سندات المغتربين، فإنه يمكن التقليل من مخاوف البعض بشأن التلاعب فى تلك السندات من خلال صناديق الأوفشور. وحول ما يثار من جدل وتضارب حول النسبة الحقيقية لهذه الصناديق فى السوق المصرية ذكر أحمد حنفى، المحلل المالى بإحدى شركات تداول الأوراق المالية أن النسبة الحالية لصناديق الأوفشور المعلن عنها، لا تتعدى 7% إلا أنه يعتقد أن نسبتها تصل إلى 15% أو 20%، خاصة أن نسبة تداول الأجانب بعد استئناف العمل فى البورصة فى 23 مارس الماضي، ارتفعت لتتراوح بين 60% و70% وأن هذه الزيادة معظمها صناديق استثمار أجنبية. وحول وضع الاقتصاد المصرى فى الفترة الراهنة وكيفة مواجهة هذه التحديات التقينا عدداً من الخبراء الاقتصاديين، حيث يقول فتحى ياسين الخبير المصرفى ورئيس بنك التجاريين سابقًا إن حجم الاقتصاد يقاس بالموارد المتاحة وانطلاقًا من ذلك يؤكد أن الاقتصاد المصرى فى وضع جيد وقادر على تجاوز التحديات الراهنة على المستوى الداخلى والخارجى مشيرًا إلى أنه بإستثناء قطاع السياحة فإن الموارد الاساسية للاقتصاد المصرى وخاصة دخل قناة السويس والبترول لم تتأثر بالأحداث الأخيرة منذ اندلاع الثورة. ترشيد الإنفاق وحول كيفية مواجهة التحدى الخاص بارتفاع معدلات الدين الداخلى يؤكد فتحى ياسين أن ذلك يتم خلال آليتين أساسيتين هما ترشيد الانفاق الحكومى المتسيب، والإنفاق على التشغيل بحيث يتم ربط الإنفاق بالعملية الانتاجية وهو ما يتطلب وضع خطة فعالة للإنفاق على التشغيل من خلال خلق مشروعات إنتاجية حقيقية تساعد فى الحد من البطالة وفى ذات الوقت تخفيض معدلات الدين الداخلى والخارجى. يؤكد أن ما يزيد من قوة الاقتصاد المصرى أن مصر تمثل مجالاً جاذبًا للاستثمارات الأجنبية وأنه فور استقرار الأوضاع وشعور المستثمر الأجنبى بوجود مناخ من الحرية والعدالة والديمقراطية فى مصر، فإن الاستثمارات الأجنبية ستتدفق على مصر. ويرى ياسين أنه لا خوف على الاقتصاد المصرى من الأوف شور حيث تتوافر الرقابة الجيدة على حركة الأموال المصرية بما يضمن عدم تهريب الأموال المصرية المجمدة إلى هذه المناطق ومن ناحية أخرى يوضح أنه من حق أصحاب رأس المال من غير المتورطين فى قضايا فساد الاستثمار فى الأماكن التى يرغبونها مادام ذلك يتم بشكل صحيح ويواكب مجالات الاستثمار العالمية. ورغم أن الولاياتالمتحدةالأمريكية معرضة للإفلاس نظرًا لأن سقف الدين الداخلى يتجاوز إجمالى الدخل القومى، إلا أن الوضع فى مصر مختلف تمامًا حيث إن الدين الداخلى لم يتخط الدخل القومى كما أنه لا توجد أية عقبات بالنسبة للدين الخارجى حيث يبلغ 35 مليار دولار على آجال طويلة المدى نظرًا لأنه جاء فى صورة منح ومساعدات غير مباشرة لمصر من جانب الدول الدائنة، وانطلاقًا من ذلك فإن الاقتصاد المصرى آمن ومصر غير معرضة للإفلاس هذا ما أكده د. أيمن محمد إبراهيم الخبير المصرفى، وأضاف أنه بخلاف ذلك فإن حسن الإدارة وإعادة صياغة الاقتصاد المصرى من خلال تطبيق بعض الأفكار الاقتصادية غير التقليدية من شأنه أن يساعد على توفير موارد إضافية تكفى لسداد الديون وتحسين أوضاع الاقتصاد المصرى، موضحًا أن ذلك يتطلب هيكلة الأجور بشكل جيد بحيث تشمل وضع حدين أدنى وأقصى للأجور على مستوى جميع قطاعات الدولة بما فى ذلك قطاعات البنوك والبترول وقناة السويس، وفى هذا السياق أشار د.أيمن محمد إبراهيم إلى مشروع قانون قام بإعداده يقوم على توفير 50 مليار جنيه سنويًا من خلال دمج الكسور العشرية الخاصة بالفواتير مثل فواتير التليفونات والكهرباء والغاز وهذا المشروع يسمى مشروع العلامة العشرية، وأوضح أنه يجرى مناقشات فى الوقت الراهن مع د. حازم الببلاوى وزير المالية بشأن التوصل للصيغة النهائية لتنفيذ المشروع وإمكانية أن يتم توظيف هذه الأموال من خلال صندوق للتنمية الاجتماعية أو بنك إجتماعى، مشيرًا إلى أنه من المحتمل شراء بنك القاهرة وتحويله إلى بنك إجتماعى من خلال توظيف ذلك المشروع. وأوضح أنه يرى أن التوظيف الأمثل للمشروع يتم على النحو التالى: تخصيص 25 مليار جنيه لتنفيذ خطط الحكومة طويلة الأجل تضخ فى صورة أذون خزانة طويلة الأجل تتراوح ما بين 5 إلى سبعة سنوات، وتخصيص 16 مليار جنيه للمشروعات متناهية الصغر التى يقل رأس مالها عن 100 جنيه للشباب وأصحاب المعاش المبكر، ويتم تخصيص باقى المبلغ الذى يبلغ 14 مليار جنيه لدعم قطاع الزراعة خلال دعم زراعة القمح والذرة والشعير. وأوضح أنه بعد السنة الأولى من تنفيذ المشروع يتم البدء فى إعادة المبالغ إلى الجهات المانحة بالفوائد التى يتم تحديدها من الأرباح وعوائد المشروعات الاستثمارية التى يتم تطبيقها خلال المشروع. من جانبه أكد د. يسرى طاحون أستاذ الاقتصاد بجامعة طنطا أن مواجهة التحديات الاقتصادية وحماية مصر من إمكانية التعرض للإفلاس بل والفوضى يتطلب عملية تصحيح الأوضاع الاقتصاد المصرى، موضحًا أن الموازنة العامة للدولة تأتى فى مقدمة الأوضاع التى تحتاج إلى تصحيح ويرى أن تصحيحها يتطلب دمج جميع الإيرادات والنفقات العامة الدولة ضمن الموازنة العامة على أن يتم ذلك فى إطار من الشفافية من شأنه إلغاء مصطلح سرى عند مناقشة بنود الموازنة العامة وهو ما يتطلب دمج جميع الصناديق السرية ضمن الموازنة العامة. وأضاف أن عملية تصحيح الأوضاع يجب أن تتضمن وضع خطة لأولويات الإنفاق على أن يتصدر تلك الأولويات مواجهة الفقر والحد من البطالة والنهوض بالصحة والتعليم. وفيما يتعلق بمواجهة مشكلة الديون الداخلية والخارجية يرى أنه من الضرورى إعادة النظر فى استثمار الأراضى الصحراوية المتاخمة للمدن الكبرى وخاصة القاهرة والإسكندرية والسويس علاوة على الأراضى المتاخمة للطرق الصحراوية على أن يتم الإعلان عن بيع هذه الأراضى من خلال مزادات علنية وهو ما يمكن أن يوفر إيرادات كبيرة للدولة يمكن توظيفها فى سداد هذه الديون. دعم المستثمرين من جانبه أكد طارق عامر رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى المصرى أن البنك وضع خطة يقوم بتنفيذها فى الوقت الراهن لدعم حركة الاستثمار على مستوى جميع محافظات الجمهورية وأنه فى ضوء ذلك تم تمويل العديد من المشروعات فى عدد من المحافظات وجاء ذلك عقب القيام بزيارات ميدانية لهذه المحافظات لدراسة الأوضاع على أرض الواقع وبحث أفضل الطرق لدعم المستثمرين بتلك المحافظات مشيرًا إلى أن ذلك يأتى فى ضوء تعهد البنك بتوظيف جميع طاقاته وامكانياته للنهوض بالاقتصاد المصرى وتجاوز الأوضاع الراهنة. وأضاف أنه فى إطار تمويل المشروعات الكبرى وافق البنك مؤخرًا على دراسة لتمويل مطار رأس سدر وتنفيذ مشروع ازدواج طريق طابا نويبع بالإضافة إلى عدد من المشروعات الأخرى فى محافظة جنوبسيناء تشمل إنشاء شركات لتحلية المياة والأمن ونقل الطرود وإقامة مشروعات لسياحة السفارى والفنادق البيئية.