يواصل المصور الصحفى الكبير محمد حسن ذكرياته عن الفترة التى قضاها مصوراً شخصياً للرئيس المخلوع لأكثر من سبع سنوات.. وبعد أن باح لنا فى الحلقة السابقة عن سر إدخال الكاميرات الديجيتال بدلاً من العادية، وعن جرى الوزراء ورؤسائهم فى القصر الجمهورى من جراء ضربهم وسبهم وحكاية اللبانة التى فى فم علاء مبارك، وقد توقف بنا فى الحلقة الماضية عند الصورة التى خطفها فى فرح ابن عبدالناصر الأوسط عبدالحميد والتى منحه عليها مصطفى أمين مكافأة مالية قدرها خمسون جنيهاً. * ليه؟ ** صورة لابن عبد الناصر وهو يقبل يد حفيدة البدراوى عاشور باشا فى حفل الخطوبة، وكان فى بيت العروس بجاردن سيتى، ونزلت على ربع صفحة فى الأخبار، وبيعت لوكالات الأنباء الأجنبية ب 12 ألف جنيه. * وماذا عن الرئيس أنور السادات؟ ** أحب أوضح الأول معلومة مهمة، وهى أن التصوير يحتاج للحب من أجل أن نخرج الصورة حلوة، لا بد أن نحب ما نصوره وأن نحس ونشعر به، فكما أن الصحفى يسعى بالانفراد بالخبر فإن المصور يتوق للصورة الفريدة.. والحقيقة أن مبارك كانت معاملته للعاملين معه وزوجته سوزان غير إنسانية وغير مريحة، وهذا يفسر لماذا ليست لهم صورة حلوة بجد.. عكس عبد الناصر والسادات.. أنا سافرت كثيرا مع السادات وزوجته جيهان، وكانت معاملتهما رائعة.. يمران علينا ويسألان: نمتوا كويس؟.. أكلتوا كويس؟.. عاوزين حاجة؟.. ناقصكم شىء؟.. هذا التعامل الإنسانى يجعلك حريصة على أن تظهريهم فى أحسن صورة.. والحقيقة أن السادات كان ظريفا جدا وصاحب نكتة.. أذكر مرة كنا فى الإسكندرية وفى رمضان، واجتمع بنا فى حديقة القصر، ثم قال: يا جماعة أنا تعبت.. بكرة ابعت لكم بعد الفطار النائب يقعد معاكم (يقصد حسنى مبارك) فكل الذى كانوا حاضرين هتفوا لا ياريس.. لا.. عاوزينك أنت.. فضحك هو قوى، وقال: خلاص أجيلكم بعد الفطار بعدما آخذ «النفسين» قالها كده، وطبعا فطسنا على روحنا من الضحك.. كما أن السادات كان يساعد الكاميرا كثيرا بأشياء جديدة ولطيفة.. عباية.. عصاية.. يقعد على مصطبة.. يطبطب على واحدة ست غلبانة.. يقعد معاها على الأرض.. مرة كنا راكبين العربات وفى طريقنا معه إلى الإسماعيلية.. وفجأة توقف ونزل وقعد على قهوة، وهذا لم يكن فى الحسبان وأربك الأمن، لكن بعد أن جلس على القهوة وشرب الشاى قال لنا: عارفين ياولاد القهوة دى أنا كنت بقعد عليها لما كنت شيال.. إيه رأيك فى هذه الصورة؟ * مش فاهمة؟ ** هذه صورة أخذتها لمجندة إسرائيلية بعد استردادنا لسيناء، ونشرت بالمجلة.. وكان قد أقيم معرض للتصوير الفوتوغرافى فى مبنى الحزب الوطنى المنحل الذى احترق فى الأحداث الأخيرة، وأشرف على تنظيمه الفنان الكبير محمد يوسف الله يرحمه، وكانت هذه الصورة من ضمن المعروضات.. استوقفت هذه الصورة الرئيس أنور السادات، وهو يفتتح المعرض ويتفقده، وأعجب بها جدا وشكرنى عليها وأعطانى جائزة ميدالية من ميداليات الرئاسة، لأنه فنان وبيفهم، حدث هذا تلقائيا ودون تنظيم. * بصراحة.. الصورة أمامى الآن أبيض وأسود.. يا أستاذ محمد أين بقية الألوان؟ ** هذه هى الحقيقة كما رأيتها.. وببساطة أكثر أنا أرى أن «أُس الفساد» وسببه الرئيسى هو زكريا عزمى.. لو شفتى إزاى يوميا يقف ينتظر وصول الرئيس للمكتب، ثم ينحنى عليه طيلة الطريق ويمسك ودانه حتى يدخل المكتب ويظل معه فى المكتب فترة يحشو رأسه بكل ما يريده.. مرة أنا سمعت مبارك يقول: لو عندى اثنين مثل زكريا عزمى لأصبحت مصر شىء ثانى. * ربنا لطف، لكن لماذا ينتظره فى المكتب؟ ** كان ممنوعا عليه دخول البيت الرئاسى، لم يدخله كان هناك حرس آخر وسكرتارية أخرى وأمن آخر وناس أخرى تماما.. عارفة زكريا عمل إيه فى فاروق إبراهيم الله يرحمه؟ * لا..؟ ** عرف إن فاروق إبراهيم باع صورة حسنى مع أحمد الريان بخمسين ألف جنيه.. اتجنن وأرسل قوة إلى معمل فاروق الخاص بالهرم، فأخذوا الأفلام كلها والمعمل كله وطلعوا بها على الرئاسة بعد أن كسروا الدنيا على رأس فاروق، ومن بعدها عمل حظر على المصورين جميعا وبالذات فى المأموريات الخارجية، كل مصور يخرج للعمل وراءه مراقب بأمر زكريا وهو أيضاً عيناه لم تكن تفارقنا، وأول ما ينتهى الفيلم يسحب منا فورا، وكان لا يسمح بالتصوير مع الرئيس إلا بموفقته هو شخصيا، لأنهم اكتشفوا ثمن وقيمة الصورة فى الإعلانات، فاحتكروها لأنفسهم.. واكتشفنا بعد ذلك أن كل المقابلات الرئاسية والزيارات التى كانت تتم فى المصانع والشركات والمعارض سواء للسيارات أو للسجاد أو للمنسوجات أو أى شىء آخر كانت كلها تشحن وتسلم لعزمى يوزعها حسب الاتفاقيات المبرمة بينهم. * ألم يطلب منك مرة أن تصوره؟ ** زكريا.. لا طبعا.. ولو طلب لم أكن لأصوره، هو كان وحش قوى، شكله صعب، معضم ومش حلو خالص، وهو كان بيكره التصوير حتى فى مجلس الشعب كان يرفض التصوير، وهذا ليس تجنيا عليه فأنا أذكر له موقفا أفادنى أنا شخصيا.. فعندما جاء الرئيس الأمريكى «بيل كلينتون» لزيارة مصر وأقام فى قصر القبة، قال لى زكريا عزمى إلزق للمصور الشخصى لكلينتون واعمل كما يعمل بالضبط، وحصل.. ظللت أصور فيهم حتى باب غرفة النوم، وسلموا هذا سيدخل لينام وهذا نزل يمشى، وفى اليوم الثانى من الصباح ذهبت لقصر القبة كى أستكمل العمل، وفوجئت بكلينتون يركب عجلة ويلعب بها فى ساحة القصر مع مصوره وهما يضحكان ويهزران ويلعبان.. وعندما رأى المصور الأمريكى دهشتى وانبهارى بما أراه.. قال لى: أنا لا أفهم لماذا أنتم معقدون هكذا فى علاقاتكم مع الرئيس.. أنتم مكلكعون قوى.. كلينتون صاحبى وقبل أن نجىء هنا لمصر كان فى عيد ميلاد ابنتى فى البيت.