لأنها شخصية ثورية منذ نعومة أظافرها، فقد اتخذت من الشِعر طريقاً لإعلان التمرد والعصيان على كل ما تراه مغلوطاً فى حياتها.. عشقت شعر الجاهلية وتأثرت بشعراء الحداثة وتعلمت على أيدى أحمد رامى.. فكتبت بالعامية والفصحى قصائد نبشت بها قبوراً ظن مقيدوها أنها ساكنة، فإذا بكلماتها نار ودخان يكشف سوءاتهم.. إنها الشاعرة إيمان البكرى التى قاومت الفساد الذى استشرى فى عهد النظام السابق ففقدت منصبها كمدير عام بالهيئة العامة للكتاب.. وتعرضت للملاحقات لكنها أبداً لم ترفع الراية البيضاء.. ولم تستسلم.. * ما القصيدة التى يمكن أن تُعبِّرى بها عن حالنا فى هذه الفترة؟ ** من الصعب رسم صورة حقيقية نظراً للأحداث المتلاحقة والصاخبة ولكنى كتبت عدة قصائد مواكبة للأحداث منها «مافيش حوار» و«قراءة فى المشهد الأخير». وقصيدة «أم الحوار» والتى أقول فيها: خلصنا من أم النظام.. ودخلنا على أم الحوار على المناهدة والملاوعة.. والمخالفة والنقار زحمة، هوجة وألف موجة.. نفسها يتوه المسار أولعبان أراجوز ديابة.. فوق رصيف الانتظار والحقايق لسه ضايعة.. جوه دوامة غبار فيه ضماير لسه بايعة.. ولسه فيه تعابين كتار والجراب لساه يا حاوى.. حاوى أسرار الكبار * كتبت العديد من الأشعار التى انتقدت الأوضاع المغلوطة فى عهد النظام السابق.. فهل تضررت بسبب ذلك؟ ** كنت أحاول أن أشهر كلماتى فى وجه قوى الفساد والظلم، لم أفكر ولم أتردد لأننى حملت منذ البداية أمانة الكلمة وهى رسالة أعتز بها وإن كنت تعرضت لضغوط كثيرة وأبعدت عن منصبى كمدير عام للنشر بالهيئة المصرية العامة للكتاب، وقدمت استقالتى اعتراضا على كم الفساد وحوصرت إعلامياً وألغيت كثير من ندواتى الشعرية التى كانت تقام بالجامعات ولكنها ضريبة أفتخر بها وكنت على ثقة ببقاء الإبداع والمبدع الذى يتخذ من كلماته جسراً للنفاذ إلى القلوب والعقول. * من هم الشعراء الذين تأثرت بهم؟ ** عشقت الشعر الجاهلى وأحببت شعراء المهجر وتعلقت بما كتبه إبراهيم ناجى وعلى محمود طه ونزار قبانى ومحمود درويش وحافظ إبراهيم وأحمد شوقى واستفدت من تجارب بيرم وفؤاد حداد وأحمد فؤاد نجم وتعلمت على يد أحمد رامى.. كل هؤلاء وغيرهم ساعدوا فى تكوينى الأدبى وأثروا تجربتى الشعرية بمعجم لغوى ولفظى. * ما الدور الذى ساهم به الشعر قبل وأثناء الثورة.. وهل سيختلف دوره بعد الثورة؟ ** الشعراء دائماً متواجدون فى أروقة الثقافة ولكن كثيراً من الإبداع قبل الثورة كان يحفز ويكشف ويشير وكان يواجه بالتعتيم والإهمال والترصد ولكن كثيراً من الأصوات الشعرية استطاعت أن ترصد وتتنبأ فكانت بمثابة إرهاصات لتلك الثورة، وأعتقد أن الفترة القادمة سيكون للشعر مكانة مرموقة من خلال أصوات شعرية بدأ الشباب يلتفون حولها ويرددون قصائدها. * هل توقعت حدوث ثورة؟ ** الثورة كانت كامنة بداخلنا فى صورة نقمة وغضب مكبوت وما إن بدأت شرارتها حتى سارع الجميع إليها ليظهر معدن هذا الشعب الأصيل، فهى ثورة شعبية خضراء جاءت بعيدة عن الأطماع السياسية أو لاقتناص مناصب قيادية، وإنما جاءت لتوقظ الجميع من السلبية والخوف وتعيد الوعى للمواطن المصرى ليرفض الظلم والفساد والتبعية والدكتاتورية وتعيد له حقه فى اختيار مستقبله. * بم تصفين عهد مبارك؟ ** أصف عهد مبارك بعهد الانتصار الذى انقلب إلى هزيمة، لقد هزمنا مبارك ورجاله وأدخلنا إلى كهف مظلم وكانوا سببا فى تأخرنا فى جميع المجالات اقتصاديا وعلميا وسياسيا وأخلاقيا، إنه عصر التردى، عصر «على بابا والأربعين حرامى» مع تحفظى على رقم (40) أناس نسوا الله فأنساهم أنفسهم طغوا فأفسدوا وصادروا الحلم والمستقبل، اختاروا اللصوص لقيادة الأمة والجهلاء ليتحكموا فى مصائرنا ولكنهم والحق يقال كانوا عادلين فى توزيع الوجع والألم واليأس والمرض والإحباط والجوع على كل مواطن مصرى. * ما رأيك فى العفو عن مبارك مقابل رد الأموال؟ ** لقد أهدر مبارك تاريخه الذى كان يشفع له، ومع كم الفساد والجرائم التى ارتكبت برعايته لم يترك لنا خيارا إلا المحاسبة العادلة لراع لم يراع الله فى رعيته وجعل مصائرهم فى أيدى شلة لصوص، أى عفو وقد أضاعوا ثروة شعب حتى أفقروه وأذلوه، تعود الأموال المهربة ويحاسب كل من اقترف خيانة فى حق شعب مصر. قصة نجاح * وبرأيك متى يكتمل نجاح الثورة.. وكم نحتاج من الوقت كى نجنى ثمارها؟ ** ستنجح الثورة إذا صدقت النوايا ووضع كل مسئول فى مكانه الطبيعى وأولينا ذوى الخبرة والعلم والدراية فى جميع أمورنا، ستنجح الثورة عندما يترفع الجميع عن مصالحه الخاصة وأيديولوجياته الضيقة وينتبه لمصير أمة صبرت وضحت بدماء أبنائها لكى نعبر إلى المكانة التى تستحقها مصر، وأولى هذه الإصلاحات تقديم وجوه نظيفة وضمائر حية يكون التطهير والتهذيب والإصلاح وشعارها الأكبر القانون والعدل والعقاب الرادع لمن يحاول التخريب وضياع بريق الثورة. * وكيف تصفين ما يحدث فى الدول العربية من ثورات؟ ** إنها ثورات على أوضاع استشرت على امتداد وطننا العربى الذى سرق بأيدى الأنظمة الفاسدة الرابضة على أنفاس شعوبها بالقمع والنهب والقهر، فنحن شعوب منكوبة بزعماء استبعدونا بجهلهم وغبائهم حاولوا إضعاف ومسخ شعوبهم بالتخويف والترهيب والتجويع ليبقوا فوق كراسيهم، إلا أن ما يحدث الآن من ثورات عربية يثبت أن الحرية والكرامة والعزة لا تموت بداخل الإنسان العربى. * ما هو بيت الشعر الذى يمكن أن ينطبق على حالة الرئيس الليبى معمر القذافى وبعض الحكام العرب الذين لفظتهم شعوبهم؟ ** نحييكم معاليكم.. ألا تبت أياديكم ومن أعنى؟ وهل أعنى؟ وعهد الله أعنيكم بشحمكمو ولحمكمو.. وقاصيكم ودانيكم فكلكمو كأعجاز تيبس كل ما فيكم عروشكمو معرشة على أنقاض ماضيكم وحاضركم يحاصركم.. بمأساة ستفنيكم وفى غدكم نفاجئكم.. بتقرير يوافيكم لبسنا عرينا ثوبا.. لعل العرى يكسيكم وزدنا جوعنا جوعا.. فكان الفقر يغنيكم وليت العيب فى شعب وفى زمن يلهيكم ولكن جل بلوتنا وجدنا عيبنا فيكم. * ما رأيك فى الأسماء المطروحة الآن كمرشحين لرئاسة مصر؟ ** مصر بقيمتها وقامتها وتطلعاتها أكبر من كل المرشحين وعلّ الأيام والشهور القادمة تقدم مفاجأة نستحقها. * ومَن مِن وجهة نظرك الأقرب للفوز بالرئاسة؟ ** ندع هذا الأمر لإرادة الشعب الذى سيختار ولأول مرة فى تاريخه بإرادته من يريد وأرى المواطن المصرى على وعى، فهو الضمانة الوحيدة لنا. * ما تقييمك للشعراء الموجودين حالياً على الساحة مثل هشام الجخ وغيره من الشعراء الشباب؟ ** كانوا يقولون قديما إن الشاعر هبة السماء إلى الأرض والشاعر بإبداعه الصادق وإيمانه برسالته وبتفاعله مع قضايا وطنه وباستمراريته وهذا ما يجعل الشعر يصل إلى المتلقى وقد نجحوا جميعا فى الوصول إلى الشباب واستعادة مكانة الكلمة الشعرية، وأنا فرحة وفخورة بهم وأرجو لهم الاستقرار والتألق لإثراء حياتنا الشعرية.