عاد السلفيون مرة أخرى بعد غياب طال لأكثر من ثلاثين عاما، وهى مدة حكم النظام السابق، وكانت عودتهم عقب أحداث جسام مرت على أرض الوطن ونسب إلى السلفيين بعضها فى ظروف استثنائية لم تشهدها مصر كثيرا منذ أيام العهد الملكى ومنها استشهاد الرئيس الراحل أنور السادات وأحداث أخرى مماثلة وحتى قيام الثورة المصرية العظيمة فى الخامس والعشرين من يناير.. ورغم كل ذلك لست مع الذين يرفضون عودة السلفيين إلى الشارع المصرى ولا أعنى به الشارع السياسى وحده، ولكن الذى أعنيه قصدا هو الشارع التقليدى الذى يعج بحركة المواطنين المصريين جميعا كى يمارسوا دورهم فى الحياة سعيا للرزق الحلال لهم ولأسرهم والرفعة والنهضة لوطنهم.. والسلفيون بما أنهم مواطنون يتمتعون بالمواطنة الكاملة فإن عليهم ما على أى مواطن من واجبات، وكذلك لهم ما له من حقوق.. ومن هذا المنطلق فإنى وغيرى كثيرون لا يمانعون أن يمارس التيار السلفى دوره السياسى إلى جوار القوى السياسية الأخرى، وفق ما يقتضى قانون مباشرة الحقوق السياسية، وذلك دون أن يحتكر صكوك الإيمان، وأيضاً دون أن يكون ما عداهم من الذين كفروا.. وإذا كنت أتحفظ كثيرا على تسمية أناس بعينهم بصفتهم تيارًا سلفيًا، حيث لا احتكار للسلفية لأنها حق لكل مسلم، بل واجب حتمى عليه مادام يشهد أن لا إله إلاالله وأن محمدًا رسول الله، ويأتى التعريف العلمى والمنطقى للسلفية بأنه الاتباع الكامل للسلف الصالح منذ عهد النبوة وما تلاه من حكم الخلفاء الراشدين وما بعده من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتابعين وتابعى التابعين ممن التزموا بأحكام القرآن الكريم واتبعوا سنة رسوله المصطفى صلوات الله وسلامه عليه.. والتعريف الشائع للتيار السلفى هو تيار إسلامى ومنهج فكرى يدعو إلى نهج السلف الصالح والتمسك بالأخذ بأحكام كتاب الله والأحاديث النبوية الشريفة وقد أسس هذا التيار فى القرن الثامن الهجرى على يد الإمام أحمد بن تيمية ووفقا لهذا التعريف يمكن أن أقر وأنا بكامل قواى العقلية وكامل دوافعى الإيمانية بأننى سلفى أبًا عن جد، بل عن أجداد سبقونا إلى الإيمان، وذلك دون أن أنضم إلى حزب معين أو أنضوى تحت راية تيار محدد، وفوق ذلك كله أقول إن كل مسلم هو سلفى مهما اختلفت مذاهبه وتباينت طوائفه، حيث مصادر تشريعنا كمسلمين هى الذكر الحكيم والسُنة النبوية المطهرة وإجماع العلماء والفقهاء، ثم القياس الموثق مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا.. كتاب الله وسنتى) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وفى هذا الصدد لنا النموذج الأمثل وهو السلفى الأشهر الإمام الجليل محمد عبده الذى انتهج نهجا قويما يبرز وسطية الإسلام وسماحته وديمومة تعاليمه التى تهيأت بفضل الله لتصلح ناموسا إيمانيا لكل العصور مهما تعاقبت السنون وحتى قيام الساعة فى اليوم العظيم. وكيف لا يكون ذلك وهو آخر الرسالات السماوية ورسوله صلوات الله وسلامه عليه هو خاتم الأنبياء وإمام المرسلين.. وإذا كانت بعض الأحكام لبعض السلفيين قد جنحت نحو التشدد ودخلت عليها بعض وجهات النظر التفسيرية، والتى صارت محلا للخلاف والاختلاف، فهنا نطرح للمناقشة حلا توافقيا يصل بنا إلى كلمة سواء، وإذا رفض مبدأ التحاور فإن ملاذنا البديل يكون هو التشاور. وقد لا يختلف الجميع حول ذلك لأن الشورى نهج إسلامى مؤكد وتاريخى اتخذه عن أمتنا الإسلامية العالم أجمع على اختلاف مستوياته الحضارية والثقافية والسياسية، ونحمد الله أن اختلافنا فى هذا الشأن يبتعد بنا عن صلب العقيدة الإسلامية وأصولها الثابتة بينما يبرز هذا الاختلاف قشورًا هامشية لا يمثل الخلاف حولها شيئا جوهريا يمس ثوابت الرسالة المحمدية الخالدة ومنها على سبيل المثال لا الحصر مشروعية زيارة القبور التى نهى عنها رسول الله يوما ثم جاء قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث صحيح ليظهر الأمر بزيارتها حيث قال فيه:( كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكرة بالآخرة) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ثم تأتى قضية أولياء الله الصالحين والتى جاء حولها فى أقوال الصالحين (ما كان معجرة لنبى جاز أن يكون كرامة لولى) ولنا فى قصة العبد الصالح «الخضر» وحوارته الشهيرة مع كليم الله موسى عليه السلام ما يؤكد ذلك فيما ورد فى سورة الكهف.