د. منى حلمى الأديبة والقاصة والشاعرة والكاتبة المتميزة من جيل الثمانينيات، من الأديبات التى ظهرت فى نفس الفترة التى بدأت فيها الكتابة الأدبية .. ولكنها كانت أسرع الخطى من كثير من بنات جيلها، وكنا على صفحات هذه المجلة «أكتوبر» نتناوب النشر كل أسبوع بحيث تنشر إحدانا لها قصة قصيرة.. فى خلال فترة التسعينيات بأكملها.. ولهذا تابعتها منذ البدايات وحتى الآن.. منى حلمى تكتب القصة الشعرية.. وتكتب القصيدة النثرية بنفس البراعة والاقتدار. إن اللغة الشاعرة من سمات كتابات منى حلمى، الأديبة الجريئة والمتمردة على كل القوالب الشكلية التقليدية التى تعود عليها قراء الأدب. إن قوة التعبير لدى د. منى حلمى رغم الرقة والعذوبة والشاعرية التى تتناول بها أفكارها ورؤاها - تعبر عن ذاتها بكل الوضوح والصراحة والحرية التى تعتبرها هى اكسير حياتها.. ود. منى رغم أننى التقيت بها مرة أو اثنتين فإنك تشعر أن الإنسانة التى أمامك هى نفس الكاتبة الصادقة التى تعبر بإخلاص وبساطة عن ذاتها بمنتهى الحب والحرية والجمال .. وعلى الرغم من أننا جيل من الأديبات اهتم بحرية المرأة والفتاة فى التعبير عن ذاتها والخوض فى كل المسائل الشائكة فإن منى حلمى كانت الأجرأ والأكثر قدرة بلا تكلف أو تصنع أو رياء. فتنساب أفكارها على الورق مهمومة بالمرأة ومعاناتها مع واقع لا يبجل الا الرجل ويعتبر المرأة مضافا إليه. ديوانك الأخير الذى وصلنى أبكانى.. آلمنى .. وأتعبنى وهزنى بقوة وايقظ فى مشاعرى الحزن الذى طالما لا أريد التعبير عنه .. مشاعر الفقد .. مشاعر الاشتياق للأحباب الذين رحلوا .. الذين وقعوا منا وتركونا بلا أحباب حقيقيين كنا نتكئ عليهم فى هذا الزمن الضنين .. لم تنفصل منى حلمى عن الواقع ولم تهرب منه بل واجهته بمنتهى القوة والتعبير عنه بمنتهى الخصوصية، تبدو راضية بالقدر، مستسلمة أحيانا رافضة متمردة أحيانا أخرى.. الديوان بعنوان (سابحة إليك تحت التراب) .. أصعب سباحة يستطيعها الإنسان . ولعلها دائما تختار الصعب هذه هى منى حلمى التى عرفتها من خلال قراءتها .. وبالرغم من محنتها الذاتية، لم تنس الوطن الذى قالت فيه: وطنى فى الأحلام – على بساط الأحلام – يأتينى وطن لايصادر حبر الأقلام – وطن لايخنق النساء – ولا يخسف القمر ولايرجم السماء – وطن برىء من حبس العصافير – والقبض على الشهيق والزفير .. وعندما ألمحت الى التغيير والرغبة فيه قالت: ليس التغيير فى تجديد المديرة أو المدير – ولكنه فعل أشبه بنسف اللغم .. والصرامة فى أمر التفجير .. منى حلمى عندما تتحدث عن الوطن فهى اشبه بطبيب يشخص أمراض هذا الوطن .. وعندما كتبت عن إنسان هذا العصر المطحون قالت فى إحدى قصائد هذا الديوان تمر الأزمنة علينا مرور الكرام – لانفعل شيئا بالأيام، والشهور والأحلام – نعيش بالاستهلاك .. يستهوينا التكرار – طقوس الليل هى طقوس النهار . نحيا بالتقليد دون إبداع أو ابتكار – مجرد تروس فى آلة أو حفنة صدئة من الأزرار. هكذا عاش المصريون قبل الثورة، كما رصدت منى حلمى فى قصيدتها ولكننا ننتظر التغيير الآن .. وقالت عن الحياة بعد ان عرفت مرارة الفقد للحبيب: أنا لا أتشبث بأى شىء أو بأى أحد – حتى الحياة لا أتشبث بها – إن كانت الحياة تريدنى فلتتشبث هى بحياتى.. وقالت الكثير والكثير عن توأم روحها الذى غادر الحياة شابا واغتاله المرض .. حضورك – غامض –ساحر ممتع مدهش – مثل حضور القصيدة- أستضيف القصيدة على اوراقى – وأستضيفك أنت على أشواقى – تلتحم القصيدة بسن قلمى – وتلتحم أنت بنبض قلبى –غيابك خنجر حاد يذبحنى مثل غياب القصيدة .. ولم تنس د. منى أن تعبر عن ازدواجية البشر– فقالت: مهزلة فاجرة حينما يتكلم القتلة عن الرحمة – ويتكلم الجناة عن العدل – ويتكلم الأثرياء عن الفقراء .. أشعر أننى فى مهزلة فاجرة .. أما أجمل ما احببت عندما قالت فى إيجاز شديد .. حينما ينزل فى الصيف المطر – سوف تتغير ملامح القدر . أما فى الحب والحبيب ويمكن ان تكون هذه القصيدة للوطن أو الحبيب فهى للحب بالمعنى الشامل.. وأسمتها نوعا من الحب.. أحببتك حبا يحير الخيال – يحرك الجبال – ويفتح لقلبك سر المحال .. أحببتك حبا ينطق له الحجر – أحببتك حبا ينثر عبير الزهور – يفتت عناد الصخور– حين أقول أحبك ينشق البحر – يذوب حديد القهر – تعلن الحرية دستورا أبد الدهر – أحببتك حبا أجهدنى .. أمرضنى .. دمرنى.. أحببتك حبا مرة يرسلنى الى المنفى .. ومرات الى المستشفى .. هذا الحب للوطن كان لرجل بعينه فهو الصدق والجمال بعينه .. حلقت بنا د.منى حلمى فى هذا الديوان القيم التى عبرت فيه عن حالات الإنسان فى قوته وضعفه فى حزنه وألمه .. فى حريته وصلابته ..أخذتنى الى عالمها وشجونها وشاركتنى أيضا أحلامها فى عالم جميل تسوده الحرية والحب.