عدوى الثورات العربية وصلت جورجيا، فالجورجيون أيضاً أرادوا إسقاط نظام ساكاشفيلى وصنعوا ميدان تحريرهم لتنطلق منه أحلامهم، وأعلنت المعارضة الجورجية أنها لا تستبعد ان تشهد جورجيا أحداثا شبيهة بالأحداث التى شهدتها مصر وانتهت بتنحى الرئيس المصرى حسنى مبارك. خرجت المظاهرات فى العاصمة الجورجية «تبليسى» ومدينة باتومى بقيادة حزب «الحركة الديمقراطية - جورجيا الموحدة» لتتركز أمام البرلمان (60 ألف متظاهر) احتجاجا على خطط أعدتها الحكومة بغرض إحداث تعديلات على النظام الانتخابى فى البلاد. وعلى الرغم من الصغر النسبى لحجم هذه المظاهرات مقارنة بالمشاركة الشعبية الواسعة للجورجيين فيما عرف باسم «الثورة الوردية» إلا أنها تشير فى حقيقة الأمر إلى استمرار المد الثورى فى جورجيا وتأثره بالربيع العربى. كما تشير إلى احتمال عودة التاريخ الجورجى إلى سابق عهده المعروف بالاضطرابات السياسية، فمنذ حصلت هذه الجمهورية الجبلية الواعرة الصغيرة على استقلالها من الاتحاد السوفييتى بعد إنفراط عقده، توالى على قيادتها ثلاثة رؤساء جاءوا جميعهم بالتأييد الشعبى الجارف، لينتهى بهم الحال إلى تخييب آمال الشعب الجورجى وإثارة غضبه ونقمته عليهم. فى البداية لقى زفياد جامساخورديا - الذى انتخب عام 1991 بأغلبية شعبية بلغت نسبتها 87% من مجموع أصوات الناخبين - مصرعه إبان حرب أهلية جاءت بالرئيس إدوارد شيفرنادزه وزير الخارجية السوفييتى الأسبق إلى سدة الحكم عام 1992 وعلى الرغم من نجاح شيفرنادزه فى بسط الاستقرار فى جورجيا ووضعها على طريق التحول الديمقراطى، إلا أنه سرعان ما وجهت إليه الاتهامات بتزوير نتائج الانتخابات البرلمانية، الأمر الذى أرغمه على تقديم استقالته إثر اندلاع الثورة الوردية ضده، وفى الانتخابات التى أجريت فى 2003 كان الفوز من نصيب الرئيس الجورجى الحالى ميخائيل ساكاشفيلى الذى سرعان ما ألقى بنفسه فى أحضان الأمريكان، وانتهج سياسة وصفتها مجلة الايكونوميست البريطانية بالحمقاء وربما الإجرامية. هذه السياسة انطوت على انتهاكات لحقوق الأقليات القومية فى أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وبلغت ذروتها عندما شنت القوات الجورجية عدوانا واسعا على تسخينفالى عاصمة أوسيتيا الجنوبية فدمرت أقساما واسعة منها وتسببت فى هلاك ما يقرب من 1500 مدنى، كما انطوت هذه السياسة على تهديد للأمن القومى الروسى الذى مارسته حكومة ساكاشفيلى عندما سمحت لمنظمات معادية لروسيا بإقامة قواعد تدريب على أراضيها. ليس هذا فقط، إنما انطوت سياسة ساكاشفيلى أيضاً على تشجيع لسياسة الحرب والعدوان عندما أبلغ الحكومة الإسرائيلية خلال حرب لبنان الثانية أنه على استعداد لأن يطير إلى حيفا لكى يعلن تضامنه الشخصى مع الإسرائيليين. لكن العدوان على أوسيتيا الجنوبية سرعان ما قوبل برد روسى عنيف فى أغسطس 2008 سحق قوات ساكاشفيلى وطال ثلاث قواعد عسكرية داخل الأراضى الجورجية، بالإضافة إلى الميناء الرئيسى، وتقدمت القوات الروسية إلى داخل الأراضى الجورجية لتلقن نظام ساكاشفيلى درسا لن ينساه، ولتؤكد استعداد الروس التام والمدروس للرد على كل من يتجرأ على المساس بنطاقهم الحيوى. وفى أعقاب التظاهرات الأخيرة المنادية بإسقاط نظام ساكاشفيلى والتى اندلعت فى أواخر مايو الماضى صدر بيان عن الداخلية الجورجية ادعت فيه أن تبليسى كشفت مؤامرة على نظام الرئيس ساكاشفيلى تمت حياكتها بمساعدة المخابرات الروسية، وزعم البيان أن جماعة من مؤيدى الحزب الجورجى بقيادة وزير الدفاع الجورجى السابق أوكرا شفيلى خططت لإسقاط نظام الحكم بمساعدة وحدات من القوات الروسية ترابط فى أوسيتيا الجنوبية. ومن ناحية أخرى اتهمت موسكو تبليسى بانتهاك حق المواطنين فى التجمع والتعبير عن آرائهم من خلال استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين. وكانت الخارجية الروسية قد عبرت عن قلقها الشديد من تردد سفن حربية أمريكية على ميناء باتومى الجورجى الواقع على البحر الأسود، وذلك بعدما أعلنت السفارة الأمريكية فى جورجيا مؤخرا عن دخول السفينة مونترى التابعة للبحرية الأمريكية إلى ميناء باتومى لإجراء تدريبات مشتركة مع وحدات من القوات البحرية التابعة لدول مطلة على البحر الأسود وسبق للأمريكى «أنزيو» أن دخل إلى نفس الميناء لنفس الغرض. وترى موسكو أن واشنطن على هذا النحو تدعم النظام الحاكم فى جمهورية جورجيا فى مسعاه لمعاودة الهجوم على جمهوريتى أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، حليفتى روسيا بهدف إعادتهما إلى جورجيا، وكانت كل من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية اللتين تسكنهما أغلبية روسية قد انفصلتا عن جورجيا عندما انفرط عقد اتحاد الجمهورية السوفيتية فى الثمانينيات.