*كشفت تحقيقات الكسب غير المشروع مع رموز النظام السابق الفاسد أنهم تعاملوا مع ثروات مصر على أنها بقرة حلوب يأخذون خيرها مع كل طلعة شمس.. ويتركون الناس تئن من الفقر والجوع والسكن فى المقابر والقتال من أجل رغيف عيش وأنبوبة بوتاجاز.. وحسبنا الله ونعم الوكيل! كشفنا فى خواطرنا السابقة عن المأساة أو السيناريو السنوى الذى كانت تمارسه حكومات النظام السابق الفاسد مع مجلسى الشعب والشورى.. حيث دأبت حكومتا د.عاطف عبيد ود.أحمد نظيف على تقديم أهم مشروعات القوانين فى نهاية كل دورة برلمانية.. وتجعل النواب يلهثون وراءها فى اللجان وفى الجلسات العامة صباحا ومساء مما جعل بعضها لا يأخذ حقه من البحث والدراسة والمناقشات الجادة. وبدأ تعبير سلق القوانين يتردد على لسان رجل الشارع بسبب ما يراه ويسمعه عما يحدث فى البرلمان! وللأسف الشديد فإن بعض مشروعات القوانين التى تتقدم بها الحكومة لمجلسى الشعب والشورى كانت لخدمة هذا النظام الفاسد ورجال أعماله الذين احتكروا المال والثروة والسلطة.. ودافعوا عن مصالحهم الشخصية بكل قوة غير مبالين بمعاناة الناس فى شتى المجالات! *** وأذكر أن أعجب ما شاهدته وتابعته تحت قبة مجلس الشعب هو ما حدث فى تعديل قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية الذى صدر فى عام 2005، فمع زيادة الاحتكار والأضرار التى لحقت بالأسواق من وراء بعض المحتكرين والمنتجين قررت الحكومة بعد سنتين من صدور القانون تعديله لزيادة قيمة الغرامة على الممارسات الاحتكارية بحد أدنى 100 ألف جنيه وأقصى 50 مليون جنيه أو 10% من قيمة مبيعات المنتج محل المخالفة.. وإضافة المادة 22 لفرض غرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تجاوز 200 ألف جنيه فى حالة امداد الجهاز ببيانات أو أوراق أو مستندات غير صحيحة وأيضا المادة 26 التى تعفى المبُلَّغ من العقوبة لمن بادر من المخالفين بإبلاغ الجهاز بجريمة الاحتكار تشجيعا له على التبليغ. ووافق مجلس الشورى على هذه التعديلات وغيرها.. لكن للأسف الشديد عندما بدأت المناقشات فى مجلس الشعب فى يونيو 2008 وجدنا اختلافات شديدة بين النواب حول قيمة الغرامة ورفعها لتصل إلى 200 مليون أو 300 مليون لتحقيق الردع المناسب على المحتكرين، وتمت إعادة المادة إلى اللجنة الاقتصادية للمداولة برئاسة د.مصطفى السعيد ورفض أعضاء الأغلبية فرض غرامة بنسبة 15% من قيمة مبيعات المنتج محل المخالفة حتى لا يتساوى المحتكر الكبير مع المحتكر الصغير وتزعمهم النواب عبد الرحمن بركة ومصطفى السلاب وكيلا اللجنة الاقتصادية وانضم إليهما إبراهيم الجوهرى وعمر الطاهر وكيلا اللجنة التشريعية، وحدث انقسام واضح فى اللجان وتأجلت المناقشة وتحقق لهم ما أرادوا فى الجلسة العامة ورفض اقتراح د. السعيد! وأذكر أنه فى اليوم التالى وبالتحديد فى جلسة الاثنين 16 يونيو 2008 وافق المجلس بصورة نهائية على مشروع القانون بما فيه مواد الخلاف بين النواب وهما مادتا (22 - 26) واللتان أشارتا إلى أن تكون غرامة الاحتكار لا تقل عن 100 ألف جنيه وبحد أقصى 300 مليون جنيه.. وتضاعفت الغرامة بحديها فى حالة العودة.. ويتم إعفاء المبلّغ عن الممارسات الاحتكارية من العقوبة تشجيعا له وأنه يجوز للمحكمة أن تعفى المتهم من العقوبة متى قدرت أنه أسهم فى الكشف عن عناصر الجريمة. وأثناء المناقشات الساخنة حول هذه العقوبة وعن إعفاء المبلّغ يختفى وزير الصناعة من القاعة ويترك الرد على النواب لممثل الحكومة د. مفيد شهاب ولمساعده المستشار هشام فتحى رجب حضور المناقشات! *** وبعد يومين فقط من موافقة مجلس الشعب على مشروع القانون وبالتحديد فى يوم الأربعاء 18 يونيه 2008 يفجر أحمد عز أمين التنظيم الأسبق مفاجأة كبرى أو سابقة برلمانية جديدة.. أنه يطالب بتعديل المادة 26 ويتقدم بمادة جديدة بمشروع قانون جديد يصر فيه على ضرورة عدم إعفاء المبلّغ عن الممارسات الاحتكارية.. وأن المحكمة يجوز أن توقع عليه غرامة تصل إلى 50% لكل من بادر من المخالفين بإبلاغ الجهاز بالجريمة وبتقديم ما لديه من أدلة ارتكابها ومن تقرر أنه أسهم فى الكشف عن عناصرها. واجتمعت اللجنة الاقتصادية فى ظهر الأربعاء لمناقشة المادة الجديدة لأمين التنظيم الأسبق ويرأسها عبد الرحمن بركة وكيل اللجنة وحدثت مناقشات ساخنة بين عز ومساعد الوزير المستشار هشام فتحى رجب ممثلا عن الحكومة الذى رفض اقتراح عز وتمسك بضرورة الإعفاء الكامل للمبلغ تشجيعا له، وأن أغلب التشريعات المقارنة تأخذ بالإعفاء الكامل.. وأن اقتراح عز ينص على أن يكون الإعفاء جوازيا وجزئيا، واستنكر مساعد الوزير أن يبلغ المنافس عن زملائه دون ضمان. ويرد أمين التنظيم الأسبق عليه بأن فكر رفض مشروع قانون «مستفزة» من ناحية المواءمة السياسية! وكأن على رأسه «بطحة» كما يقول المثل الشعبى فيؤكد على عدم وجود مصلحة شخصية له من وراء اقتراحه لأنه على حد قوله لم يقم بأى ممارسات احتكارية واصفا هذه المادة ب «الجزرة» وأن القوانين الأمريكية تعفى المبلغ من العقوبة بسبب المقايضات بين أجهزة الادعاء والتحقيق والمتهمين، كما أخذت التشريعات الأخرى بفكرة الرأفة والإعفاء الجزئى من العقوبة! وتوافق اللجنة الاقتصادية على اقتراح عز بعد أن استخدم سلاح الأغلبية فى وجه الحكومة نفسها فى اللجنة! ويعرض مشروع قانون «عز» فى الجلسة العامة فى نفس اليوم - وقبل رفع جلسات الدورة البرلمانية الثالثة من الفصل التشريعى التاسع بيوم واحد - وتوافق الأغلبية على هذه المادة التى تفرغ القانون من مضمونه، وتقلل من فرص كشف المخالفات، وجعلت العقوبة جوازية وليست وجوبية للمحكمة. ويفجر النائب المستقل مصطفى بكرى مفاجأة أخرى أثناء المناقشات عندما يؤكد على شائعات استقالة وزير الصناعة الأسبق رشيد محمد رشيد وأنه أرسلها من فرنسا احتجاجا على ما يحدث فى مشروع القانون وتدخلات أحمد عز فى استحداث مادة جديدة وفرض غرامة على المبلّغ، لكن ممثل الحكومة تحت القبة د. مفيد شهاب ينفى ذلك. *** .. لكن لماذا لم يحضر رشيد محمد رشيد مناقشة التعديلات التى أدخلها عز على القانون؟ وما هو سر المؤتمر الصحفى الذى عقده رشيد بعد عودته من الخارج؟! هذا ما سنتعرض له فى الخواطر القادمة إن شاء الله.