استطاع الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل فى حديثه للأهرام وضع النقط فوق الحروف عندما أكد أن الفساد فى مصر كان «مقننا».. وأن هناك من استطاع أن يغطى نفسه بنص القانون.. أو بالتحايل عليه.. فقد كانت صياغة بعض القوانين تتم وفقا للمصالح! وأظن أن ما قاله أستاذنا هيكل.. كان يحدث بالفعل فى صياغة بعض التشريعات التى كانت تصدر من مجلس الشعب على مدى السنوات الماضية! وأن الهدف من بعض القوانين ليس فى صالح الناس الغلابة فى الشارع المصرى- مهما قالوا لنا عكس ذلك- ولكن الهدف هو خدمة هذا النظام الفاسد السابق ورجال أعماله الذين تعاملوا معنا وكأنهم باقون لزمن قد يطول إلى يوم القيامة! وخير دليل على ذلك ما حدث فى البرلمان أثناء تعديل قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية الصادر بالقانون رقم 3 لسنة 2005. *** وأذكر أن هذا التعديل له حكاية عجيبة وغريبة فى نفس الوقت عشتها وتابعتها تحت قبة مجلسى الشعب والشورى فى صيف 2008.. وكان بطلها أمين التنظيم الأسبق للحزب الوطنى «المنحل» أحمد عز ومعه نواب الأغلبية وكان يستخدمهم كسلاح أو ورقة ضغط على الحكومة لتحقيق مصالحه الشخصية ولخدمة نظامه الفاسد! والحكاية ترجع بدايتها إلى عام 2005 وبالتحديد فى شهر فبراير عندما أصدر مجلس الشعب قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية الضارة بعد أن سيطر بعض المحتكرين والمنتجين على الأسواق المصرية.. واستطاع المحتكرون التحكم فى أسعار كل المنتجات ابتداء من الحديد والأسمنت وانتهاء بالسلع الغذائية ونص القانون على إنشاء جهاز مستقل لحماية المنافسة ومراقبة الأسواق وفحص الحالات الضارة. ولكن بعد التطبيق العملى لمواد القانون.. وبعد مرور سنتين فقط على إصداره استمرت الممارسات الاحتكارية فى بعض السلع.. وتبين أن العقوبة المقررة على المحتكرين ليست رادعة، لأن المحتكر عادة ما يقارن بين قيمة الغرامة والربح المحقق من دفع الغرامة لأن الربح يفوقها بنسبة كبيرة، كما قال أعضاء الشورى فى ذلك الوقت، فعقوبة الاحتكار كانت بغرامة لا تقل عن 30 ألف جنيه ولا تتجاوز عشرة ملايين جنيه، كما حصرت الحكومة العقوبات فقط فى تكليف المخالف بتعديل أوضاعه وإزالة المخالفة فقط، وإصدار قرار بالوقف الفورى للمخالفة المحظورة.. وقد رفض ممثلا الحكومة فى مناقشات الشورى فى ذلك الوقت (وزير التموين الأسبق د. حسن خضر ووزير الاستثمار السابق محمود محيى الدين) بأن تكون عقوبات المحتكرين بدنية ممثلة فى الحبس. ووقف بجوارهما صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى السابق والمحبوس حاليا على ذمة تحقيقات تضخم ثروته واستغلال نفوذه ووظيفته فى تحقيق منافع مادية لا تتناسب مع دخله! وقال إنه مع رأى الحكومة تشجيعا للاستثمار وجذبا له فى هذه المرحلة.. وأن المصادرة ووقف النشاط هى عقوبات شديدة وخراب بيوت على حد تعبير وزير الاستثمار السابق. *** ومع زيادة الممارسات الاحتكارية.. وأصبح الشعب يئن من ارتفاع الأسعار الجنونى وعدم السيطرة على الأسواق فى كل شىء.. قررت الحكومة فى يونيه 2008 التقدم بتعديل جديد على قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية لزيادة قيمة الغرامة المقررة كعقوبة على جرائم الاتفاقات الضارة بالمنافسة والممارسات الاحتكارية وتجريم عدم تنفيذ قرارات الجهاز بحيث لا تقل العقوبة عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على خمسين مليون جنيه أو 10% من قيمة مبيعات المنتج محل الخلاف أيهما أكبر ومضاعفة العقوبة بحديها فى حالة العودة.. مع تحفيز المساهمين فى جرائم الاتفاقات الضارة بالمنافسة على الإبلاغ عنها مقابل الإعفاء من العقوبة لتيسير سبل الكشف عن هذه الجرائم.. وأيضا الالتزام بالإخطار عن حالات التركز الاقتصادى وتجريم الإخلال بهذا الالتزام، بالإضافة إلى النص على صور جديدة من الاتفاقات المحظورة الضارة بالمنافسة كحظر الاتفاق على اقتسام السوق وحظر تقييد عمليات الإنتاج وعدم التمييز بين بائعين أو مشترين تتشابه مراكزهم التجارية. *** وكما قلت إن الحكومة تقدمت بهذه التعديلات فى 9 يونيه 2008.. أى قبل نهاية الدورة البرلمانية بحوالى أسبوع، وكانت هذه هى عادة حكومة د. أحمد نظيف السابقة أن ترسل إلى مجلس الشعب عشرات القوانين فى نهاية كل دورة برلمانية كنوع من الضغط على النواب.. وتجعلهم يلهثون وراء مشروعات القوانين فى اللجان البرلمانية.. وكان بعضها لا يأخذ حقه من الدراسة والبحث، وكانت الحكومة تطالب بالموافقة على وجه السرعة وكنت فى بعض الأحيان أتساءل عن أسباب هذه السرعة فى الموافقة ولكن لا أحد يجيب أو يرد علىّ! وأذكر أن الحكومة عندما تقدمت بتعديلات قانون حماية المنافسة كان المجلس يناقش مشروع قانون الموازنة العامة للدولة وطبعا كان أكثر من 200 عضو يريدون الحديث عن الموازنة، بالإضافة إلى مناقشات لمشروعات قوانين مكافحة غسل الأموال، وتعديل قانون العمل ومشروع قانون التأمينات الخاص بأعضاء الهيئات القضائية.. بالإضافة إلى مناقشة قضية مراجعة أسعار تصدير الغاز لإسرائيل.. وأزمة مشروع قانون المحاماة، ومشروع قانون الطفل! وكان المطلوب من المجلس الانتهاء من كل مشروعات القوانين التى تقدمت بها الحكومة قبل نهاية الدورة التى سوف تنتهى يوم الخميس 19 يونيه 2008! *** .. ولكن ماذا حدث فى مناقشات تعديل قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية فى الجلسة العامة وإعادة المداولة فى المادة الخاصة بالغرامة فى اللجنة الاقتصادية وإصرار رئيس اللجنة د. مصطفى السعيد على فرض غرامة بنسبة 15% من قيمة مبيعات المنتج محل المخالفة وإصرار أعضاء الأغلبية على إلغاء هذه النسبة؟! وما هى حكاية المادة التى وافق عليها مجلس الشعب وبعد يومين فقط.. تقدم أحمد عز أمين التنظيم الأسبق بمشروع قانون لتعديلها، وإضافة مادة جديدة قبل نهاية الدورة بيوم واحد فى سابقة برلمانية خطيرة لم تحدث من قبل تحت سمع وبصر رئيس مجلس الشعب السابق د. سرور! هذا ما سنكشف عنه فى خواطرنا فى العدد القادم إن شاء الله.