يبحث قادة الجماعات والحركات الإسلامية حاليا كيفية الخلاص والخروج من مأزق الخلاف والتناحر فيما بينهم والالتفاف حول زعامة وإدارة واحدة تخلق منهم كيانا صلبا يقف أما الزحف العلمانى والليبرالى، وهو المشروع الذى يحتل أولويات أجندة الإسلاميين، لطرح أنفسهم أمام الرأى العام فى قالب متماسك متعاون وفقا لأدبيات وأصول منهجية وميثاق للعمل الدعوى والسياسى أو لوثيقة تنظم الأطر الفكرية بينهم ويتفق عليها مرجعيات الفصائل الإسلامية، و يهدف هذا الطرح فى المقام إلى توحيد جهود الحركة الإسلامية فى خندق واحد لتحقيق حلم الدولة الإسلامية. وتحت عنوان «وحدة الصف الإسلامى» عقدت رابطة «الإسلام علم وعمل» مؤتمرها الأول بحضور العديد من قيادات الجماعات الإسلامية برئاسة الدكتور أبو مسلم العبد مؤسس الرابطة ورئيس قسم التنمية البشرية بالمركز البريطانى بلندن, وتهدف الرابطة إلى توحيد صف الجماعات الإسلامية ونبذ الفرق والخلافات بينهم و تشكيل جبهة إسلامية موحدة وتأسيس مجلس شورى علماء المسلمين على غرار المجالس المحلية بمنظور إسلامى يبدأ من مجلس شورى علماء المسلمين بالقرى والمناطق ثم مجلس شورى العلماء المسلمين بالمحافظة انتهاءً بمجلس شورى العلماء المسلمين على مستوى الجمهورية. واكب ذلك قيام مجموعة من الخبراء والمختصين بالشأن الإسلامى وبعض قيادات التيارات الإسلامية المختلفة مثل الجماعة الإسلامية والجهاد والدعوة السلفية بإعداد وثيقة شرف تنظم العمل الدعوى والسياسى لصياغة وتحديد نقاط وطرق التعامل والتعاون بين مختلف الفصائل للوصول إلى حلم الحكم الإسلامى وهى الوثيقة التى تبناها مركز الفكر الوسطى بالقاهرة وتضمنت بنودها الأتى: أولا: ملامح فى العمل الدعوى 1 التركيز فى الخطاب الدعوى على إحياء الربانية وتصحيح المفاهيم،واستفاضة البلاغ بما لا يسع المسلم جهله من حقائق الإسلام عقائد وشرائع، وتوجيه العامة إلى طلب العلم النافع، وتهيئة الآليات والوسائل التى تعين على ذلك. 2 الموضوعية فى الخطاب، وتغليب روح الترفق والمواساة فى الخطاب الدعوى، والمراوحة بين الترغيب والترهيب، مع تقديم الترغيب وتغليبه، سواء أكان الخطاب متجها إلى المبتدعة والعصاة من المسلمين، أم كان متجها إلى غير المسلمين, فإن استحياء المخالفين بالتوبة أحب إلى الله من إهلاكهم بالإصرار على المحادة والمشاقة. 3 إحياء التحكيم الاجتماعى للشريعة، طواعية على مستوى الأمة، ليتكامل ذلك مع المطالبة بتحكيمها رسميا على مستوى الدولة، فإن تحكيم الشريعة ليس تكليفا يتجه إلى القيادة السياسية فحسب، بل هو تكليف يتجه إلى الأمة كلها، وعلى قيادات المشهد الدعوى أن ترتب من الآليات ما يعين على تحقيق ذلك 4 إحياء فريضة الاهتمام بأمور المسلمين وقضاء حوائجهم المعيشية، واتساع دائرة اهتمامات العمل الإسلامى لتشمل المشاركة فى رفع المعاناة اليومية عن عموم الناس، اقتصاديا واجتماعيا، وتنمية قدراتهم، وتأهيلهم مهنيا وتقنيا، واعتبار ذلك جزء من النصح للأمة والاهتمام بأمرها 5- التأكيد على وجوب المحافظة على الجماعة والائتلاف، وتجنب الفرقة والاختلاف، فكل من أمكن تآلفه من أهل السنة بمفهومه العام والاتفاق معه على مشترك من البر والتقوى فلا ينبغى أن يصار إلى استعدائه، ولا سيما فى مرحلة الدفع العام، ومسيس حاجة المشهد الدعوى بجميع أطيافه إلى الاصطفاف فى خندق واحد، والاجتماع على مشترك من البر والتقوى والمصالح العامة. 6 تجنب الدخول فى المعارك المفتعلة فى المسائل الاجتهادية والقضايا الجزئية التى تستنزف طاقات أهل الدين، وتفتن العامة وتصدهم عن الدعوة والدعاة، فإن الاختلاف فى الأحكام الفقهية الاجتهادية ومسائل السياسة الشرعية أكثر من أن ينضبط، ولو كان كل ما اختلف مسلمان فى أمر تنازعا وتهاجرا لم تبق بين أهل الإيمان عصمة ولا أخوة قط. 7 رفع الهمم للتشوف إلى إقامة الدين كما أنزله الله، والارتفاع بسقف المطالب إلى تغيير جميع المنكرات، ولا يتعارض هذا مع القبول بالممكن والمتاح فى الحال، وتهيئة الأسباب لما يمكن تحقيقه فى المآل، خشية أن يفضى الإصرار على غير المتاح فى الحال إلى فقد المتاح وغير المتاح فى الحال وفى المآل! 8 التسكين القانونى للأعمال الدعوية من خلال إنشاء وتسجيل المؤسسات والجمعيات والمعاهد العلمية والدعوية والإغاثية الراعية لها، توطينا للأعمال الدعوية فى دائرة المشروعية. 9 الأصل فى أعمال الدعوة العلانية، فينبغى تجنب السرية فى الأعمال الدعوية، دفعا لما تجره من توجسات واختناقات لا وجه لها. ثانيا : فى العلاقة بين العاملين فى العمل الدعوي 1 عدم نقل الاختلافات الدعوية فى المسائل الاجتهادية إلى المنابر العامة ما أمكن، فإن هذا أعون على احتواء النزاع، وتقبل أطرافه للحق، ورجوعهم إلى جادته، ولهذا فإن الأصل أن تحل مثل هذه النزاعات داخليا ومن خلال الآليات والوسائط الإسلامية. 2 ضبط الخطاب الدعوى، والاحتراز من صيغ الاستبداد بالرأى، وإشاعة ثقافة إنصاف المخالف فى الرؤى والافكار، وتقبل ما كان من آرائه موافقا للحق، ونصحه فيما كان مخالفا له، ونشر شعار أن يحترم كل منا عبودية إخوانه من أهل السنة لله تعالى، وأن لا يحقر شيئا من أعمالهم الصالحة. 3 السعى لأعمال ذات أهداف مشتركة تجمع أطياف العاملين على الساحة الإسلامية ممن تشملهم مظلة أهل السنة والجماعة فى الجملة مما قد يزيل الآثار السلبية لمنازعات يجب توقيها فى المرحلة المقبلة 4 التعاون مع المؤسسات الدينية الرسمية، وتقديرها وإنزالها منزلتها، ودعمها بالرأى والمشورة والنصح عند الاقتضاء، ليتكامل العمل الرسمى مع العمل الشعبى فى إقامة الدين، وتحقيق النفع العام لجماعة المسلمين. 5 لا يعرف الحق بالرجال، بل يعرف الرجال بالحق، وكل الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب الرسالة صلى الله عليه سلم، ولا تلازم بين الخطأ والإثم، فقد رفع الله المؤاخذة عن المخطئ، وقاعدة رفع الإثم عن المجتهدين عامة فى الأمور العلمية والأمور العملية، ما داموا متجردين للحق، ولا يشنع على من عرف بالفضل والسابقة من أهل العلم بسبب ما قد يصدر عنهم أو ينسب إليهم من زلات، ولا يتنافى هذا مع اطراح زلاتهم التى عرف أنها من قبيل الزلل البحت والخطأ المحض. 6 حرية الاعتقاد الفكرى وإبداء الرأى بالقول والكتابة أو نحوهما حقوق مشروعة، ولا ينبغى لأحد من العاملين فى مجال الدعوة المصادرة على حق أحد فى ذلك، ما لم يكن فيها مساس بقطعيات الشريعة، وخروج على ثوابتها اليقينية المجمع عليها. 7 المعارضة السياسية ليست احترافا فى المنهج الإسلامى، فليس للمشتغلين بالشأن العام من الإسلاميين معارضة كل ما يأتى من قبل مخالفيهم صوابا كان أو خطأ، على النحو الذى يجرى عليه الحال فى المعارضات العلمانية، بل يتعين عليهم أن يقولوا للمصيب أصبت، كما يقولون للمخطئ أخطأت، لأنهم لا يعارضون لمجرد المعارضة، بل ينطلقون فى معارضاتهم من قاعدة الحسبة : أمرا بالمعروف متى ظهر تركه، ونهيا عن المنكر متى ظهر فعله. 8 التجمعات الإسلامية المعاصرة لبنات فى بنيان جماعة المسلمين ، وخطوات عملية فى الطريق إلى إقامتها بمفهومها العام والشامل، ما استقامت على مننهج أهل السنة، وبرئت من عقدة التعصب الحزبى أو الطائفي. ولا بأس بتعدد هذه التجمعات على أساس التخصص والتكامل، مع الاتفاق فى الأصول الاعتقادية ، والتغافر والتناصح فى المسائل الاجتهادية ، والتقائها على وحدة الموقف فى المهمات والمسائل العظام، وبهذا يصبح تعددها تعدد تنوع وتخصص ، وليس تعدد تنازع وتضاد. 9 حق تكوين الجمعيات والنقابات والإنضمام اليها من الحقوق المشروعة،ولا يحظر منها إلا ما يكون مخالفاً لقطعيات الشريعة وخروجا على ثوابتها المجمع عليها. أو ما يكون جالبا للشرور والمفاسد على الإسلام والمسلمين كالعمل السرى أو المسلح فى مثل ظروفنا فى بلادنا المسلمة. 10 العمل السياسى لنصرة الدين من خلال الأحزاب السياسية والمقاعد البرلمانية أسلوب معاصر من أساليب التأثير فى الواقع بغية استصلاحه كليا أو جزئيا ، وهو يدور فى فلك الموازنة بين المصالح والمفاسد ، وتختلف فيه الفتوى باختلاف الزمان والمكان والأحوال ، وهو كغيره من الأعمال لابد لمشروعيته من ضوابط يتعين التزامها، ومحاذير يتعين اجتنابها، حتى تمضى أعماله على سنن الرشد. 11 يفرض على الكفاية اشتغال بعض أهل الدين على مستوى مجموع العمل الإسلامى بالعمل السياسى ممن آنسوا من أنفسهم القدرة على ذلك، ويجب على غيرهم مؤازرتهم على ذلك، متى رجحت مصلحته على مفسدته، شريطة أن لا تستنفد فيه الطاقات، وأن لا يحمل على الاستطالة على الآخرين، وأن لا يكون بديلا عن الاشتغال بالأعمال الدعوية أو التعليمية أو التربوية. من جهته أوضح الشيخ أسامة حافظ المتحدث الرسمى للجماعة الإسلامية إن جميع الحركات الإسلامية تجمعها أصول عقائدية واحدة وهدفها إقامة الدين فى النفس والمجتمع ولا يوجد ما يستوجب التنازع والاختلاف، فى حين أن الخلاف يعتبر ظاهرة صحية وليس مرضية و أنه يجب أن تسود أخلاقيات قبول الآخر وأدبيات العمل الجماعى، وأنه لا مانع من وجود هيئة تضم مختلف الحركات الإسلامية وهو أمر يتطلب خطوات متطورة , ومن ثم المبادرات المطروحة على ارض الواقع هى مجرد جلسات لتقريب الحوار ووجهات النظر والأهداف والتنسيق بين الآراء والأفكار. وأشار د. صفوت عبد الغنى عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية ومسئول الجناح العسكرى سابقا إلى ضرورة التفريق بين الأمانى والواقع فما يحدث من مبادرات لتوحيد صف الحركات الإسلامية هو مجرد أمنية وهو طرح يدعمه الجميع بقوة لأنه مبدأ مشروع وليس وليد اللحظة فقد تم طرحه منذ سنوات وكثر فيه الكلام والمبادرات فكل يوم لا يخلو من مؤتمر يتم الحديث فيه عن محاولة توحيد الحركات الإسلامية فى مصر والخروج بكيان موحد ومنظم يستوعب مختلف التيارات ويوحد من أهدافها ورؤيتها طالما أن الجميع يتفق فى الغاية والهدف من حيث تطبيق شرع الله، لكن تختلف الوسائل فى تحقيق ذلك، فنحن فى حاجة إلى دراسة متأنية لهذا الطرح وتقديم حلول عملية واليات يكون لها رد فعل على ارض الواقع , والعقبة الحقيقية تتمثل فى عدم وجود مرجعية عليا تتولى التخطيط لإنشاء هذه المظلة ويكون قرارها ملزم وقاطع لجميع الفصائل الإسلامية , فليست الأزمة فى وجود زعامة موحدة لكن الأزمة فى عدم وجود مرجعية ذات سلطة تلزم الجماعات وتضع الأطر الفكرية والسياسية لهذه الهيئة التى يتوحد عليها الإسلاميين وتكون الراعى والحامى لهذه الفكرة والفاعل الحقيقى لها. وأضاف د. عمار على حسن الخبير فى شئون الحركات الإسلامية أن عملية التقارب بين الإسلاميين ممكن أن تحدث تكتيكيا، فالمصالح تدفع الجميع إلى التقارب والتوحد فقد خلقوا لأنفسهم عدوا وهميا يحاولون مجابهته وهو أسطورة العلمانيين والمدنيين الذين يستهدفون الدين وينالون من قيم وعادات المجتمع من وجهة نظرهم , ومن ثم المصالح تستوجب توحيد الجهود وهو أمر عارض ومرتبط بالسياسة وليس بتوحيد الفكر والرأى ولذلك مصيره مؤقت وليس بعيد.