تلف حول نفسها فى دائرة مفرغة.. تلف حول نفسها كأنها تركب طاحونة الهواء.. تنظر حولها لا ترى سوى زجاجات الأدوية.. خراطيم تصل بين يدها وزجاجات المحاليل الطبية.. أشخاص يرتدون ملابس بيضاء تطيل النظر وتحاول أن تستوضح الأمر ممن حولها.. الجميع ينظر إليها وكأنهم تماثيل جامدة بالرغم من نظرة الحزن والدمعة اللامعة داخل عيونهم.. هذه هى ابنتها الكبرى دموعها تنساب على وجنتيها ولكنها لا تتحرك أو تتكلم.. تحاول «زينب» أن تتذكر ما حدث لها.. نعم تذكرت.. مر شريط حياتها أمامها.. لقد عانت العذاب.. عذاب ما بعده عذاب.. عذاب المرض من ناحية وعذاب الحاجة وذلها من الناحية الأخرى.. كان عذابها بمرضها أقل كثيرا من عذابها بمرض الزوج وحاجة أولادها.. تتعذب كل ساعة.. بل كل دقيقة.. ترى نفسها عندما بلغت الثامنة عشرة من عمرها.. من أسرة بسيطة محدودة الدخل لم تنل أى قسط من التعليم.. ومن فى نفس ظروفها وظروف أسرتها يسرع إلى تزويجها.. وبالفعل تقدم لها أكثر من عريس ووقع الاختيار على الزوج.. شعرت بالفرح فها هى فسوف تنتقل من حياة الفقر وعدد أفراد الأسرة الكبيرة إلى مكان واسع وكان لها ما تخيلته فى أحلامها.. شقة صغيرة أصبحت هى مملكتها الخاصة.. عاشت مع الزوج على الحلوة والمرة.. أنجبت البنين والبنات.. كانت سعيدة بهم وبحياتها.. تصحو مبكرا لتقف مع الأولاد وتحثهم على مواصلة التعليم حتى تتغير حياتهم فهى تتمنى أن يصبح أولادها أحسن منها ومن زوجها.. دائما ما تحثهم على أن يكدوا ويجتهدوا.. تقف بجوار زوجها تلبى طلباته وهى سعيدة.. ولكن دوام الحال من المحال.. الزوج بدأ يشعر بآلام فى عينيه.. زغللة.. الدموع تملؤها.. أصبح غير قادر على الرؤية بوضوح.. طلبت منه الزوجة الذهاب إلى المستشفى ولكنه يعمل أرزقى دخله يوم بيوم وهذا الدخل قليل يصرف على الاحتياجات الضرورية للأولاد وفى أوقات كثيرة كان لا يستطيع أن يلبى هذه الاحتياجات وزاد المرض من المعاناة، حيث إنه أصبح غير قادر على الخروج اليومى للعمل.. وفى نهاية الأمر خضع لطلب الزوجة وذهب إلى المستشفى ولكن أمر الله قد نفذ فقد أخبره الأطباء بعد رحلة معاناة أنه أصيب بفقد كلى للبصر وجلس بالمنزل لا حول له ولا قوة.. وبالطبع لم تجد الزوجة بداً من الخروج للعمل.. حملت مسئولية الأسرة بأكملها.. وحملت الهم ولكن عن طيب خاطر.. وبمرور السنوات زادت الأحمال على أكتافها وأصبحت تنوء بحملها.. «وبرك الجمل».. آلام بجميع أنحاء جسدها صحبه ارتفاع بدرجة الحرارة.. الابنة الكبرى تطلب منها الذهاب إلى المستشفى ولكنها ترفض فالعين بصيرة واليد قصيرة.. ولكنها لم تنتظر طويلاً فقد شعرت بأن هناك ورما بالثدى الأيمن وهنا اضطرت إلى اللجوء للمستشفى العام بمحافظتها الساحلية ودارت عجلة المرض وطحونته التى تفرم من يقترب منها.. بعد الفحص طلب الأطباء تحاليل وأشعة أكدت أنها مصابة بورم سرطانى وحولها الأطباء إلى المعهد القومى للأورام بالقاهرة.. ودارت الدنيا بها كيف تترك زوجها وأولادها وتسافر إلى القاهرة.. من سيقوم على رعايتهم وكيف توفر مصاريف السفر إلى القاهرة والإقامة فيها.. وقف الأهل بجوارها.. جاءت إلى المعهد القومى للأورام.. أجريت لها تحاليل وأشعة جديدة أكدت تشخيص الأطباء وأجرى لها جراحة استئصال الثدى الأيمن.. كانت تظن أن ذلك نهاية المطاف ولكن اكتشف الأطباء أن الثدى الأيسر هو الآخر مصاب بأورام وبعد جراحة استكشافية تأكدوا أنها أورام سرطانية وتم دخولها حجرة العمليات واستئصال الثدى الآخر وخرجت من المعهد بعد معاناة شهور مع العلاج الكيماوى والإشعاعى ولكن المرض دخل جسدها وعشش داخله ورفض أن يتركها فما هى إلا شهور قليلة وداهمتها آلام وأصيبت بنزيف وعادت مرة أخرى إلى المعهد وكان التشخيص أن السرطان اللعين ضرب هذه المرة الرحم وكان لا بد من استئصاله هو أيضاً.. وأصبحت حطام امرأة بعد أن طحنتها طاحونة المرض اللعين.. وما زاد الطين بلة أنها أصيبت بتليف بالكبد وتضخم بالطحال بسبب كميات الأدوية الكبيرة التى تناولتها على مدار ثلاثة عشر عاما مع المرض تنظر إلى حالها وحال زوجها الكفيف الذى لا حول له ولا قوة وتبكى من الآلام فهى لا تجد ما تسد به احتياجات أسرتها ومرضها فكل دخلهم 120 جنيها معاش ضمان من وزارة التضامن الاجتماعى وبعض المساعدات البسيطة من حولها أرسلت تطلب المساعدة فهل تجد؟ من يرغب فليتصل بصفحة مواقف إنسانية.