كنا جلوسا حول مائدة الطعام بفندق إنتركونتننتال العاصمة الأردنية عمان، عندما سألنى الفنان المبدع السورى ورسام الكاريكاتير العالمى على فرزات: هل تتذكر جيدا ملامح وشكل خريطة الوطن العربى؟ أجبته مازحا: تقصد شكلها زمان أم الآن؟ قال فرزات: هذا غير مهم ولن يفرق كثيرا، المهم عندى أن تتأملوا وتتمعنوا وتنتبهوا معى إلى هذا الاكتشاف المذهل الذى سأعرضه عليكم الآن، بعدها ستعرفون حقيقتكم ياعرب! وأخرج فرزات من جيبه ورقة بيضاء وراح بقلمه الدمشقى الفولاذى يرسم لنا خريطة العالم العربى ليزيح الستار عن اكتشافه المتفرد والمذهل. وكانت مفاجأة من النوع الثقيل فعلا عندما انتهى من رسم الخريطة وبدأ يوصل خطا صغيرا قصيرا أسفلها جنوبا ونقطتين أعلاها شمالا. نظرنا للخريطة ثم نظركل منا للاخر ونظر إلينا فرزات، وماهى إلا ثوان وقد انتابتنا بعدها نوبة عارمة من الضحك الهستيرى والهتاف حمار يا عربى حمار. نعم خريطة وطننا العربى الكبير بمجرد أن تضيف إليها هذا الخط والنقطتين، بالاصح أذنين أعلى الخريطة لن تراها أكثر من حمار كبير أى والله حمار كبيرجدا. فبمجرد أن تجر خط إلى أسفل تجد شكل الخريطة وقد تغير تماما.. من خريطة مجيدة عظيمة لها طبيعة وتضاريس وثروات طالما زهونا وفخرنا بها بين خرائط الأمم الأخرى إلى حمار حصاوى غبى له حوافر وذيل وعينان وأذنان كبيران، حمار ضعيف هزيل مدلدل الرقبة ومنكسر الظهر. لايمكن بالطبع أن انسى هذه الحكاية طالما حييت وفى هذه الآيام بالذات. فقبل اندلاع ثورة الياسمين التونسية و25 يناير المصرية وساحات التغيير اليمنية ودرعا السورية والكفاح المسلح الليبية والبحرينية والجزائرية، كنا فعلا نستحق هذه الخريطة بحمارها وإننا كنا نعيش حميرا فى أوطاننا منذ الأزل لانهش ولانكش، كنا نحمل الأصفار والهموم ولانستطيع أن نتفوه ولو بنهقة واحدة، كنا شعوب ملطشة ومسخرة، حاكم يسرقنا ويركبنا ثم يدلدل رجليه ويشد لجامنا ويقول هيس إذا حاولنا أن ننهق أو ننفر ونزمجر أو كلما حاولنا أن نهز آذاننا لننفض كلامه عنها ونرفض أن نسمعه. نعم كنا جميعا شعوبا وقبائل عربية حمار غبى عربى كبير، عندما سمحنا لأمريكا وحلفائها يختارون لنا عرائسهم الخشبية حكاما يركبوننا يحددون لنا مصائرنا وأرزاقنا واسمع ياسيدى شاعرنا الصعيدى الهمام درويش الأسيوطى وهو يوصف لنا هؤلاء الحكام.. كيف يتم اختيارهم وماهو أصلهم وفصلهم عندما كتب قصيدته خشب فى ديسمبر 91 وقال: فى الغرب نجارٌ تمرَّسَ بالنجارة والخشبُ. ولديه آلاتٌ تشقُّ قلوبنا شقا تسويها على حسب الطلب.. ما كان معتدلا بنوا منه الكنائس والمساكنَ صنعوا منه الأسرَّةَ والنوافذَ. خلَّقوا من لُبِّه ورقَ الجرائد.. والخطب. ما كان ملتويا عصى الرأس.. خصص للمدافئ فى الشتاء الثلج يزهر باللهب. ومن البقايا يصنعون دمى لأطفال المدارس عندهم وقت اللعب فإذا أحاطوها بأضواء الدعاية.. والبغايا.. والكذب.. صارت بعون الله حكاما على أرض العرب. إنها الريشة الساحرة الساخرة للفنان السورى على فرزات ومفرادته المميزة هى صاحبة الفضل الأول فى أن نكتشف أنفسنا أننا كنا بلهاء وأغبياء وآذاننا عريضة عندما صمتنا كل هذه السنوات الطويلة على هؤلاء الحكام الركاب الخشب صناعة الدعاية والبغايا والكذب، ودعونى أعترف لكم أنه لم يكن لى أن أهتف لكل ثورة شعبية عربية تندلع دون أن اتذكر هذه الجلسة التى جمعتنى بهذا الفنان السورى العبقرى شكسبير الإنتاج والهوى والذى كرمته سويسرا عام 1994 كأفضل خمسة رسامين للكاريكاتير الإنسانى فى العالم وطالما ركلته ونكل به الحكام العرب كلما ناضل بريشته الساخرة محاولا أن يكشف عيوبنا نحن الحمير وعيوبهم هؤلاء الحكام الركاب العرب.. فالكتابة الساخرة لمن لا يعرفونها هى نوع من الطيور الذى ينقر رؤوس الحكام عن بعد، هى الأكثر قدرة على الطيران وسط أجواء الحرية هى الفرحة والستر والغطاء عندما تكمم أفواه الحمير وينتشر رفس الحكام للركب.