مع دخول ثورة ليبيا أسبوعها الثالث تنذر الأوضاع بمخاطر بالغة التعقيد تتمثل فى اختطاف الغرب وتحديداً أمريكا لثورة الشعب عبر التدخل العسكرى لإسقاط نظام القذافى، ليتحول الصراع إلى نهب ثروات العرب بدلاً من استفادة الشعوب العربية منها، لكن يبقى الحسم فى الميدان والموقف العربى لإنقاذ ليبيا والمنطقة من أجواء صراعات دولية وإقليمية وهو الأمر الذى تتضح مؤشراته النهائية خلال الأسبوع الراهن انطلاقاً من مواقف القذافى وثوار ليبيا وتحرك الغرب بعد اجتماعات ومشاورات عاصفة فى مجلس الأمن والاتحاد الأوروبى ومجلس حقوق الإنسان. .. ولا يزال العقيد الليبى معمر القذافى يسيطر على طرابلس على الرغم من سقوط معظم المدن الليبية فى أيدى الثوار واستقالة وزراء وسفراء وقيادات من الجيش الليبى فى مختلف أسلحته الجوية والبرية والبحرية، وقد تم تشكيل مجلس انتقالى لإدارة شئون ليبيا بالتشاور مع قيادات فى عموم البلاد من الداخل والخارج وبدأت مدينة بنغازى تتعامل باستقلالية شديدة مع رفع علم الاستقلال، وتسيير شئون الشعب الليبى فى الداخل والخارج. وهناك من تحدث عن اتصالات قامت بها الإدارة الأمريكية مع القيادات الليبية فى بنغازى لتقديم كامل الدعم لها وهو ما نفاه مصطفى عبدالجليل وزير العدل الليبى السابق والداعى إلى فكرة الحكومة المؤقتة «مجلس حكم انتقالى» كما أكد أن معمر القذافى وحده يتحمل المسئولية عن كل الجرائم التى وقعت فى ليبيا وشدد على وحدة أراضى البلاد، وقال إن ليبيا حرة وعاصمتها طرابلس. وميدانيا الأوضاع فى المنطقة الشرقية (مساعد - طبرق - درنة - بنغازى) مستقرة، وفى المنطقة الغربية تعيش مدنها ما بين حالة الاستقرار ثم الكر والفر ما بين الثوار وموالين للنظام خاصة كتائب خميس الأمنية نجل العقيد معمر القذافى فى مدن مصراتة وصبراتة، والزنتان، والمدن المجاورة لتونس إضافة إلى أجزاء من طرابلس العاصمة. وفى منطقة العزيزية والساحة الخضراء والزاوية يخرج سيف الإسلام ليؤكد عدم تخلى والده عن السلطة قائلاً: سوف نعيش ونموت أنا وأبى فى ليبيا ولن نخرج منها، رافضاً الحديث عن تغيير النظام ومؤكداً على تأمين الرفاهية والأمن للشعب الليبى. وأعرب عن عدم خشيتهم من أى تدخل عسكرى قائلاً: لقد صمدنا أمام الخطر الأمريكى والبريطانى ولن نهرب وكانت الأممالمتحدة قد عقدت عدة جلسات لمناقشة الوضع فى ليبيا واصدرت قرارات بتجميد أرصدة القذافى وعائلته ومنعهم من السفر، وتجميد عضوية ليبيا فى مجلس حقوق الإنسان فيما تحاول واشنطن الضغط فى اتجاه التدخل العسكرى وقامت بوضع السفن الحربية على مقربة من شواطئ ليبيا وتستعد لإرسال قوات فى المارينز لتقديم مساعدات إنسانية كما تدعى وتحاول فرض منطقة حذر جوى وهو الأمر الذى يستدعى تدمير قوات الدفاع الجوى الليبى وهذا أمر مرفوض عربياً لأنه سيكون بداية لتدمير ليبيا وربما يقود إلى حرب دولية خاصة فى ظل اتخاذ أية خطوة مخالفة لموقف مجلس الأمن الدولى، لأن عدداً من الدول الغربية يرون الاكتفاء بالعقوبات التى فرضت علىالنظام الليبى لإقناع القذافى بأن أعماله تثير استنكار المجتمع الدولى وكافة اعضاء مجلس الأمن، لكن هناك توقعات من دوائر عربية وغربية بانفراد واشنطن بضربة عسكرية على مواقع القذافى والنظام فى حال رفضه ترك السلطة والذهاب إلى منفى وجهته وفق ما يدور من معلومات إلى فنزويلا. وما بين هذه الخطوات المتسارعة غربياً والبطيئة داخل ليبيا أعلنت رابطة القبائل العربية بمصر عن مبادرة لقبول وساطتهم وتقريب وجهات النظر بين أبناء الشعب الليبى والعقيد القذافى لضمان الانتقال الأمنى والسلمى للسلطة حقنا للدماء وغلقا لمنافذ التدخل الأجنبى وتقسيم البلاد، لكن هذه المبادرة لم تظهر فى الأجواء حتى الآن أى قبول بشأنها وربما تأخذ فرصتها فى الأيام المقبلة أو تموت فى مكانها مع كثافة المبادرات الغربية لمحاصرة نظام العقيد القذافى. رفض التدخل الخارجى وفى سياق متصل رفضت كل الدول العربية التدخل العسكرى فى ليبيا وفى اجتماع وزراء الخارجية العرب أدان الاجتماع ما يحدث فى ليبيا من عنف وقتل تجاه المدنيين ودعا للوقف الفورى لأعمال العنف بكافة أشكاله والاستجابة للمطالب المشروعة للشعب الليبى واحترام حقه فى حرية التظاهر والتعبير عن الرأى وذلك حقناً للدماء وحفاظاً على وحدة الأراضى الليبية والسلم الأهلى، والتأكيد على تحقيق تطلعات الشعوب العربية ومطالبها وآمالها فى الحرية والاصلاح والتطوير والتغيير الديمقراطى والعدالة الاجتماعية. كما أكد الوزراء على وقف مشاركة وفود حكومة ليبيا فى اجتماعات مجلس الجامعة العربية لحين استجابة ليبيا لمطالب الشعب وتحقيق الأمن والاستقرار ورفض التدخل العسكرى.. وكانت بعض الدول العربية قد تقدمت بطلب لتجميد عضوية ليبيا فى الجامعة ولكن هذا الطلب رفض بشدة لأن العضوية تخص الشعب الليبى وليس من حق أحد أن يمنعه من التمثيل بجامعة العرب، يذكر أيضاً أن السفير عبد المنعم الهونى مندوب ليبيا لدى الجامعة العربية قد حول المندوبية إلى ممثلية للشعب الليبى وطلب من الجامعة المشاركة كممثل للشعب وليس النظام لحين انتظار ممثل عن نظام يختاره الشعب بعد ثورة 17 فبراير، مع الاعتراف بهذه الثورة ومجلسها الانتقالى. عواصف يمنية وإذا انتقلنا إلى اليمن فالمشهد بها لا يختلف كثيراً عن مظاهرات الاحتجاجات التى باتت تعم أرجاء العالم العربى لكن مع الفارق وبدرجات وحسب تلبية كل نظام لمطالب شعبه خاصة فى ظل الصراع على الثروة والسلطة ورغبة الشعوب فى الحصول على حياة كريمة بدلاً من انفراد الأنظمة بالمليارات التى تخرج علنياً يومياً بأن هذا النظام وذاك يمتلك أرقاماً تعد مفزعة دافعة للثورات فى كل اتجاه، وفى اليمن تحتشد الميادين يوميا ما بين مؤيد ومعارض لنظام الرئيس على عبد الله صالح ويدور الحوار بين الحكومة والمعارضة فى محاولة للاصلاح ووقف الاحتجاجات ولكن دون جدوى وقد تخيلت أن النظام فى اليمن بات على وشك الرحيل ولكن دبلوماسية يمنية أكدت لى أن الوقت لا يزال مبكراً ونظام الرئيس صالح مستمر لفترة. وكان الرئيس اليمنى قد دعا المعارضة اليمنية للانضمام فى الحكومة لكن المعارضة رفضت العرض وطالبت بإنهاء حكم الرئيس المستمر منذ ثلاثة عقود من الزمان. وقد تضامن الشعب فى الميدان مع هذا الطلب ووقف ليله ونهاره يطالب برحيل الرئيس وإسقاط النظام إلا أن الرئيس اليمنى على عبدالله صالح حذر من تقسيم البلاد إلى أربعة أجزاء فى ظل استمرار الاحتجاجات المطالبة بسقوط نظامه، واعتبر صالح أن ما يحدث فى اليمن وفى اقطار عربية هو تقليد لمصر وتونس وأن غرفة عمليات هذه الثورات فى تل أبيب ويقوم بإدارتها البيت الأبيض، ولكن واشنطن حذرت الرئيس اليمنى من هجومه على أوباما وعليه سيبقى الوضع فى اليمن يراوح مكانه ربما لأسابيع فيما استفادت دول أخرى مما حدث فى مصر وتونس وغضب الشعوب علىالأنظمة بسبب أوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية. وقد استبعد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حديث نشطاء على الفيس بوك لتنظيم احتجاجات باتخاذ حزمة من الاصلاحات الاقتصادية بعد رحلته العلاجية منها ضخ مبالغ قيمتها 39 مليار دولار والعمل علىتثبيت العمالة وإعطاء تسهيلات لمن يرغب فى إقامة مشاريع صغيرة، ورغم ذلك لا يستبعد محللون الدعوة للتغيير تحمل اسم الحرية والاصلاح. فيما شهد العراق أسابيع من الاحتجاجات فى كل مكان دعت رئيس الوزراء نورى المالكى لإعلان حزمة جديدة من الاصلاحات تتعلق بمكافحة الفساد فى مؤسسات الدولة واستيعاب العاطلين عن العمل وتوزيع عادل للوظائف وأمر بتعزيز صندوق الرعاية الاجتماعية كما أعلن عن خفض سن التقاعد من 63 عاماً إلى 61 عاماً، لفتح الباب أمام الطاقات الشابة. وفى مجال الاقتصاد والاستثمار اتخذ المالكى قراراً بتسهيل إجراءات البناء وتخصيص الأراضى اللازمة بما يفتح المجال أمام المواطنين وشركات الاستثمار، كما أشار إلى اتخاذ قرار بتفعيل مشروع البنية التحتية وكشف المالكى عن الانتهاء من مسودة مشروع قانون الاصلاح الإدارى. وتأييده لدعوة رئيس مجلس النواب أسامة النجيعنى لإجراء انتخابات مبكرة فى مجالس المحافظات داعيا فى الوقت نفسه البرلمان إلى مراجعة قانون المحافظات وتنظيم علاقته بالوزارات الاتحادية. دوار اللؤلؤة فيما باتت المظاهرات شبه يومية فىالبحرين خاصة المنامة حيث تحول دوار اللؤلؤة إلى نقطة انطلاق للمتظاهرين فى وقت خففت فيه السلطات حضورها الأمنى واكتفت بالمتابعة من بعيد مع الاستمرار فى الحوار كما عزل ملك البحرين من أطلق عليهم وزراء التأزيم وقد رحبت واشنطن بالتعديل الحكومى فى البحرين ودعت إلى حوار يجمع كل مكونات البلاد، من جانبه دعا ولى عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة الذى يقود الحوار مع المعارضة لإنهاء الاحتجاجات لإضرارها باقتصاد البحرين مصرفا مهما وتفيد المعلومات أن الحوار بين الحكومة والمعارضة ربما يصل إلى نتائج إيجابية خلال الأسبوع الجارى. فيما شهدت سلطنة عمان احتجاجات حيث كانت مفاجأة نظراً للاستقرار الذى تشهده السلطنة ولكن المحتجين كانت لهم مطالب تتعلق بالبطالة والعمل، وقد كلف سلطان عمان قابوس بن سعيد حكومته بمنح 150 ريالاً عُمانيا شهريا لكل باحث عن العمل كما اعطى توجيهات لدعم الاستقرار والتجاوب مع مطالب الشعب وتوسيع صلاحية جهاز الرقابة المالية والإدارية واتخاذ الاصلاحات اللازمة. ويبدو أن الثورات العربية سوف تستمر فى العالم العربية ليس تقليداً لمصر وتونس، وإنما هى دورة التاريخ والتغيير لأن العالم العربى يراوح فى مكانه منذ عقود وبدون حلول لقضايا سياسية ومعيشية للشعوب العربية حتى لبنان خرج أبناء شعبه فى مظاهرات تدعو للتغيير وهناك دعوات لبداية ثورات فى كل العواصم العربية خلال الشهر الجارى، منها قطر التى تبنت قناة الجزيرة فيها ثورات تونس ومصر وليبيا لم تنج من الدعوة لثورة شعبية يوم 16 مارس، ولكن بات التقليد فى كل العواصم الثورة والثورة المضادة أى الموالين للأنظمة والمعارضين وكلُّ يعيش حياته على الفيس بوك وفى الميدان وتعليقا على هذه البدايات علق رئيس الوزراء القطرى الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثانى أن بلاده تعمل على تنظيم انتخابات مجلس شورى وقال: نحن كحكومة كان لدينا تجهيزات لقوانين خاصة للإصلاح للوصول إلى الطريق الأمثل للمشاركة الشعبية فيما دعا نشطاء فى دولة الكويت لتنظيم مظاهرات خلال الأسبوع الجارى تهدف إلى استقالة رئيس الوزراء وتشكيل حكومة جديدة وتسمية رئيس وزراء جديد، إضافة إلى الدعوة لإغلاق القواعد الأمريكية فى الكويت وعلى الرغم من تمسك شعوب المنطقة العربية بدورة التغيير التاريخية فإن أعداء هذا الاتجاه يقفون بالمرصاد لإفشال التغيير وهو الأمر الذى يقود الجميع إلى فرض فرص تغيير من الخارج، وبالتالى فلابد من عمل الجميع وانخراطهم فى تجديد دماء العمل العربى المشترك وإعطاء الفرصة لمشاركة الجميع فى السلطة والثروة وصناعة القرار حتى لا نصل إلى مرحلة مع بداية عام 2012 يضيع فيها كل شئ فى العالم العربى السلطة والثروة والقرار والاستقلال.