يبدو أن المناخ السياسى الحالى فى إطار محاولات التوصل لسلام فى المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قد وصل إلى مرحلة اتجهت فيها معظم الأطراف إلى ما يشبه الوقفة الإجبارية وإن كان البعض قد جعلها اختيارية وذلك بفعل عوامل متعددة بالنسبة لمواصلة جهود الحوار. وإذا كانت معظم هذه الأطراف قد توصلت إلى هذه النتيجة، إلا أن شواهد الموقف مازالت توضح أيضاً مسئولية هذه الأطراف عن ذلك وبالتالى فإن السبب والنتيجة قد يكونا متشابكين. نعود فى بداية التوقف فى الحوار المباشر برعاية أمريكية حيث أدركت القيادة الفلسطينية وأيدتها فى ذلك لجنة المبادرة العربية أن هناك قدراً من عدم الفاعلية لجهود التفاوض. كما أشارت منظمة التحرير إلى عبثية هذه المفاوضات وعدم قدرتها على الوصول لفتح الطريق أمام اتفاق ولو إطار كنتيجة للحوار. وفى خلفية الصورة الفلسطينية التقدير بأن إسرائيل قد استغلت فرصة المفاوضات المباشرة للدوران فى حلقة مفرغة تكاد تكون مقصودة لذاتها وبالتالى فقد توقف الرئيس عباس عن مواصلة المفاوضات «العبثية» بينما كان يبغى من ورائها التوصل إلى رسم حدود الدولة الفلسطينية وتحديد اعتبارات الأمن بين الجانبين، ولم يغب عن خلفية الصورة أن التعنت الإسرائيلى قد ترك بصماته على حجم الانتقادات التى تعرضت لها السلطة الفلسطينية عربياً بل فلسطينياً كذلك، وبالتالى قد جاءت الوقفة عن التفاوض بمثابة التقاط أنفاس وكذلك استعادة الصورة والقدرة على الحركة. وفى غمار ما سبق فإن التراجع الأمريكى عن مواصلة الضغط على إسرائيل لاستمرار الالتزام بوقف الاستيطان لمدد محددة يتم خلالها التفاوض قد تراجع تدريجياً واعتبرت واشنطن أن توقف المفاوضات قد يعنى ما يمكن أن نطلق عليه استعادة الأنفاس وترتيب الأوراق لتحديد عناصر الاتفاق والاختلاف. ولا يغيب عن المشهد أن القيادة الأمريكية كانت فى حاجة للتخلص من الضغوط التى مارسها اللوبى الإسرائيلى فى واشنطن وما سببه من تأثيرات طالت معظم المشهد الداخلى بل إلى حد ما الخارجى الأمريكى، وبالتالى فلم تكن هناك معارضة فى قدر من التوقف للمفاوضات وما صاحبها من صراعات وتأثيرات ما زالت ترى واشنطن أن تنأى بنفسها عنها، حقيقة أن واشنطن قد حاولت سبر أغوار ما يمكن الاعتماد عليه من مداخل أخرى للموقف الإسرائيلى إلا إنه يبدو انها قد وصلت إلى قدر من القناعة بفاعلية ما أسمته بالقوة الناعمة للتأثير على الموقف الإسرائيلى. نعود إلى موقف إسرائيل التى يبدو أنها ما زالت تستشعر أهمية استغلال الموقف التاريخى الحالى والتوصل إلى صيغة تضمن أفضل البدائل المطروحة فى حدود ما تطرحه المصلحة الإسرائيلية. ويبدو حتى الآن أنه على الرغم من محاولة الدخول فى حوار داخلى حول أفضل طريقة للتعامل مع القضية الفلسطينية وهو ما يتزعمه حالياً إيهود باراك رئيس حزب العمل وبين الاتجاهات الأخرى التى مازالت تفضل أسلوب الضغط على الجانب الفلسطينى أو على الأقل الإشعار بعدم حاجة إسرائيل للتسوية فإن إسرائيل مازالت تترك لنفسها المزيد من الفرص لحوار داخلى أكثر اتساعاً فى حدود الضوابط العريضة للمصلحة الإسرائيلية اى ان حجم الحوار الداخلى والذى من المقدر أن يتسع خلال الفترة الحالية والقريبة القادمة قد يشكل محوراً مهماً لطرح وتثبيت العديد من القناعات فى وقت مازالت ترى فيه عدم جاهزية المواقف المحيطة أو الضغوط الخارجية للدفع إلى خيارات قد تبدو غير مريحة لإسرائيل. وبالتالى فإن المؤشرات السابقة مازالت ترجح فكرة أن تظل الأطراف المؤثرة فى حدود حركتها مع محاولة تصدير المشاكل إلى الطرف الآخر ما لم تواجه اعتبارات تدفعها لإعادة التفكير فيما يكفل التوصل لقناعات مشتركة بينها يمكن أن تؤدى إلى عودة انسياب المحاولات الجادة للتوصل إلى اتفاقات محددة.