وفى انتظار التعهدات الأمريكية لإسرائيل لمواصلة جهود السلام أصبح الإبتزاز الإسرائيلى فى قمته و بما أصبح يثير معه العديد من علامات الإستفهام و النقاط التى تستدعى الوقوف أمامها , و ليس مجرد الإشارات التوضيحية التى أشرنا إليها فى السابق , فإسرائيل الآن و – وكما يظهر للمستقرئ لمواقفها – قد عقدت العزم فى إتجاهات محددة لصالح مواقف نهائية ترى نفسها أقرب ما تكون لقطف نتائجها . حتى الآن إسرائيل فى حوارها حول المسار الفلسطينى الإسرائيلى للتسوية مازالت فى موقع الفاعل فى الجملة و يأتى فى باقى الجملة الآخرون , بما فيهم الأمريكيين و الفلسطينيين , و يبدو أن إسرائيل قد نجحت فى توظيف مواقفها فى هذا الإطار سواء بالإقناع أو بالفرض , و الإقناع يأتى من مصالح مشتركة و الفرض يأتى من خلال تكريس الأمر الواقع , و فى هذا المجال نورد حدثين فقط للدلالة : *عندما قررت منظمة التحرير الفلسطينية إيقاف حوارها المباشر مع إسرائيل كقرار فلسطينيى و صادر عن الجامعة العربية صاحبة التفويض لها , فإن هذا القرار كان فى جزء كبير منه رد فعل للنهج الإسرائيلى المقصود فى المفاوضات و الذى جعل منها ما يشبه العبث أو الإقرار بأمر واقع غير مطلوب , و حتى عندما أشار وزير خارجية إسرائيل فى 23 نوفمبر بأن استئناف المفاوضات مع الفلسطينين يعد أمرا ضروريا للجانبين و أن قرارا أحادى الجانب من الفلسطينين سيلحق الضرر بكل عملية السلام , فإنه لم يعن بالدرجة الأولى دعوة الفلسطينين للتفاوض بقدر ما قصد رضوخ الفلسطينين للحاجة للتفاوض , حتى فى ظل ظروف غير مبشرة بالنتائج . *عندما حصلت إسرائيل على ضمانات من الولاياتالمتحدة بأمنها و سلامتها و كذلك حزمة الدعم المادى و السياسى لها فقد طالبت واشنطن أيضا برد مكتوب يشبه المعاهدة بضمان أمن إسرائيل , و مازالت فى حوارها مع واشنطن بالشأن مقابل تجميد نهائى مرة واحدة للاستيطان لمدة ثلاثة أشهر تفتح الطريق للمفاوضات مع الفلسطينين فى حين بدأت مؤشرات الرد الأمريكى فى الإشارة إلى أن التعهد الأمريكى لإسرائيل فى الخطاب المقترح يتمثل فى أنه يطلب التجميد لمدة ثلاثة أشهر و توقيع إتفاق سلام مع الفلسطينين أيضا . غنى عن التفصيل ان إسرائيل اتخذت خلال هذة الفترة بعض القرارات التى تعلم أنها قد تصيب المفاوضات المفترضة فى مقتل , أولهما تمثل فى إعلان الكنيست بشكل نهائى بأنه فى حالة عدم تصويت ثلثى أعضائه لصالح التنازل عن القدسالشرقية أو مرتفعات الجولان فإن هذة المسألة تعرض على استفتاء لتحديدها , و الغريب أنه رغم معارضة وزير الدفاع إيهود باراك للقرار و وصفه بأنه لطمة قوية لجهود السلام و كذلك إشارة منظمة التحرير و السلطة الفلسطينية بأن القرار يعتبر بمثابة إعلان رسمى بنهاية جهود السلام , مع مطالبتها الجمعية العامة و مجلس الأمن بإعلان ضرورة زوال الإحتلال عن الأراضى الفلسطينية بأكملها , إلا أن الولاياتالمتحدة قد اعتبرت القرار بمثابة شأن داخلى إسرائيلى و هو ما تمشى معه الموقف الألمانى بعد ذلك فى حين عارضته فرنسا على وجه الخصوص باعتباره يختص بمسائل تتعارض مع قرارات مجلس الأمن 496 و 478 . و فى انتظار ردود الفعل و التنديدات الدولية و العربية فقد بدأت إسرائيل فى إتخاذ مزيد من الإجراءات و منها البدء ببناء جدار فى رفح مقابل للحدود مع مصر تحت شعار حماية الحدود من المتسللين إلى إسرائيل , فضلا عن إعلانها قرب تنفيذ خط الربط الحديدى بين مستوطنة «ارئيل» و مدينة القدس فى الضفة الغربية هذا بالإضافى إلى المضى فى إجراءاتها لطرد و إزالة العديد من المواقع العربية فى المدينة و حول قضائها « حدودها الإدارية « تحت دعاوى متعددة يتمثل بعضها فى صدور أوامر عسكرية بذلك فى فترات سابقة . اعتمدت إسرائيل فى نشأتها على فكرة السور و البرج بعد إقامة مواقع استيطانية و بذلك وفرت خلال مراحل إنشائها الأرض و أسلوب حمايتها , و قد يكون من اللافت للنظر حاليا الاستعانة بسياج آخر ليس أقل أهمية و هو الحماية الدولية بل و الأمريكية التى لم تكتفى إسرائيل بكونها شفهية بل أصرت على الحصول عليها مكتوبة . هل تكتفى واشنطن بإعلان إصرارها على حل الدولتين من خلال التفاوض و الذى تتخذه إسرائيل ستارا للتجاوب من واشنطن و إن كانت قد تخفى فى ثناياه كل ما يخل بمبدأ الدولتين ومنها العدل الذى من المفترض انه السياج الأساسى الذى يحمى كل محاولات إقرار سلام له صفة الدوام فى المنطقة حاليا و مستقبلا . على أحمد سالم 28 / 11 / 2010