.. «وهل البيعة إلا كلمة.. أتعرف ما معنى الكلمة..مفتاح الجنة فى كلمة .. ودخول النار على كلمة.. وقضاء الله هو كلمة.. الكلمة نور وبعض الكلمات قبور».. لست أدرى لماذا قفز إلى ذهنى هذا المقطع الشعرى من مسرحية «الحسين ثائراً وشهيداً» للأديب والشاعر الكبير عبدالرحمن الشرقاوى حين تلاحقت إنذارات هيئة الاستثمار والمناطق الحرة لبعض القنوت الفضائية التى أخلَّت بميثاق الشرف الإعلامى.. وبعد تفكير سريع وجدت أن هناك رابطا خفيا بينهما وهو الكلمة رغم أن صاحبة السيادة فى مثل هذه القنوات هى الصورة وهذا يدل دلالة قاطعة على هذا التجاوز... كيف؟.. لأن محور هذه الإنذارات يدور فى معظمه حول الشريط الإخبارى الدواَّر بعيداً عما تتناوله الصورة من موضوعات قد تكون أحياناً فى منأى عن هذه المحاذير.. وهنا يجب التساؤل: ماذا يتضمن هذا الشريط الذى يمثل جانباً مهما من جوانب تمويل هذه القنوات بالإضافة إلى سائر الإعلانات المرئية الأخرى؟. إن هذا الشريط يتخذ مادته الأساسية من رسائل التليفون الجوال والتى تصبح رهناً لأهواء أصحاب هذه الرسائل ومنها أهواء مريضة على المستويين النفسى والأخلاقى وقد شاهدنا جميعاً نوعيات متباينة من هذه الرسائل وقرأنا ما بها من مضامين نرفض نشر محتواها حتى لا نشارك فى ذات الجرم فضلاً عن خشيتنا من الوقوع تحت طائلة القانون.. كما ورد فى الإنذارات تلك الرسائل الإخبارية عبر المحمول والتى يتلقاها المشتركون فى هذه الخدمة المشبوهة والتى من شأنها أن تحدث ما لا تحمد عقباه من لغط وبلبلة فى الشارع المصرى لما قد تتضمنه هذه الرسائل من أخبار مكذوبة تختفى وراءها دسائس تهدد الأمن القومى المصرى بإثارة الفتنة وتبث مشاعر الكراهية والبغضاء والتى نعمل جميعاً على تلافيها حماية للوطن واستقراره.. وهنا يجب أن تكون هناك رقابة صارمة تحمى مختلف القيم المصرية اخلاقيا ودينيا وقوميا وغيرها من مقومات موروثنا الثقافى، ومن الغريب أن يصف البعض من أدعياء الحرية زورا وكذبا أن ما حدث هو تكميم للأفواه حتى أن مقالات نشرت مؤخراً تعلن ببجاحة لافتة أن هذه التحفظات هى إرهاصات لردَّة متوقعة لما نحياه من ديمقراطية وحرية تعبير. وهنا نكرر تساؤلا آخر: أية علاقة للديمقراطية وحرية التعبير من هذا الانفلات الإعلامى الذى يحث علنا وعلى الهواء مباشرة لارتكاب الفاحشة والرذيلة وزعزعة أمن الوطن؟.. ومما يصيبنا بكثير من الدهشة والعجب معاً أن من هذه القنوات ما تحمل لواء الدين والثقافة الدينية على أيدى من يطلق عليهم الدعاة الجدد وأعرف منهم كثيراً يفتقر إلى أبسط دعائم الثقافة الدينية وغير الدينية من حملة الشهادات المتوسطة مع كل الاحترام لحامليها ولكنهم اتخذوها «سبوبة» تحقق لهم نجومية زائفة فضلاً عن التربح بطرق غير مشروعة تقتصر مؤهلاتها على ذقون طويلة وأردية بيضاء قصيرة وكأنهم بذلك أصبحوا علماء يفوق علمهم الموهوم على العلماء الاجلاء بالأزهر الشريف.. وهنا يجب أن تكون لنا جميعاً وقفة حاسمة وجادة حيال هذه التجاوزات المهنية ليضطلع علماء الأزهر الشريف بدورهم المنشود وهم يمثلون منارة الإسلام الوسطى المستنير ليس على مستوى مصر والدول العربية فقط. وإنما على مستوى العالم الإسلامى بأسره والذى يزخر فى مختلف أرجائه بعلماء أفاضل تخرجوا فى معاهد وكليات جامعة الأزهر من خلال البعثات التى تتيحها مصر بلا مقابل سوى ابتغاء وجه الحق سبحانه وتعالى منذ ما يزيد على ألف عام مضى وذلك ليكونوا دعاة ثقافة راشدين وفق أصول إسلامنا الحنيف وشريعته السمحاء. أما بقية القنوات ذات الطابع غير الدينى وإن كان لهم كل الحق الذى تكفله لهم الدولة فى تناول مادتهم الإعلامية بكل حرية فيجب أن يعى المسئولون عن إدارتها حقيقة مهمة وراسخة وهى أن الحرية المطلقة هى فى حقيقتها مفسدة مطللقة وحتى لانتهم بأننا من أعداء الحرية والديمقراطية تلك التهمة التى يتخذها البعض ذريعة لإفشاء الفتن والضغائن فى ربوع الوطن فإننا نرى كثيرا من القنوات تلتزم الموضوعية فى التناول والرغبة المخلصة فى الإصلاح ومنها قنواتنا التابعة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون والتى تصل أحياناً فى حدة تناولها ما لم تصل إليه القنوات الخاصة بما يؤكد أن السقف العالى لحرية التعبير هو متاح للجميع شريطة مراعاة المصلحة العليا للوطن والتى هى بدورها أمن قومى شامل لكل المواطنين فى مصر. فهل تكون هذه الإنذارات التحذيرية بمثابة أجراس الخطرالتى تدق فى آذان أصحاب بعض هذه القنوات المخالفة للمواثيق الإعلامية ليثوبوا إلى رشدهم محقققين ما نأمله منهم فى أن تكون قنواتهم إضافة إيجابية لنوافذ الاستنارة الثقافية وليثبت لهم ولنا فعلاً كما قال الشرقاوى يرحمه الله إن الكلمة نور وليس كبعض الكلمات قبور.