لن نكل ولن نمل..ولن نتوقف عن الكتابة عن مشكلة عجز القمح ومن بعده نقص المنتج من الخبز المدعم وعدم صلاحيته للاستخدام، فضلا عن صعوبة الحصول عليه من الأفران أو أكشاك التوزيع المعتمدة. والمشكلة أنه لا توجد نية واضحة لدى الوزارة المعنية بإنتاجه لانهاء هذا الصداع المزمن، بل إن وزير الزراعة يسبح ضد التيار وكثيرا ما يكرر أننا لن نحقق الاكتفاء الذاتى من القمح فى أى وقت! هذا مع أنه (فلاح شرقاوى) أصيل ولديه مساحات شاسعة من الأراضى تنتج له أفضل المحاصيل الزراعية والبستانية بسبب الرعاية الدائمة و(الخدمة من طراز الخمسة نجوم) من مياه وسماد وعمالة مدربة.. إلخ.أقول ذلك لأنه بلدياتى وكنت أطمع أنا وغيرى من المواطنين أن يبذل جهدا أكبر فى توفير الغذاء الأساسى والرئيسى لأبناء بلده بدلا من تكرار هذه المقولة المستفزة والتوسع فى زراعة (محاصيل التصدير) مثل البزلاء والكنتالوب والبرجس.. وأسماء لنباتات أخرى لم نرها ولم نسمع عنها من قبل. عموما.. وإذا كانت الوزارة لم تضع رؤية زراعية واضحة لمصر خلال الخمسين عاما المقبلة تركز فيها على المحاصيل الرئيسية وفى مقدمتها القمح والقطن والذرة والأرز، فقد تحرك (المجتمع) والمتمثل فى قطاعيه العام والخاص وبعض الاتحادات النوعية فى اتجاه حل عملى مشكلة الغذاء سواء للإنسان أو الطيور.. وهو ما سيأتى ذكره لاحقا.. ولكن لنتعرف أولا على خريطة إنتاج واستهلاك القمح فى مصر، فنحن نستهلك حوالى 14 مليون طن سنويا، ننتج منها حوالى 6 ملايين طن محليا ونستورد من الخارج 8 ملايين طن من خلال هيئة السلع التموينية والشركة القابضة للصناعات الغذائية، وبعض شركات القطاع الخاص. والقمح المستورد درجات من حيث الجودة أو الصلاحية للاستخدام سواء لإنتاج العيش البلدى (دقيق استخراج 82%) أو لإنتاج العيش الفينو والحلويات (دقيق استخراج 72%). ونظرا لتعدد جهات الاستيراد واختلاف درجات القمح، فكل منها يبيع الدقيق بسعر مختلف فى السوق المحلى، ذلك بخلاف تسرب الدقيق المدعم إلى السوق السوداء (حسب نوعه) لاستخدامه فى صناعة العجائن والحلويات أو كعلف للمواشى والدواجن. *** والمشكلة أن الكل يعلم أن عملية إنتاج الخبز البلدى فى مصر (غير منضبطة) سواء بسبب تسرب الدقيق المسلّم للمخابز إلى السوق السوداء أو بسبب سوء إنتاج الخبز ذاته، ومع ذلك تعايشنا معها جميعا وكأنها قدر ومكتوب! وحتى عندما قررنا فصل الإنتاج عن التوزيع بمعنى تسليم الأفران عددا معينا من أجولة الدقيق على أن تسلم للأكشاك المعتمدة للتوزيع عدد معين أيضا من الأرغفة، هذه المنظومة لم تستمر أكثر من ثلاثة شهور ثم عادت ريمة لعادتها القديمة واختفت الرقابة على عمليات الإنتاج والتوزيع لأسباب متعددة. هذا فى الوقت الذى نلاحظ فيه التواجد المكثف للخبز على الأرصفة ولكن بأسعار تصل إلى خمسين قرشا لبعض النوعية الجيدة منه، وبالطبع تختلف الأسعار حسب وزن الرغيف وجودة تصنيعه، ولكنها فى كل الأحوال لا تقل عن 20 قرشا للرغيف الصغير. *** ومع كل ما تقدم.. فالمشكلة ليست مستعصية على الحل.. ولكنها تحتاج للسير فى عدة برامج متوازية وقد بدأ بعضها بالفعل، وهو ما أشرت إليه سلفا من تحرك (المجتمع) لزيادة الأراضى المخصصة لزراعة القمح، حيث تم الاتفاق مؤخرا مع (مشروع الجزيرة) فى السودان الشقيق والذى يمتلك حوالى 2 مليون فدان لتخصيص مليون فدان منها لزراعتها ببعض المحاصيل الشتوية لصالح بعض الجهات المصرية.. مثل القمح لصالح هيئة السلع التموينية والذرة لصالح اتحاد منتجى الدواجن وبنجر السكر لصالح الشركة القابضة للصناعات الغذائية، وهناك شركات قطاع خاص مصرية مشاركة فى هذا الاتفاق الذى تم بنظام الزراعة التعاقدية، أى أن الجانب المصرى سوف يتولى امداد المشروع بمستلزمات الإنتاج المطلوبة من الأسمدة والتقاوى والمبيدات والميكنة وغيرها، وأن يتولى الجانب السودانى زراعة المساحات المتعاقد عليها وتسليم الإنتاج فى المواعيد المحددة بالتعاقد. وهذه خطوة جيدة ومبادرة مجتمعية لابد من تشجيعها والسهر على إنجاحها من الطرفين لأنها تجسيد حى وواقعى للشعار الذى رفعناه كثيرا- كعرب- حول إمكانية التكامل العربى، فالسودان لديه الأرض والماء، ومصر لديها الأيدى العاملة وبعض الأشقاء لديهم الأموال، فما المانع من تكرار التجربة والتوسع فيها؟ كما أنها تسد العجز من ناحية أخرى بالنسبة لضيق المساحة أو عجز المياه المطلوبة للتوسع الزراعى الأفقى فى مصر. أما البرنامج الثانى فى إطار علاج مشكلة نقص القمح فيتمثل فى الإقلال من الفاقد فى عمليات الحصاد والدريس والطحن والتوزيع والإنتاج وقد قدر هذا الفاقد بحوالى 3.5 مليون طن سنويا من خلال عمليات التداول المتعددة السابق الإشارة إليها. والبرناج الثالث يتمثل فى خلط القمح مع الذرة فى إنتاج الخبز، وقد كان للدكتور أحمد الجويلى تجربة ناجحة فى هذا المجال عندما كان وزيرا للتموين من قبل، ولكن (لوبى) استيراد القمح من الخارج وقف بعنف ضد تنفيذها، مع أنها لو طبقت سوف تعطى طعما أفضل لرغيف العيش البلدى فضلا عن تخفيض الكميات المطلوبة من القمح. ويبقى البرنامج الرابع.. وهو إعادة النظرفى سعر البيع الحالى لرغيف الخبز المدعم، وهى نقطة تتردد جميعا فى الإشارة إليها، فقد قيل من قبل إن الرغيف المدعم يتكلف حوالى 15 قرشا فى حين أنه يباع بخمسة قروش فقط، وبسبب هذا (الفارق) يحدث التسرب للدقيق المدعم بحجة تعويض الغرامات والمصروفات الأخرى التى تتحملها الأفران البلدية، والآن.. لماذا لا نواجه الحقائق؟.. *** فرغيف الفينو والذى كان يباع من قبل بعشرة قروش ارتفع سعره فى الأسابيع الماضية ومع دخول المدارس إلى 25 قرشا مع أن حجمه أصبح أقل؟.. فلماذا لا نبيع البلدى المدعم بعشرة قروش، بشرط أن يتوافر فى كل وقت ويحصل عليه المواطن بيسر وبسهولة.. وكرامة!