على صوت طلقات الرصاص وانفجارات القنابل وصواريخ المدافع وسقوط عشرات الضحايا ما بين قتيل وجريح ووسط اتهامات واسعة بالتزوير جرت الأسبوع الماضى ثانى انتخابات برلمانية أفغانية منذ سقوط نظام طالبان على أيدى القوات الامريكية عام 2001 ووصفت هذه الانتخابات بأنها الفرصة الاخيرة لجميع أطراف الملف الافغانى.. والواقع ان الانتخابات،التى شهدت إقبالا ضعيفاً بلغ وفقاً للبيانات الرسمية 40 % وسط تأكيدات المراقبين بأن النسبة أقل من ذلك بكثير خاصة مع تهديدات طالبان التى أتت بمفعولها مع الناخبين، كانت بحق الفرصة الاخيرة للرئيس الأفغانى «حامد كرزاى» أمام حلفائه الغربيين وفى مقدمتهم امريكا خاصة مع اتهامات الفساد التى تلاحق نظامه والتى تسببت فى تدهور شعبيته داخلياً والأهم خارجياً مما أفقد المهمة فى أفغانستان شعبيتها سواء فى امريكا او اوروبا خاصة مع سقوط مئات القتلى بين صفوف قوات الناتو وامريكا نتيجة مقاومة طالبان الشديدة لا سيما خلال العامين الماضيين وهوما جعل شعوب هذه الدول تطالب بعودة قواتها وترك الامر للافغان ليتحملوا مسئولية أنفسهم. ومع ذلك فكما يبدو نظام كرزاى عبئا على أمريكا فإن الفظائع التى يقوم بها الجنود الامريكان فى أفغانستان خاصة القتل العشوائى للمدنيين كانت احد اسباب فقدان نظام كرزاى للشعبية خاصة انه ينظر اليه على أنه نظام تابع للغرب ولواشنطن. وجاءت الطامة الكبرى بعد انكشاف فضيحة قيام الجنود الامريكيين بقتل المدنيين الافغان لمجرد «التسلية واللهو» والاحتفاظ بأطرافهم كتذكار ليزيد موقف كرزاى صعوبة خاصة ان الفضيحة تفجرت قبل الانتخابات بأيام قليلة كاشفة ليس فقط الوجه القبيح لحقوق الانسان على الطريقة الامريكية ولكن ايضاً الديمقراطية الامريكية التى نادى بها بوش الابن وصاحبه تشينى ويمينهما المحافظ والأخطر انها وضعت نظام كرزاى نفسه فى موقف حرج قبل الانتخابات. وقد حاول كرزاى وبشدة خروج الانتخابات بأقل قدرمن الخسائر حيث كان يعلم ان مصير نظامه مرتبط تماماً بنجاحه فى تنظيم الانتخابات وبشفافيه وبدون حوادث العنف أو التزوير التى شابت انتخابات الرئاسة الماضية حتى أنه ناشد الملا عمر زعيم طالبان قبل الانتخابات بحوالى 10 أيام الانضمام لمحادثات السلام الهادفة لإنهاء دوامة العنف التى تعيش فيها البلاد منذ 2001 وهى الدعوة التى طالما كررها كرزاى ورفضها عمر الذى يهمه بالطبع بقاء البلاد على حالة الفوضى والعنف المسيطرة على أفغانستان.. ولكن كرازاى لم يكن وحده المهتم بإتمام العملية الانتخابية بنجاح فقد شاركه فى ذلك الجالس على عرش البيت الأبيض فالرئيس الامريكى باراك أوباما يعلم جيداً ان النجاح فى افغانستان سينعكس ايجابياً على انتخابات التجديد النصفى للكونجرس المزمع اجراؤها فى نوفمبر القادم ومع تدهور شعبية اوباما وحزبه الديمقراطى فى الآونه الأخيرة أصبح يلتمس أى نجاح فى الملفات الساخنة التى تسبب فيها سلفه بوش الابن سواء فى غزو العراق أو عملية السلام فى الشرق الاوسط أو الحرب على الارهاب فى أفغانستان وإذا كان قد نجح فى سحب قواته من العراق محققاً بذلك مطالب الناخب الامريكى وهاهو يضغط نحو انجاز اتفاق سلام بين الفلسطينين والاسرائيليين لا يتوقع ان يتحقق قريباً مع التعنت الاسرائيلى، فإن استقرار الوضع فى أفغانستان قد يشبه طوق النجاه حتى لا يسقط الكونجرس بمجلسيه فى أحضان الجمهوريين خاصة مع الشعبية المفقودة أصلاً للحرب فى افغانستان مع تزايد اعداد القتلى بين صفوف القوات الأمريكية وقوات الناتو وهو ما جعل بريطانيا الحليف الرئيسى لواشنطن تسحب جنودها مؤخراً من منطقة سانجين بإقليم هلمند وتسلم قيادة المنطقة لقوات المارينز الامريكى بعد تفاقم الخسائر التى تكبدتها القوات الانجليزية فى المنطقة وسط مطالبات الانجليز لحكومتهم بالانسحاب نهائياً من المستنقع الأفغانى. الجميع إذن كان يترقب نجاح العملية الانتخابية فى أفغانستان حتى ولو كان هذا النجاح بعد اضافة درجات الرأفة، فلا يهم التفجيرات أو اعداد القتلى والمصابين أو الحديث عن اى عمليات تزوير شابت العملية الانتخابية، فالمهم إجراء الانتخابات التى تعد معجزة فى حد ذاتها يتضاءل بجانبها كل السلبيات السابقة.. فلا كرازاى ونظامه ولا أوباما وحزبه ولا حتى الناتو وقواته على استعداد لتقبل «الفشل» الذى سيدفع ثمنه الجميع خاصة أنها كانت انتخابات الفرصة الاخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتجميل «الندوب» التى شوهت وجه أمريكا والغرب!.