رقيقة.. ذات وجه يحمل ملامح رقيقة.. جميلة.. ولكنه وجه أصفر.. وعيون ذائغة.. جسدها نحيل.. ترى علامات المرض واضحة عليها.. واهنة.. ضعيفة.. تحتاج لمن يمسك بيدها ليصل بها إلى بر الأمان.. هى فتاة لم تتخط العشرين من عمرها وبالرغم من ذلك تشعر بأنها ربما تخطت الأربعين أو أكثر.. تمشى مستندة على ذراع أمها.. تشعر من الوهلة الأولى أن قلب أمها يتمزق وأن الحياة انطفأ نورها وأصبحت مظلمة ظلمة حالكة، بل إنها كانت تتمنى الموت قبل أن ترى زهرة شباب الابنة تذبل وتتساقط أوراقها.. كانت تتمنى أن يظل عودها أخضر ندياً.. ولكن ماذا تقول غير قدر الله وما شاء فعل.. نعم هذه إرادة الله.. تقول الأم: «هبة» هى زرع عمرى.. هى أول فرحة دخلت إلى قلبى.. هى الابنة البكرية.. منذ ولادتها وأنا أحلم بها شابة جميلة.. عروساً يوم عرسها.. منذ بلغت السادسة والتحقت بالمدرسة وبدأت أعد العدة لزواجها.. كل جنيه استطيع توفيره أقوم بشراء شىء من جهازها كان قلبى يزغرد من الفرح عندما مر عليها خراط البنات وبدأت ملامحها تظهر وتؤكد أنها ستكون «ست البنات».. كنت أحلم أحلاماً كثيرة وكبيرة.. لم أكن أرى إلا هى ولا أحلم إلا بها.. ولكن لم أكن أعلم ما تحمل لنا الأيام.. كان يوما عصيبا عندما عادت ابنتى الحبيبة من المدرسة وهى واهنة.. ضعيفة.. تكاد تجر قدميها.. غير قادرة على حمل حقيبة كتبها.. عندما سألتها عما تشعر به كان الجواب أنها تشعر بصداع يكاد يفتك برأسها.. وكان قرصاً مسكناً وكوب شاى هو ما قدمت لها.. ومرت أيام لتعود بنفس الحالة ولكن هذه المرة أشد ولم يفلح معها لا قرص المسكن أو حتى كوب الشاى.. طلب منى الأب أن اصطحبها إلى الطبيب.. وقد كان والذى أكد أنها مصابة بنزلة برد ووصف الدواء ولم يمر يوم إلا وزادت الحالة سوءاً.. عدنا إليه مرة أخرى حاول تغيير الأدوية إلا أنها لم تأت بنتيجة وهنا طلب إجراء تحاليل، ثم أشعة على المخ.. وعندما ظهرت النتائج رأيت فى عينه نظرة لن أنساها طوال عمرى كانت نظرة غريبة عرفت معناها فيما بعد.. طلب منى اصطحابى إلى المعهد القومى للأورام بالقاهرة حتى يتم عرضك على أطباء متخصصين يستطيعون تشخيص الحالة وتقديم المساعدة والعلاج المطلوب.. كانت رحلة صعبة على النفس.. اصطحبنا أبوك إلى المعهد ونحن ندعو الله ألا يصيبك مكروهاً.. تم إجراء التحاليل مرة أخرى والأشعة.. وعرفنا وياليتنا ما عرفنا فقد أخبرنا الأطباء أنك مصابة بورم سرطانى بالمخ وتحتاجين إلى جلسات علاج كيماوى وإشعاعى.. كانت دموعى هى سلواى ماذا فعلت فى هذه الدنيا؟ ولكن هذه مشيئة الله ولا راد لمشيئته.. أربع سنوات عجاف لم أرى فيهم النوم وتحولت أحلامى الجميلة إلى كوابيس تفتك بى كل ليلة.. حاولت أن أخفى حقيقة مرضك عن الأهل والجيران مراعاة لشعورك وحتى لا يصيبك الاكتئاب وحتى تستمرى فى دراستك، ولكن فى المجتمع الذى نعيش فيه وفى القرية الصغيرة التى نسكن بها لا يوجد سر وعرف من حولنا ما تعانيه وبالرغم من ذلك لم يحاول أحداً منهم أن يذكر ذلك أمامك خوفا على مشاعرك يا صغيرتى.. وكانت إرادتك قوية حاولتى استكمال مسير دراستك ولكن المرض يقف حائلا بينك وبين ما تريدين.. رحلة المرض والعلاج استنزفت طاقتك وطاقتنا جاءت على الأخضر واليابس صرفنا كل جنيها كنا ندخره من أجلك ومن أجل أخواتك مرتب أبيك أصبح لا يفى باحتياجاتك واحتياجات الأسرة وأصبحنا نعيش فى ظل ظروف صعبة جداً يحاول الأهل الوقوف إلى جورانا ولكن للأسف الحياة صعبة علينا وعليهم وكما نهشك المرض.. نهشنا الفقر.. هذه الأسرة تحتاج إلى من يساعدها ويأخذ بيدها ويقف بجوارها.. من يرغب يتصل بصفحة مواقف إنسانية.