يعد الكاتب أحمد رشدي صالح أحد الرواد العرب لحركة الفنون الشعبية ، ولد بمحافظة المنيا مركز أبو قرقاص عام 1920، تخرج في جامعة فؤاد الأول - القاهرة حالياً- عام 1941 بعد أن حصل على ليسانس اللغة الإنجليزية فيكلية الآداب، عمل بالإذاعة المصرية، كما مارس الكتابة الصحفية بجوار العمل الإذاعي، أنشأ مركز الفنون الشعبية سنة 1957 ، وله العديد من المؤلفات والترجمات للأدب الشعبي المصري وعلم الفلكلور، حصل على العديد من الجوائز العالمية والعربية، من أهم مؤلفاته " الأدب الشعبي" ، وهو كتاب يهتم بأدب الجمهور المصري من الدلتا إلى الصعيد ، قدم فيه "أحمد رشدي صالح" جزءا من تجربته التي قام فيها بتدوين ما سمعه من أدب الفلاحين، في أثناء عملهم وسمرهم، وما حفظه من أمه وقريباته وأطفال قريته، وما سمعه وشاهده في رحلاته إلى البلدان العربية . وفي مقدمة الكتاب ، يقول: الأدب الشعبي هو أدب الجمهور الواسع العريق في المدينة والقرية ،وينقل إلينا صوراً للحياة تعبر عن تجربة الجمهور في الحياة تعبيراً صادقاً وقوياً يساعد على كشف حقائق الحياة، وهذا يؤكد "صلة الأدب بالحياة" هذه الصلة هي مضمون الأدب الشعبي الذي هو أحد فروع التراث الشعبي، الذي يطلق عليه أحيانا" علم الفلكلور" . ويضيف : قال بعض علماء الفلكلور : إن موطنه الأصلي في الشرق الأدنى والأوسط عامة. وهناك جهود قدمها العلماء قاموا فيها بتوثيق الحياة الشعبية العربية والفنون والآداب التي نشأت فيها، وهذه الجهود ليست كلها حديثة، فمنها جهود قديمة مثل "رسالة في لحن العامة" لعلي بن حمزة الكسائي تلميذ الخليل بن أحمد الفراهيدي، وكان هذا في القرن الثالث الهجري, وقد قدمت هذه الرسالة العاميات التي نشأت من مخالطة العرب بغيرهم من الأمم الأخرى. وفي القرن الثالث عشر كتب" ابن دنيال"، خيال الظل"، وفي القرن الرابع عشر وضع محمد البليسي مؤلفه " الملح والطرف"، وهو نموذج للأسلوب الفصيح العامي، وفي القرن السابع عشر وضع يوسف الشربيني" هز القحوف في شرح قصيدة أبي شادوف" وانتشار قصيدة أبي شادوف حتى وقف غير بعيد لا يرجع فحسب إلى أنها سخرية هازئة من الفلاح وحياته، بل لأن تلك السخرية كانت تعبيراً عن السخط على تلك الحال البائسة التي كابدها الفلاح قرناً بعد قرن. ويرى الكاتب إن الهموم التى عانا منها الشعب المصري خلال تاريحه جعلته يلجأ إلى فنونه الأدبية الشعبية يفتش فيها عن حلول لمشاكله ومصائبه، أوربما يجد فيها ما يواسيه. وبحث الشعب عن حلول لهمومه يأتي في صور مختلفة منها: البحث عن الراحة، الأمراض والجراح، الاهتمام بنهاية الحياة ومن النماذج الأدبية التي صورت الألم والجراح ...هذا محب يشكو جراح حبه، فيذهب إلى طبيب الجراح يطلب منه دواءا، فيكشف الطبيب على صدره ثم يعطيه الطبيب الحال: كل المجاريح طابوا بس أنا فاضل وطبيب الجراح دواء الناس وأنا فاضل أنا قلت يا طبيب ما عندكش دوا فاضل عسى على القلب والتفت قال لي روح يا قتيل الملاح ما عدا لك دوا فاضل ويذكر المؤلف الشاعر الشعبي لا ينسى الزمان وأحوال الدنيا، وجمهور أدبه يريد أكثر من شكوى الغرام، إنه يريد أن يشكو الدنيا، ويشير في شكواه إلى المآزق التي تضغط عليه. وهذا موال جميل يقول بأن ياكبر الصبر، لأن أعداءه يسكنون بجواره، وما ينبغي له أن يشمت الأعداء إنه لن يرسل آهات حتى لا يسمع به أحد ويتمنى أن يجد طبيباً يقدم له الدواء من غفلة من الناس، لكنه ظل يعاني الألم من العشاء حتى الفجر . يقول الموال: أكايد الصبر وجروحي عليا فجر أنا خايف أجول سكانين العوازل فجر آه لو سعفني طبيبي بالدواء في الفجر إلارماني علم شيمة بلفافات أمر من الصبر إذا خصمي عله فات تجدي أوقات أبكي م العشاء للفجر. ويشير المؤلف إلى" الأمثال الداعية للصبر" قائلا: إذا نظرنا في فن الموال نجد ذات المعاني، فيما يلي موال يقدم بأن الصبر مفتاح الفرج. هلبت يا قلبي على طول الزمان ترتاح وتنول اللي تهوى وفيه ترتاح مصير جراحك على طول الزمن تبرا ويجيلك الطب لا تعلم ولا تري مثل سمعناه فنقول عن ذوي الخبرة الصبر يا مبتلي عملوه للقرج مفتاح ويقول: أما الحب- في المخيلة الشعبية - يدخل دائرة المحرمات، خاصة بالنسبة للمرأة، فالعاشقة توصف بأنها" ماشية على حل شعرها" أي متحللة من ضوابط الأخلاق، والسمة الرئيسية في التعبير عن الحب في الأدب الشعبي أن الرجل يتغزل في امرأة لا تحل له . ويضيف: موال شفيقة ومتولي يعرب عن محو العار بالدم، وهو في الصعيد أمر شائع، يبدأ الشاعر فيحدث أولائك الذين يقرؤون الصحف فلا ريب في أنهم اطلعوا على جريمة قتل بطلها متولي والقتيل فيها شفيقة ، لكن ما هي تفاصيل الحكاية؟ : ياللي قريت الكتب شوف فعال جرجا واسمع لحادثة حية من نسا جرجا الوعد جالها غصب عنها من جرجا فاتت لدها وطلعت توفي ما عليها الخشا راح والوشا انكشف خالص وبان جمالها ظهر عن الجسم وعنيها ويشير إلى المؤلف إلى" الموال" فيؤكد على أن مصر والعراق أكثر مناطق العالم العربي صلة بهذا الفن، وذلك لطبيعة الأدب الشعبي فيها، ومن المواويل المصرية التي ذكرها ابن خلدون الموال التالي: هذه جرحاي طريا والدما ينضح وقاتلي يا أخيا في الفلا يمرح قالوا ونأخذ بثأرك قلت ذا أقبح ومنه أيضاً: طرقت باب الجنا من الطارق فقلت مفتون لا ناهب ولا سارق تبسمت لاح لي من ثغرها بارق رجعت حيران في بحر دمعي غارق وفي خاتمة الكتاب، يشير المؤلف إلى الزجل والموشح، قائلا: الزجل في اللغة يعني الإطراب والتهريج، وهو فن استحدثته بالأندلس جماعة من الأدباء ذوي الميول الماجنة والسبق في المنادمة ويعتبر الزجل التطور العامي للموشح، وقد بدأ الموشح فصيحاً، ثم استعمل العامية فيما بعد، وبالأخص تلك المتعلقة بالموضوعات الدينية، وقد طور الشعراء الشعبيون الموشح، فألفوا فيه الزجل ليكون شكلا جديداً مستخدماً في أسسه الفنية من الموشح، حتى صار الزجل ينفرد بالصدارة بين الأشعار العامية ومن الذين برعوا في فن الزجل رجل مغربي يدعى أبو بكر بن قزمان؟ كتاب " فنون الأدب الشعبي " للكاتب أحمد رشدي صالح .. وقام بتبسيطه أحمد بهي الدين العامي وأصدرته الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة في مائة صفحة من القطع المتوسط . خدمة {وكالة الصحافة العربية}