عرض نادي السينما الإفريقية، وهو أحد الأنشطة الوليدة لمهرجان السينما الإفريقية في الأقصر، الفيلم التسجيلي «العقيد ماما»، المنتمي إلى نوعية سينما الحقيقة ومن إنتاج الكونغو الديموقراطية، ويستند الفيلم إلى دراما تصور أفرادا يؤدون أدوارهم الطبيعية في الحياة، يعانون، ويعملون ويحملون قضيتهم على أكتافهم. الفيلم من إخراج وإنتاج وأيضاً مونتاج المخرج الكونغولي الشاب ديودي حمادي، الذي تخرج في كلية الطب في جامعة كيستغاني، ولكنه فضّل أن يعالج قضايا بلاده – وهي كثيرة – بدلاً من أن يعالج المرضى، فاستكمل تدريبه التطبيقي منتجاً ومونتيراً كما عمل مساعداً للإخراج حتى اكتسب مهنية عالية ليفوز فيلمه «دبلوم محلي» بجائزة في «مهرجان سينما الحقيقة». العقيد ماما نرى ضمن أحداث الفيلم أن المخرج لن يقل بطولة عن السيدة أنورين الشخصية المحورية والمحركة للأحداث في «العقيد ماما» ولم لا، فهي أم لسبعة أطفال بينهم ثلاثة بالتبني، وصلت إلى رتبة عقيد في جهاز الشرطة ونظراً لكفاءتها كلفت من قبل الجهاز بإدارة مركز جديد لمناهضة العنف ضد النساء والأطفال في مدينة كيستغاني، وهناك التقت بالمخرج بعد أن تفجرت قضية نزوح أفواج من ضحايا الحرب الطاحنة بين أوغندا ورواندا والتي عرفت بحرب «الأيام الستة» وغالبيتهم من اليتامى والأرامل. قضت الحرب الشرسة وأمراؤها على الأخضر واليابس قتلوا الأزواج واغتصبوا النساء واختطفوا الأطفال، وباتت النساء البائسات حطاماً بعد الذل والمهانة، تضور الأطفال جوعاً، أغلقت أمامهم كل السبل إلا الفرار عبر الحدود إلى الكونغو، وهناك أضحوا عالة من دون مورد رزق أو سكن أو حتى رعاية. من المثير للدهشة أن أولئك الضحايا هم مواطنون لدول فياضة بالموارد الطبيعية، دول تتنافس الشركات الأجنبية على نهبها وإشعال نار الخلافات الإثنية والحرب الأهلية فيها. رأى المخرج أن يستهل الفيلم بتقديم شخصية ذات أبعاد غير مألوفة من خلال وقع أقدام – على شريط الصوت – تدق على الأرض بعزيمة وقوة قبل أن تظهر سيدة متينة البنيان ترتدي زي الشرطة يتبعها بلقطة للسيدة العقيد وهي تضع لمسات خفيفة من مساحيق التجميل، بينما يحمل كتفها رتبتها العسكرية وتقود سيارة الشركة مخترقة شوارع المدينة إلى تجمع المغتربات، وترحب بها السيدات بالرقص والدق على ألواح الصاج، مطلقات الزغاريد وهي تسألهن إن كنّ تعرضن للاغتصاب فتجيب إحداهن بأن المغتصبين طلقاء وتتوسل إليها أخرى أن تصطحب طفلها معها لأنها غير قادرة على رعايته. ثم تزور الكاميرا والعقيدة مسكن إحداهن لترى من تدني مستوى المعيشة ما لا يحتمله بشر، في إجراء غير مسبوق تنتقل السيدات والأطفال في عربة الشرطة ليُقمن في حجرة في مركز الشرطة وتقرر إعداد ملف بالحالات لتحريك دعاوى قضائية والمطالبة بتعويضات مازالت تتلكأ في الجهاز القضائي على امتداد سنوات، وهي خلال مقابلاتها الفردية مع السيدات الباكيات يعترفن جميعاً إنهن تعرضن للاغتصاب وأنهن يتولين مسؤوليات أطفال بلا عائل. وعندما تُبلغ «العقيد ماما» باحتجاز عدد من الأطفال، تباغتهم بالحضور وتفاجأ بأنهم جاءوا طواعية مع آبائهم لعلاجهم من الاضطرابات النفسية بالسحر وضربهم بالسياط. تحرص السيدة العقيد على التواصل مع الأهالي والتواجد في تجمعاتهم، وفي عبور لها على السوق حيث يتواجد أكبر تجمع للأهالي تكشف عن التدني الاقتصادي من خلال باعة يفترشون الأرض ويعرضون بضائع فقيرة فلا تفوت الفرصة وتعرفهم بمهمتها وتضيف دعوة إلى جمع التبرعات لإعاشة المعوزين ولكن كما يقولون في الأمثال «ايش تاخد الريح من البلاط». حكم وحاكمة وحكيمة ومع العلم بمهمتها يقصد «ماما عقيد» كل صاحب حق ومنهم جماعة من المعوقين ضحايا الحرب يطالبونها بتحريك دعوى قضائية للمطالبة بالتعويض فهم أصحاب حق مثل الوافدات. يختتم المخرج الأحداث بمشهد تفاؤلي، حيث تتقدم بعض السيدات بطلب للتبرع من أجل المحتاجين، فقد بدأن مشوارهن بتجارب صعبة سرعان ما انتعشت فوجدن من واجبهن معاونة العقيد في برنامجها. لقد قدر جمهور المشاهدين جهد المخرج في عرض إحدى قضايا بلاده بأسلوب موضوعي من دون إسفاف أو إغراق في الميلودراما عبر شخصية سيدة مفعمة بالإنسانية وتخير خاتمة لفيلمه مشحونة بالتفاؤل، وكان أن فاز الفيلم بجائزة في مهرجان زنجبار وشارك في مهرجانات كبرى. وفي الختام، لا بد من التنويه بأننا بعد سنوات من تحاورنا نحن السينمائيين في ضرورة استثمار الجهد المبذول في تنظيم المهرجانات السينمائية، ها نحن اليوم أمام طاقم العمل في مهرجان السينما الإفريقية في الأقصر برئاسة الكاتب سيد فؤاد نشهد على نوع من الاستجابة في تفعيل برنامج المهرجان بتنظيم عروض للأفلام في نادٍ للسينما الإفريقية، وما أثلج قلوبنا هو إعلان رئيس المهرجان عن امتداد شبكة نوداي السينما الإفريقية في كل الأقاليم كمردود للإقبال الجماهيري على متابعة العروض.