الفنون الرمضانية الجميلة يعشقها الجميع وينتظرها العالم الإسلامي كل عام ، حيث يعشق الجميع الاستمتاع لها كل شهر، فكل الناس يقفون في شرفات منازلهم انتظاراً لمشاهدة المسحراتي، وهو يقول اصحي يا نايم.. وهو الدايم، حتى إن الشاعر الكبير بيرم التونسي قام بتأليف وكتابة مسحراتي رمضان الذي تم إذاعته علي أثير الإذاعة، وللمسحراتي حكاية جميلة نقصها في هذه السطور. منذ أن فرض الله سبحانه وتعالي علي المسلمين فريضة الصيام، وأباح لهم الأكل والشراب حتى أذان الفجر أصبح هناك ما يسمى بطعام السحور وقد اختلفت طرق وأساليب السحور وإيقاظ النائمين من عصر لعصر، ففي عهد الرسول صلي الله عليه وسلم كلف رسولنا الكريم أول مؤذن في الإسلام صاحب الصوت القوي الجميل بلال بن رباح رضي الله عنه بمهمة التسحير بالوقوف فوق أعلى مكان وإيقاظ الناس. فن الارتجال وفي العصر الفاطمي ظهر "ابن نقطة" تحديدا عام 597ه، واخترع المسحراتي فناً شعرياً شعبياً كان يسمي ب"القومة" وتعود التسمية إلى فعل "القيام" وكان ابن نقطة بأسلوبه وأشعاره أحد الأسباب التي دفعت كل المسحراتية الذين ظهروا بعده في التفنن وارتجال جمل وكلمات وعبارات طريفة وجديدة لإيقاظ الصائمين. إمساك وسحور وشهد القرن الثامن الهجري ظاهرة تعليق القناديل فوق المآذن لتحدد للناس مواعيد السحور والإمساك، حيث كانت المصابيح تضاء طالما أن موعد السحور باقيا، ويتم إطفاؤها مع اقتراب موعد الفجر. وكان المسحراتية في هذا الوقت يقومون بالدق على الطبلة البارزة، وهم يقدمون أناشيد ومدائح نبوية، والطريف أن المسحراتية في هذا الوقت لم يكونوا يكتفون بتنبيه الناس للسحور فحسب، بينما كانوا ينبهونهم أيضا للإمساك والتوقف عن الشراب والطعام.. وكانوا أيضا مع نهايات الشهر ينشدون مديح آخر الشهر ويطلقون عليه الوداع أو الخاتمة. وهكذا بدأت مهنة المسحراتي وتطورت ليصبح أحد العلامات البارزة في الشهر الكريم، مما دفع الإذاعة لالتقاط الفكرة، كما أشرنا في الخمسينات، علي يد بيرم التونسي الذي يعود له الفضل أيضا في ابتكاره فكرة فوازير رمضان، فهو أول من قام بكتابتها وتأليفها وكان أكثر شعراء العامية الذين عبروا عن الشهر الكريم وجميع المظاهر الدينية والشعبية، بداية من رؤية الهلال ومروراً بالفانوس وابتكار فكرة المسحراتي، فأبدع في تقديمها هو والمطرب محمد فوزي أعواما طويلة، حتى رحل الاثنان عن عالمنا، ورأى المسئولون في الإذاعة المصرية أنه من الصعب التوقف عن تقديمها فتم عمل مسابقة عام 1964 تقدم إليها عدد كبير من الشعراء والملحنين، إلا أنه لم ينجح أحد منهم في صياغة الشخصية بالشكل المطلوب رغم أنه كان من بينهم شعراء وملحنون من الفطاحل. مكاوي وحداد الابنودي والطريف أنه لم يكن منهم فؤاد حداد الذي قام بكتابة المسحراتي في أجندة خاصة به، أطلع عليها الكاتب الصحفي حسن فؤاد ، حيث أخذها منه وعرضها على المسئولين، ثم علي سيد مكاوي وتقدموا بها للمسابقة ووقع عليها الاختيار لتكون هي المسحراتي بالإذاعة، حيث تمت إضافة بعد سياسي واجتماعي واقتصادي إلى فن التسحير، تطرق حداد فيها إلي جميع الموضوعات التي تهم الناس والقضايا المختلفة لتصبح أحد المواد المهمة التي تعتمد عليها الإذاعة في الشهر الكريم لينتبه المسئولون في التليفزيون لها، فاتفقوا مع سيد مكاوي علي تصويرها واستمر لمدة عشرة أعوام كاملة ؛ كان المشاهدون خلالها ينتظرونه من العام للعام قدومه. إلى أن بدأ مكاوي في التفكير في تطوير المسحراتي وسعى لإقناع الشعراء الكبار عبد الرحمن الأبنودي وأحمد فؤاد نجم وسيد حجاب بكتابتها، إلا أنهم جميعا اعتذروا خشية المنافسة مع الشاعر فؤاد حداد، بينما وافق خيري شلبي والشاعر فؤاد قاعود على التعاون معه وظهر المسحراتي عام 1997 لآخر مرة بصوت سيد مكاوي ولم يلق نفس النجاح، فقرر مكاوي التوقف عن تقديمها. المسحراتية الجدد وقد ظهر مسحراتية كثيرون في الستينيات والسبعينيات بالإذاعة كان منهم كارم محمود ومحمد عبد المطلب، إلا أنه لم ينجح أي منهما في تحقيق نجاح محمدفوزي وبيرم التونسي أو فؤاد حداد وسيد مكاوي. كما قام فنانون آخرون بتقديمها في حقبة التسعينات، مثل إيمان البحر درويش ومحمد العزبي وأحمد إبراهيم والمطرب الشعبي الراحل حسن الأسمر، الذي قدم "نجاتي المسحراتي" وآخرين غيرهم، ولم يكتب لأي منهم النجاح الكبير مما كان يتحقق لمسحراتية زمان، وهكذا مما دفع المسئولون بالإذاعة والقنوات التليفزيونية المختلفة لعدم الحرص علي تقديمه بل والغريب أن تواجد شخصية " المسحراتي " في الشارع بدأ يتراجع ويختفي عما كان عليه. ومع مرور الوقت وتعاقب الحقب نقول : وداعا لعصر المسحراتي الذي جذبنا وانبهرنا به سنوات طويلة.