من لا يحب سعاد حسني؟ من الممكن طرح هذا السؤال عقب مشاهدة فيلم " اختفاءات سعاد حسني الثلاثة" للمخرجة اللبنانية رانيا اسطفان، الذي يُعرض حاليا في دور العرض اللبنانية. وقد حصد هذا الفيلم جوائزا عالمية وتكريما دوليا واسعا، إذ يرصد حياة سعاد حسني في سياق نسّقته المخرجة، لتخبر القصة كاملة، قصة فتاة أصبحت نجمة. قصة نجمة أصبحت مثالاً. قصة مثالٍ يُنفى من البطولة إلى النهاية ، نهاية امرأة حرّة في زمن صعب، يخنق الحريات. يجد المشاهد في الفيلم مقارنات واضحة، بين سعاد حسني المرأة والإنسانسة، وبين مصر في كل تحولاتها. مصر في تألقها في زمن الخمسينات والستينات، ثم قدوم زمن السبعينات بما فيه من بداية للتحول، ثم زمن الثمانينات حيث نخر السوس والخراب في العالم الواقعي المصري، تماما كما نخر المرض جسد سعاد. هكذا أيضا تبدو سعاد حسني في الفيلم، فتاة شابة محملة بتفاؤل، وبنظرات خجولة تنتقل من الطفولة إلى الشباب . هي البراءة، وعيونها مغمضة من شدّة الأمل. فالتقطتها الصورة. لترصد بداية القصة، ثم تحول مساراتها. ثم، هناك سعاد حسني المرأة النابضة بالحياة وبرغبة الحرية. هي الرقص والغناء ، و الجسد، والرغبة، والوعي إليهما، وإلى الحياة الحسيّة، الى الشهرة والحب، والهزيمة أيضا، هزيمة فقد الأحباء. هي صورة المجتمع يقف عند مفترق الطرق. تتشكل بداية التحولات التي تفرض قوتها على حياة سعاد حسني وتأخذها معها الى مسالك أخرى، وتلك صورة تنتمي الى مرحلة مختلفة. وثالثاً، هناك سعاد حسني المنفية، المبعدة، التي فُرض عليها البعد، أو هي اختارته بفعل المرض. يقدم الفيلم صورا من أفلام سعاد، هناك " الكرنك"، و " بئر الحرمان " الذي يعتبر من أكثر أفلام سعاد تأثيرا وتعبيرا عنها،حين يطرح محمود المليجي (المحلل النفسي) أسئلته لمريضته (سعاد حسني) الفيلم من (إخراج كمال الشيخ)،حيث البطلة تعيش النهار فتاة محافظة، وتحيي الليل ماجناً أحمر. يطالب الطبيب مريضته بتذكّر الطفولة، وهي تتألم. فقد حلّ الانفصام. تمكنت المخرجة رانيا اسطفان من مقاربة فيلمها بدقة، وقدمته بشغف واضح، مشهداً تلو الآخر، بعدما عاشت شهوراً تستعيد سعاد حسني، خلالها طفولتها وأحلامها، فالقاهرة ولندن، فالمدافن والكتب. سكنت المخرجة روح بطلتها، لامست يومياتها، حتى يتكوّن الفيلم في إدراك المتلقي مثلما تكوّنت الحياة في المرأة، والمرأة في المجتمع، والصور في عهود مصر، مع أغنية " بانوا بانوا" أو " خلي بالك من زوزو".سعاد حسني تملأ الصورة وحدها في الفيلم، وهي كافية في حضورها الطاغي، الذي يحمل حضور مصر أيضا، مصر السينما، والفن، مصر التاريخ والتحولات أيضا.