رئيس الرقابة المالية يشارك في جلسة وزارية رفيعة المستوى مع وزيري الاستثمار والمالية لاستعراض جهود تطوير الاقتصاد المصري    عاجل.. هجمات عنيفة متبادلة بين لبنان وإسرائيل.. 70 ضربة في 20 دقيقة    «البيت الأبيض»: الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة سيخفض التوترات بالمنطقة    «الداخلية» تكشف تفاصيل حريق مصنع بالجيزة    أمير شاهين لمنتقدي حفل زفاف نجل شقيقه: كان صعب نأجل الفرح    نقيب الأشراف: نفوض الرئيس السيسي في اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على أمن الوطن    «أنا مسامح والدها».. صلاح التيجاني يكشف ل«البوابة نيوز» سر انفصال والديّ خديجة ومحاولته للصلح    مسئول روسى يعلن تدمير ثلثي دبابات أبرامز الأمريكية فى أوكرانيا    إعلام إسرائيلي: حرائق كبيرة في منطقة المطلة شمالي إسرائيل جراء قصف من الجنوب اللبناني    وكيل ميكالي يكشف مفاجأة عن حقيقة قيادته منتخب الأولمبي    غزل المحلة يفوز على التحدى الليبى استعدادا لانطلاق الدورى الممتاز    فيلم تسجيلي عن الدور الوطني لنقابة الأشراف خلال احتفالية المولد النبوي    مصرع ربة منزل سقطت من الطابق السابع في شبرا الخيمة    مصرع 3 أشخاص وإصابة 23 آخرين في حادث تصادم ميني باص بعمود إنارة بطريق مصر الإسماعيلية الصحراوي    بدءا من السبت المقبل، انخفاض درجات الحرارة    مصرع سيدة وزوجها إثر انقلاب موتوسيكل بطريق السويس الصحراوى    محافظ الدقهلية يتفقد أعمال رفع كفاءة كوبري المشاة أمام شارع المدير    هيئة البث الإسرائيلية: عشرات الطائرات شاركت في الهجوم الأخير على لبنان    ما أهمله التاريخ الفني عن محمد عبد الوهاب، فعالية ثقافية جديدة بدمشق    رئيس جامعة القناة يتفقد تجهيزات الكلية المصرية الصينية للعام الدراسي الجديد (صور)    مستشفى "حروق أهل مصر" يعزز وعي العاملين بالقطاع الصحي باحتفالية اليوم العالمي لسلامة المرضى    للكشف عن الأنيميا والتقزم.. فحص 500 ألف طالبًا وطالبة في بني سويف    أمين الفتوى: سرقة الكهرباء حرام شرعا وخيانة للأمانة    7 أبراج مواليدها هم الأكثر سعادة خلال شهر أكتوبر.. ماذا ينتظرهم؟    عاجل.. تطور مفاجئ في الانتخابات الأمريكية بسبب العرب.. ماذا يحدث؟    تعرف على شروط الانضمام للتحالف الوطنى    956 شهادة تراخيص لاستغلال المخلفات    موقف إنساني ل هشام ماجد.. يدعم طفلًا مصابًا بمرض نادر    تكاليف مواجهة أضرار الفيضانات تعرقل خطة التقشف في التشيك    التحالف الوطني للعمل الأهلي يوقع مع 3 وزارات لإدارة مراكز تنمية الأسرة والطفولة    جوارديولا يحسم الجدل حول الذهاب إلى الدوري الإيطالي    مرصد الأزهر يحذر من ظاهرة «التغني بالقرآن»: موجة مسيئة    "مجلس حقوق الإنسان": المجتمع الدولى لا يبذل جهودا لوقف إطلاق النار فى غزة    الدكتورة رشا شرف أمينًا عامًا لصندوق تطوير التعليم بجامعة حلوان    مركز الأزهر للفتوى: نحذر من نشر الشذوذ الجنسى بالمحتويات الترفيهية للأطفال    مدبولي: الدولة شهدت انفراجة ليست بالقليلة في نوعيات كثيرة من الأدوية    إحباط محاولة تعدٍ على قطعة أرض مستردة من أملاك الدولة بالأقصر    بينها التمريض.. الحد الأدنى للقبول بالكليات والمعاهد لشهادة معاهد 2024    التغذية السليمة: أساس الصحة والعافية    عاجل| رئيس الوزراء يكشف تفاصيل حالة مصابي أسوان بنزلة معوية    محاكمة القرن.. مانشستر سيتي مهدد بالطرد من جميع مسابقات كرة القدم    برلماني عن ارتفاع أسعار البوتاجاز: الناس هترجع للحطب والنشارة    من هن مرضعات النبي صلى الله عليه وسلم وإِخوته في الرَّضاع وحواضنه؟ الأزهر للفتوى يجيب    "الموت قريب ومش عايزين نوصله لرفعت".. حسين الشحات يعلق على أزمتي فتوح والشيبي    "بداية جديدة".. تعاون بين 3 وزارات لتوفير حضانات بقرى «حياة كريمة»    عاجل| حزب الله يعلن ارتفاع عدد قتلى عناصره من تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية ل 25    وزير التعليم العالي: لدينا 100 جامعة في مصر بفضل الدعم غير المحدود من القيادة السياسية    تشكيل أتالانتا المتوقع لمباراة أرسنال في دوري أبطال أوروبا    مركز الأزهر: اجتزاء الكلمات من سياقها لتحويل معناها افتراء وتدليس    لبحث المشروعات الجديدة.. وفد أفريقي يزور ميناء الإسكندرية |صور    "ناجحة على النت وراسبة في ملفات المدرسة".. مأساة "سندس" مع نتيجة الثانوية العامة بسوهاج- فيديو وصور    الأوبرا تقدم العرض الأول لفيلم "مدرسة أبدية"    انطلاق المرحلة الخامسة من مشروع مسرح المواجهة والتجوال    انتشار متحور كورونا الجديد "إكس إي سي" يثير قلقًا عالميًا    محافظ المنوفية يضع حجر أساس لمدرستين للتعليم الأساسي والتجريبية للغات بالبتانون    إخماد حريق نتيجة انفجار أسطوانة غاز داخل مصنع فى العياط    دوري أبطال أوروبا.. برشلونة ضيفا على موناكو وآرسنال يواجه أتالانتا    «الأمر صعب ومحتاج شغل كتير».. تعليق مثير من شوبير على تأجيل الأهلي صفقة الأجنبي الخامس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باحث جزائري يرى أن التأويل الصوفي تأويل رحماني
نشر في نقطة ضوء يوم 25 - 05 - 2017

أكد الباحث الجزائري المتخصص في الفلسفة والدراسات العربية محمد شوقي زين أن نصوص ابن عربي تؤكّد عليه بلا مرية، أن التأويل الصوفي ما هو سوى "المآل إلى الرحمة الشاملة".
وقال في كتابه "الصورة واللغز: التأويل الصوفي للقرآن عند محي الدين بن عربي": "في جميع النصوص التي نقرؤها عند المتصوف الأندلسي، نجد دائماً أن كلمة مآل تصاحب الرحمة؛ والمآل هو تركيبة كامنة في التأويل بوصفه رؤيةً حدسيةً وكشفيةً لما سيأتي، الآتي، اختراق حُجُب الكوْن للتوصُّل بالكيْن، المُضي نحو الأمام للانعطاف على الخلف، فتكون الصيرورة القصوى هي النشأة الأولى، أي: النَّفَس الرحماني الذي منه ابتدأت أركيولوجيا الوجود والموجود، مدد ال: وجود وميلاد الموجود".
مفاد ذلك أن كل تأويل لا يحمل في بذوره أو طياته، في أصله الأول وفصله نحو المآل، رقائق من الرحمة، فهو تأويل بلا جُود أو جَوْدة، بلا جدوى، تفسير آلي وميكانيكي لحروف جوفاء، وحقول جرداء.
وأضاف في الكتاب الصادر عن دار مؤسسة مؤمنون بلا حدود أن "التأويل بالتعريف هو الرحمة، ليس فقط من باب المرجعية التراثية التي تقول: إن (اختلاف الأمة رحمة)، ولكن من باب الرجئية الأنطولوجية التي تقول: إن التأويل، في انعطافه الدائري بين المبتدأ والمنتهى، لا بدَّ أن يحمل سمات الرحمة؛ لأن في انعطافه الدائري ثمة إحاطة، وكل إحاطة هي عناية، وكل عناية هي رحمة واسعة، مثل الضمّ الأمومي للطفولة البريئة".
يقدم الباحث الجزائري محاولة في الدراسات التأويلية تتميّز بإضافة بارزة، هي قراءة الشيخ الأكبر ابن عربي بعيون العصر، وقراءة العصر بعيون ابن عربي في تداخُل متحقق. وقد قامت المحاولة بتوظيف أدوات حددتها في التأويل الرمزي الخاص بالتصوُّر الصوفي والعرفاني للقرآن، ومجالات حددتها في التأويل الباروكي الخاص بكل رؤية ترى الوجود مثالاً قائماً، أو حلماً عابراً، يتطلب السبر الكشفي، والصبر المفهومي.
إحدى الفرضيات التي اشتغل عليها الباحث كمنت في عاملين أساسيين وجَّها تاريخ الفكر الإنساني، وهما: حب الصورة ومقت الصورة، لأن عليهما يتحدَّد، أيضاً، مفهوم التأويل، هذا التأويل الذي ينتمي إلى عشق الصورة؛ لأنه يقبل بالمجاز، والاستعارة، والمماثلة؛ ونقيض التأويل ينتمي إلى محو الصورة؛ لأنه يأخذ بحرفية النص، ويرفض القياس، والمجاز، والمماثلة... إلخ.
وتساءل الباحث الجزائري: لماذا الانطلاق من الصورة في دراسة سؤال التأويل؟ ما الصورة في هذا المضمار؟ هل هي الشاهد، أو المعيار، أو النموذج في دراسة النص، أو القيام على حقيقةٍ ما ترتبط بهذا النص، أو ترتبط بالواقع؟
وأضاف: الصورة، سواء كانت حسية أم معقولة، خيالية أم باطنية، ذهنية أم نفسية، تتحكَّم، بشكل مصيري شعوري في جانب، ولاشعوري في جانب آخر، في كل فعل بشري، أو إرادة نافذة، فهي ليست موضوع الدراسة، أو التخمين، أو التأمل؛ بقدر ماهي محفّز كل دراسة، أو تخمين، أو تأمل، أو مجرَّد لذة في النظر، تحت مفهوم ما سماه فرويد "الدافع الرؤيوي". فلأن هناك شيئاً ما ينتابنا، أو يثير اهتمامنا، أو فضولنا، أو يسحرنا ويستهوينا، فإننا نتواصل به بالصورة، سواء كان شيئاً حسياً قابلاً للإدراك والحدس أم شيئاً معقولاً قابلاً للتفكّر والاستيعاب؛ أي: إننا ندرك صورته، والأبعاد التي يتخذها في هذه الصيغة، أو تلك، في هذه الوضعية، أو تلك.
الصورة إذاً، هي الدافع؛ حتى عندما تكون موضوع الإدراك الحسي أو العقلي (صورة ما)؛ لأن كل "شيء صورة أو شكل" تبعاً لمقولة بلزاك وعندما نكون في حضرة الصور، في قبضة الصور، فإن الكل عبارة عن صور.
وأوضح أن التأويل عند ابن عربي ينخرط في حذر إبستمولوجي، يتراوح بين التبني والاحتراس، تبعاً للسياقات والعتبات، وبعد تأمُّل دقيق، وبالمقارنة مع خيار نظري انتهجته، يأخذ بالصورة بدلاً من المذهب، أو بالتأويل الثقافي بدلاً من النقد الإيديولوجي، أقول بأن ابن عربي، وبحكم الجمع بين الظاهر والباطن، كان يتأرجح بين النزوع الأيقونكلستي المناهض للصورة بمعناها "الأيدولي" أي: الصنمي أو السيمولاكري؛ وبين النزوع الأيقونوفيلي المشايع للصورة بمعناها "الأيقوني"؛ لأن ابن عربي يعدّ الوجود عبارة عن صور متكاثرة، متشاكلة، متناسلة، مسافرة، تتردد على كل الحقائق الطبيعية، والحسية، والخيالية، والروحية التي يشتمل عليها هذا الوجود.
وقال الباحث الجزائري "في اشتغالي على فكرة التأويل، سأقدم مجموعة من "التأويلات" المتراكزة التي طبعت النص الأكبري. أتوقف عند أهم هذه التأويلات، بعضها معروف كالتأويل الرمزي، والتأويل الإشاري المستنبط من النصوص الصوفية ذاتها؛ وبعضها غير معروف كالتأويل الباروكي، والتأويل الإسفاري. أميّز في هذه التأويلات بين ما له خاصية الإطار أو اللوحة، وهو التأويل الباروكي؛ وما له خاصية الممارسة أو الإنجاز، وهو التأويل الرمزي والتأويل الإسفاري، مع ضرورة التقاطع بين اللوحة والممارسة فحسب؛ لأن الممارسة التأويلية تنخرط في إطار، أو لوحة هي بمرتبة "مستوى المحايثة" كما سماه دولوز؛ أو "شكل الحياة" بنعوت فتغنشتاين.
ولفت إلى أن الصراع الخفي، التاريخي والإيديولوجي في جوهره، والذي يشكّل العائق المعرفي والإبستمولوجي في نظام اشتغاله، بين التصوف والعرفان. عمل التوجُّه الإيديولوجي على الفصل بين الترادُف الكائن بينهما، فهو ترادف كائن في القواميس، لكنه مضاد في القراطيس، وبشكل جمبازي يُمليه الإكراه المذهبي، محط نزاع بالمتاريس.
وأوضح "إذا تقيَّدتُ بالخيط الرفيع الذي يوجهني في هذه الدراسة، وهو فقه الصورة، فإن التصوف ارتبط بشيء يُسمى في الأدبيات الدينية ب: "التسنُّن"، وارتبط العرفان بشيء يُسمى "التشيُّع". إنه أكبر عائق في إدراك التصوف والعرفان بمعزل عن البطانة الإيديولوجية التي تغلَّفا بها، فضلاً عن الذرائعية السياسية التي أحكمت القبضة عليهما.
وأشار الباحث الجزائري إلى إن التصوف يندرج في الحقل الديني واللاهوتي بكل أدواته الفقهية، والكلامية، والحكمية التي شيَّدها بناءً على مرجعية أصلية (النص القرآني، والخبر النبوي) وأن العرفان يتجاوز هذا الحقل الديني واللاهوتي برؤية خاصة، وممارسة فريدة، تجعله يعانق التجربة، ويحتك بالمطلق.
يبقى السؤال في معرفة موقع ابن عربي من هذه الإزاحة الفلسفية بين التصوف والعرفان: لماذا بالضبط "تأويل صوفي للقرآن" عند ابن عربي، وليس "تأويلاً عرفانياً للقرآن"؟ هل معنى ذلك أن ابن عربي هو استمرارية للإرث الصوفي والتفسيري الذي سبقه؟ ألم تكن له رؤية عرفانية انشقت، بحكم التميُّز في اللغة والأسلوب، عن المعجم اللاهوتي، والكلامي، والحكمي المهيمن؟
لا شك أن ابن عربي كانت له تجربة عرفانية متداخلة مع التجربة الصوفية؛ التي أخذ منها المعجم والطريقة، فيمكن وضعه في برزخ بين التصوف والعرفان، له قَدَم في التصوف المنعطف على التراث المتداول، وقَدَم في العرفان المتفرّد بتجربة أنطولوجية خاصة. هذا ما دفعني إلى الإقرار بما يلي: "ينطلق العرفان من عتبة غَسقية هي مبتدأ التجربة، عندما ينحصر التصوف في عتبة نسقية هي الإحاطة الدينية بقوالبها الشرعية الموضوعة". ورأى الباحث الجزائري أن كل مصيبة في التاريخ كانت حصيلة ترجمة عبارة غير مفهومة، وقُصد بها شيء آخر، أو تأويل حُكم انجرَّ عنه إسراف أو بغي؛ كل ترجمة هي تمهيد نحو الهيمنة، كل تأويل هو مدخل إلى السلطة، وليست الترجمة سوى التأويل نفسه، وليس التأويل سوى الترجمة عينها.
إن "التأويل الرحماني"، إذا جاز لنا الحديث بهذه الصيغة في نعت التأويل الصوفي، هو التأويل الأيقونوفيلي الذي يعطي كل ذي حق حقه، يعترف بالطبيعة المركّبة والملتبسة للوجود وللغة، فيساير كل الإمكانات المحتملة، كل الصور الممكنة، ليأخذ بها كلها، دون تمييز عُنصري، أو إقصاء نظري؛ على العكس من التأويل الأيقونكلستي الذي يرتبط بدلالة أحادية للحرف هي ما يكشفه الحرف بذاته في محض ماديته اللغوية.
وأكد أن التأويل الصوفي الذي يبتغي التنوُّع الصُّوَري، والاختلاف الأيقوني، هو التأويل الحامل لرحمة واسعة؛ لأنه يؤمن أساساً بالوُسع في الدلالة والفهم تبعاً لتعدُّد القوابل، وتنوُّع القراءات. إن التأويل الذي يروم المآل؛ لأنه حامل الرحمة في الحال، هو تأويل مستقبلي لا ماضياً، هو تأويل التفاؤل والتفاعُل، لا تأويل التشاؤم والزمن المتوقف، هو تأويل الحاضر في توجُّهه الآتي، لا تأويل الماضي في وجهه العاتي.
التأويل حركة الفكر داخل النص، ارتقاء العقل في الوجود؛ فهو دائماً حركة نحو المستقبل، ولا يمكنه أن يتوقَّف عند زمان سوى بتضييق الواسع، وحصر الإمكان، فيسقط بذلك في الجلفية البغيضة. إن التأويل، بوصفه حامل الرحمة الشاملة، والرؤية الواسعة، لا يمكنه أن يكون سوى تأويل العرفان بالمعنى الخُلُقي لأخلاقيات التأويل، أي: التأويل الذي لا يكتفي بأن يعرف، لكنه يسعى أيضاً لأن يعترف، بأن يكون عمله العرفان والامتنان، أن يعترف بأن ثمَّة أفكاراً، ورؤى، وتصوُّرات لها الحق في التعبير عن الوجوه المتعدّدة، والمتشعّبة للوجود. التأويل الصوفي هو تأويل عرفاني، ليس فقط بالمعنى الحصري للمعرفة القصوى للوجود، وإنما أيضاً بالمعنى المفتوح للاعتراف بالحق في الاختلاف.
وقال الباحث الجزائري "كذلك التأويل الصوفي هو تأويل قرآني بامتياز، يحاكي نسيجه النصي، ويبتغي نموذجه الأصلي. يجاري التأويل الصوفي المبالغة التي يحملها القرآن في جسده الحرفي بالذات؛ إنه القراءة من عين الأمر "اقرأ" لأجل الخلق "المقروء". التأويل الصوفي قراءة: ليست القراءة مجرَّد تلاوة، ليست فقط الصوت، وليست تحريك الشفاه، إنها البحث فيما قرَّ في النفس واستقرَّ. تكون القراءة صامتة، أو لا تكون قراءة صامتة لأنها تتتبَّع رقائق الأفكار والصور لا خيوط الحروف والجمل، تبحث عن المعاني فيما تعاني. المعنى معاناة ومكابدة. تتبَّع السُّوَر بوصفها الصُّوَر، والكل صُوَر، فالكل سُوَر".
وخلص أيضا إلى أن "التأويل الصوفي هو تأويل وجودي، يتعدَّى مجرد التنسيق المعرفي والسيمائي، وهو تأويل يخاطب الوجدان بأدوات الاستشعار، والوُد الكوني. لا شك أن التأويل هو نشاط الفكر في حوار جدلي مع النص ومع العالم، هو إعادة تنسيق دوال النص، ومعاودة التجوال في العالم، لكن أهم ميزة في التأويل هي الارتقاء إلى صيغة المبالغة للوجود، وهي الوجدان.
التأويل الصوفي هو النظر في منتهى ما يصل إليه الوجود من رقائق متشابكة، وحقائق منعطفة على الذات. التأويل الصوفي هو تأويل وجودي؛ لأن أقصى ما يصل إليه الوجود هو الوجدان، والوجدان، قبل كل شيء، وبعد كل اعتبار، في الذات الواجدة؛ تُدرك الوجود متضايفاً لا يُفارقها، ظاهرة مستبطنة فيها، وصورة باطنة في المستظهر منها. الوجود والذات، الوجدان، إذاً، هما كالوجود والقرآن، متضايفان بالتداخُل الكياسمي، لا نعرف فيه أين يبدأ القرآن وأين ينتهي الوجود، أين يبدأ الوجود وأين تنتهي الذات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.