اختيار 60 عالماً من جامعة المنصورة في قائمة "ستانفورد" لأفضل 2% من علماء العالم    وفد «القومي لذوي الإعاقة» يزور جامعة الإسكندرية لبحث دعم طلاب «قادرون باختلاف»    بعد تصدره محرك "جوجل".. من هو الشيخ صلاح الدين التيجاني؟    لمواكبة متطلبات سوق العمل.. 6 برامج دراسية جديدة باللغة الإنجليزية في "زراعة بنها"    الدكتور الضويني يستعرض جهود الأزهر في دعم مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان    محافظ القليوبية ورئيس جامعة بنها يشهدان احتفالية انطلاق مبادرة " بداية"    العمل: تدريبات مجانية للشباب بشمال سيناء    شرم الشيخ تستعد للاحتفال بيوم السياحة العالمي    وزير الخارجية: اتفاقية لفتح فروع جديدة ل 3 جامعات أمريكية في مصر    مجلس الوزراء الهندي يوافق على إجراء الانتخابات الوطنية وانتخابات الولايات في وقت واحد    8 شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين شرق مدينة غزة    سول: سنردع استفزازات كوريا الشمالية بناء على قدراتنا والتحالف مع الولايات المتحدة    بعد مقتل 4 جنود إسرائيليين.. إعلام عبري: المقاومة فخخت 14 ألف مبنى في رفح    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 637 ألفا و10 جنود    إم بي سي مصر تحصل على حقوق بث مباراة الأهلي وجورماهيا    أحمد فتوح يطلب العفو من أسرة ضحيته والسماح بزيارتهم    هل يحتج الأهلي على حكام السوبر الأفريقي بعد التسريب؟.. الغندور يفجر مفاجأة    الأمن يداهم ناديا صحيا يدار للأعمال المنافية للآداب في الإسكندرية    أرسل لأجنبية صور ورسائل خادشة.. حبس سائق متهم بالتحرش بفتاة في قصر النيل    خلال 24 ساعة ضبط 22978 مخالفة مرورية متنوعة    موجة حارة لمدة 48 ساعة.. الأرصاد تُعلن درجات الحرارة والظواهر الجوية    لكبرى الشركات.. ضبط مصنع للأسلاك الكهربائية المغشوشة بالقناطر الخيرية    مصرع 3 أشخاص وإصابة ربة منزل في انهيار عقار بالورديان غرب الإسكندرية (صور)    من أمام تمثال أبو الهول.. "حواس" يهدي كتابه لمصمم الأزياء ستيفانو ريتشي    عرض لفرقة أسوان للفنون الشعبية ضمن فعاليات مبادرة «بداية جديدة لبناء الإنسان»    أحدث ظهور ل أسماء جلال والجمهور يغازلها: "برنسيسة"    بلاغ للنائب العام ضد التيجاني لتأسيسه جماعة دينية تنشر المذهب الشيعي    هل يجوز إخراج زكاة المال للأهل؟.. أيمن الفتوى يجيب    صحة القاهرة: تدشين مبادرة بداية لتعزيز الحماية الاجتماعية وتحسين النظام الصحي للمواطن    وزير الصحة يبحث مع السفير المصري بجنوب أفريقيا سبل التعاون    اجتماع مشترك بين الصحة والتعليم والتأمين الصحي لبحث استعدادات العام الدراسي بالدقهلية    تين هاج بعد السباعية أمام بارنسلي: نريد التحسن هذا الموسم    المشدد 7 سنوات لمتهم بخطف طفل وهتك عرضه في الشرقية    جهز حاسبك.. أنت مدعو إلى جولة افتراضية في متاحف مكتبة الإسكندرية    انطلاق فعاليات مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان" في المنوفية    حلاوة زمان .. عروسة وحصان    وزيرا الزراعة والتموين يبحثان ضبط أسعار بيض المائدة بالتعاون مع اتحاد منتجي الدواجن    معادلة رقم رونالدو.. هالاند على أعتاب تحقيق إنجاز جديد في دوري الأبطال    جامعة القناة: تفعيل منصة الكتاب الجامعي وربطها بنظام دفع الكتروني    الخريطة الزمنية للعام الدراسي الجديد 2025 في جامعة الأزهر.. ينطلق 28 سبتمبر    مهرجان الغردقة لسينما الشباب يكرم المنتج هشام عبد الخالق    كرة نسائية - سالي منصور تكشف أسباب رحيلها عن الأهلي بعد إعلان التعاقد معها    ختام فعاليات التدريب البحري «النسر المدافع» بين القوات المصرية والأمريكية بنطاق البحر الأحمر    تداول 9 آلاف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    روما يعلن إقالة مدربه دي روسي لسوء النتائج فى الدوري الإيطالي    قوات الاحتلال تعتقل أكثر من 30 مواطنا بمختلف مناطق الضفة الغربية    رئيس جائزة القلم الذهبى: فريدة من نوعها وترفع راية اللغة العربية    ظهر في ألمانيا- أمجد الحداد يوضح الفئات الأكثر عرضة لمتحور كورونا الجديد    خبير: الدولة تستهدف الوصول إلى 65% من الطاقة المتجددة بحلول 2040    وزيرة البيئة تلتقى السفير الياباني بالقاهرة لبحث سبل تعزيز التعاون    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء.. عز ب 41500 جنيه    موعد مباراة أتلتيكو مدريد ولايبزيج في دوري أبطال أوروبا والقنوات الناقلة    وزير الصحة والسكان يتابع الخطوات التنفيذية لتفعيل الهيكل المؤسسى للوزارة    دعاء خسوف القمر اليوم.. أدعية مستحبة رددها كثيرًا    محامي رمضان صبحي يكشف تفاصيل استئناف منظمة مكافحة المنشطات ضد براءته    احتفالية دينية في ذكرى المولد النبوي بدمياط الجديدة.. صور    حظك اليوم| الأربعاء 18 سبتمبر لمواليد برج الحمل    هل يدخل تارك الصلاة الجنة؟ داعية تجيب: «هذا ما نعتقده ونؤمن به» (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احتضار الصحافة الثقافية في لبنان
نشر في نقطة ضوء يوم 28 - 12 - 2016

هل يمكن تصور لبنان بلا صحافة ثقافية؟ بلا ملاحق ولا مجلات نقدية وربما بلا صفحات ترافق الحراك الأدبي والفني والثقافي عموماً؟ كان العام 2016 هو الأقسى على الصحافة اللبنانية السياسية. ولا حاجة لاستعادة المأزق الذي تتخبط فيه هذه الصحافة بعدما حل بها ما يشبه الفقر المدقع وهو ما يسميه بعضهم انقطاع المال السياسي أو الدعم الذي عادة ما كان يأتي من خارج الصحافة وخارج الحدود. صحيفة عريقة تقفل أبوابها مع انصرام اليوم الأخير من هذا العام، أخرى قلصت عدد صفحاتها ما أمكنها لتواصل الصدور عقب الأزمة المالية المستشرية التي تعانيها والتي أوجبت عليها التأخر أشهراً طويلة في تسديد الرواتب. وأخرى أيضاً تبدو كأنها تحتضر وأخرى تخلصت من حفنة من موظفيها وأخرى...
بضع صحف «صمدت» حتى الآن هي «أشباه» صحف، مهنياً وخبرياً وصدقية، وقراؤها لا يُعدون قراء وهي تصدر في أدنى كلفة وبلا رواتب تقريباً. لا مجال هنا لرثاء الصحافة اللبنانية أو فتح «مناحة» تُندب فيها هذه الصحافة التي كانت رائدة عربياً منذ الخمسينات ونجحت في صنع الحدث السياسي الذي يفترض بها أن تكون تابعة له، وكانت سباقة في مرافقة تحولات العصر حتى أضحت شاهدة عليه. غالباً ما يتم الكلام عن الصحف اليومية في سياق الحديث عن الصحافة اللبنانية، مما يدل على أن المجلات الأسبوعية لم تبق حاضرة كما من قبل ولا أثر لها يذكر، إعلامياً وسياسياً، وهي أصلاً تعاني ما تعانيه الصحف نفسها من مشكلات. وغالباً لا يعول عليها ثقافياً، فالصفحات الثقافية لديها تقتصر على ما لا يعول عليه.
في خضم المأزق الصحافي الراهن و «الفاضح» بدت الصحافة الثقافية هي الأكثر تضرراً، بل كانت هي الضحية الأولى والسهلة التي من الممكن تقزيمها أو تحجيمها وحتى التخلي عنها. وكانت الملاحق الثقافية هي أول ما ضحي به أو وجبت التضحية به. راحت الملاحق العريقة والحديثة تختفي واحداً تلو الآخر وهي كانت أضحت مع اندلاع الربيع العربي منابر مفتوحة أمام رياح الثورة وأعادت الى الصحافة اللبنانية وهجاً كانت فقدته بعد الحروب اللبنانية المتعاقبة. احتجب ملحق «النهار» الذي كان يشرف عليه في مرحلته الأخيرة الشاعر عقل العويط بعد مغادرة الروائي الياس خوري. وعُرض عليه من ثم أن يختزل صفحاته الثماني (داخل الجريدة) الى صفحتين فآثر إيقافه. ثم تلاه ملحق «تيارات» الذي أسسه في جريدة «المستقبل» الروائي حسن داود ثم تولى إصداره في السنين الأخيرة الشاعر يوسف بزي. ملحق «السفير» الذي كان يشرف عليه الشاعر عباس بيضون اختصر الى صفحتين وبعد الأزمة الخانقة التي واجهتها الصحيفة تولى إصدار صفحتيه الشاعر اسكندر حبش وهو سيتوقف نهائياً مع احتجاب الصحيفة في اليوم الأخير من هذه السنة.
وكانت «السفير» عمدت طوال أشهر الى «تقزيم» صفحتها الثقافية و «تحريفها» الى أن عاد ناشر الجريدة الصحافي العريق طلال سلمان الى إنقاذها. أما صحيفة «الأخبار» فأنشأت ملحقاً في قياس الجريدة نفسها وداخلها، سعى الى البحث عن هوية له خاصة، متحركة و «راهنية» لكنه بدا كأنه يستعد للاحتجاب فهو غاب قبل أسبوعين واكتفى مرة بنشر مقالة واحدة طويلة جداً استلها من العدد الأخير من مجلة «بدايات» التي يديرها الكاتب فواز طرابلسي وهي للمؤرخ طريف الخالدي. لكنه سيواصل على ما يبدو صدوره. واللافت أن الشاعر السوري الكردي حسين بن حمزة الذي كان يحرره في إشراف نائب رئيس تحرير الجريدة الكاتب بيار أبي صعب، غادر لبنان الى بلاد الاغتراب.
لم يبق من ملحق ثقافي في بيروت. إذا أراد شاعر أو قاص أو روائي أن ينشر نصاً إبداعياً فهو لن يجد ملحقاً ولا مجلة يفتحان له صفحاتهما. بيروت التي كانت ملاحق صحفها من أهم المنابر العربية المشرعة أمام الإبداع والنقد والكتابة الحرة أضحى أدباؤها اليوم شبه أيتام لا يجدون فسحة ممكنة يطلون منها أو يمارسون عبرها تجاربهم في التحديث والاختبار واقتحام المجهول. هذه إحدى مآسي الصحافة الثقافية في بيروت اليوم. حتى الصفحات اليومية باتت نادرة بعد احتجاب «السفير» ذات الماضي الثقافي العربي واختفاء صفحة «النهار» الجريدة اللبنانية الأعرق ثقافياً وجعل المادة الثقافية مادة عابرة تنشر في قسم «المحليات». أما صفحات الصحف الأخرى فهي تعاني حالاً من النضوب المالي، مما جعلها مقتصرة على الممكن والقليل. لكن الصحافة الثقافية لم تعدم وجود شعراء وروائيين يمارسون النقد الصحافي بجدية حتى ولو ضاق الحيز الصحافي: الشاعر بول شاوول مثلاً يواصل النقد والترجمة في صفحة «المستقبل» التي يديرها في أسوأ الظروف مادياً، والكاتب محمد حجيري الذي يدير القسم الثقافي في موقع «المدن» القطري الناشط لبنانياً، علاوة على أسماء عدة معروفة تمارس النقد والكتابة.
«المنوعات» مستقبل الثقافة
بدا تغييب الصفحات الثقافية فرصة لبروز صحافة المنوعات والتلفزيون والفنون «الشعبية» والتجارية. فالصفحات المنوعة بدت هي الوارث الشرعي لصفحات الثقافة في معظم الصحف، وهي في نظر أصحابها قادرة على جذب شريحة من القراء الباحثين عن متعة أخبار الفن و «النجوم» والممثلين والممثلات والمطربين والمطربات وملكات الجمال ناهيك بالفضائح والقصص المثيرة. ولم يكن يمزح زميل في الصحافة الثقافية عندما قال مرة: المنوعات مستقبل الثقافة في بلادنا. والخوف، كل الخوف فعلاً أن يتواصل اضمحلال الصحافة الثقافية في بلد لم يخمد فيه يوماً الحراك الثقافي بل هو الى مزيد من الاضطرام والتأجج. وبيروت هي المدينة العربية الأشد ازدهاراً في حقل الثقافة على رغم غياب الدعم الرسمي وصعود المبادرات الخاصة. والمشهد الثقافي البيروتي كان يعج خلال هذا العام مثل خلية نحل: مهرجانات مسرحية وسينمائية وفيديو – ارت، معارض تشكيلية لبنانية وعربية وعالمية، حركة نشر لافتة جداً، محترفات للكتابة الإبداعية، محترفات فنية، موجة من الإبداع الروائي والشعري، ندوات فكرية، تاريخية، سياسية...
أما المأزق فهو غياب هذا المشهد عن الصحافة الثقافية عموماً ما خلا بضعة مقالات أو تحقيقات هنا وهناك، أو تقصير الصحافة في تغطية هذه الأحداث وتقييمها وإبداء رأي نقدي فيها. لم تعد الصحافة الثقافية التي تعاني أصلاً ضموراً فكرياً ونقدياً، قادرة على متابعة الحياة الثقافية في لبنان كما كانت ترافقها سابقاً. لقد سبقت الحياة الثقافية هذه الصحافة نفسها وهي ستتخطاها أكثر فأكثر في الأيام المقبلة. وهذا حال من البؤس الثقافي لم تعرف بيروت ما يماثله أو يشبهه حتى في أوج الحرب الأهلية والانقسام الطائفي.
وفي مثل هذا الجو الداكن، سعى بعض المغامرين الى إصدار مجلات ورقية وفي مقدمها مجلة «بدايات» التي يرأس تحريرها الكاتب فواز طرابلسي، ووجدت المجلة الطليعية التي تنتمي الى اليسار الجديد نخبة من القراء والأصدقاء يتابعونها ويقرأونها. لكن الفقر المادي الذي تعانيه لم يسمح لها في تحقيق مشروعها الفكري والصحافي الجديد والمتبدي في خلق أفق تتحاور فيه السياسة مع الثقافة والفن والشعر والرواية والهندسة وسائر الفنون المابعد حداثية. وتصدر في بيروت مجلات مهمة مثل «عمران» و «سطور» و «أوان» و «الاستغراب» (مجلة فكرية تعنى بدراسة الغرب معرفياً ونقدياً، تصدر عن المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية الإيراني المنشأ)، لكنها مجلات أكاديمية ومحكمة تصدر من بيروت أكثر مما تصدر في بيروت، وتتوجه الى نخبة النخبة ولا تنفتح على شريحة كبيرة من القراء. وهذا ما يجعلها منغلقة على محتواها وقرائها القلة. ومن بيروت يواصل مركز الوحدة العربية إصدار مجلة «المستقبل العربي» ومركز الدراسات الفلسطينية مجلة «الدراسات الفلسطينية» (يرأس تحريرها الروائي الياس خوري)، عطفاً على مجلات مثل «كتابات معاصرة» (يرأس تحريرها الشاعر الياس لحود) ومجلة «الطريق» الشيوعية (يرأس تحريرها الكاتب الياس شاكر) ومجلة «تحولات» (يرأس تحريرها الكاتب سركيس أبو زيد) ومجلة «اتجاه» (يرأس تحريها الكاتب علي حمية) وهما قريبتان من الفكر القومي السوري الاجتماعي... وعمد سماح ادريس الى إصدار نسخة ورقية لمجلة «الآداب» التي تحولت الكترونية قبل أعوام.
ليست عابرة أزمة الصحافة الثقافية في لبنان، وأزمتها مزدوجة: إنها أزمة كينونة وهوية وأزمة وجود هو مرتبط أصلاً بالصحافة السياسية نفسها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.