«التنمية المحلية»: انطلاق الأسبوع التاسع من الخطة التدريبية الجديدة    راعي أبرشية صيدا للموارنة يطمئن على رعيته    نقابة الأطباء: شطب من تثبت إدانته بواقعة فيديو تحرش أطباء بمرضى    وزير التعليم العالي يتفقد جامعة حلوان الأهلية ويطمئن على انتظام الدراسة    انخفاض جماعي.. سعر الدولار الرسمي أمام الجنيه المصري اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024    القوى العاملة بالنواب: يوجد 700 حكم يخص ملف قانون الإيجار القديم    حدث في منتصف الليل| السيسي يؤكد دعم مصر الكامل للبنان.. والإسكان تبدأ حجز هذه الشقق ب 6 أكتوبر    أسعار الذهب اليوم في مصر بنهاية التعاملات    تليجراف تكشف خطة اغتيال حسن نصر الله بإلقاء 80 قنبلة فى وقت واحد    الجيش الأردني: سقوط صاروخ من نوع "غراد" في منطقة صحراوية    روسيا تدين بشدة اغتيال حسن نصر الله    الصحة اللبنانية: 33 شهيدا و195 جريحا حصيلة العدوان الإسرائيلى خلال 24 ساعة    وزير الخارجية يلتقي الأمين العام للأمم المتحدة    مسؤول أمريكي: لا مؤشرات على استعداد إيران لرد فعل كبير    المقاومة العراقية: قصفنا هدفا حيويا في إيلات    خاص| خبير عسكري فلسطيني: نتنياهو سيقود المنطقة لتصعيد لا يُحتمل إذا واصل مخططاته    برشلونة يسقط أمام أوساسونا برباعية    أتوبيس الزمالك يغادر مطار القاهرة وسط حراسة أمنية مشددة.. فيديو    روح الفانلة السوداء، تعليق ناري ل عمرو أديب بعد فوز الزمالك بالسوبر الإفريقي    نادر السيد: جوميز كلمة السر في تطوير مستوى لاعبي الزمالك    التحويلات المرورية.. بيان مهم من الجيزة بشأن غلق الطريق الدائري    توقعات الطقس خلال ال72 ساعة المقبلة.. رياح تضرب 4 مناطق وشبورة كثيفة وأمطار    المنيا تحتفل باليوم العالمي للسياحة على كورنيش النيل    برج السرطان.. حظك اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024: عبر عن مشاعرك بصدق    يوسف الشريف يبدأ تصوير فيلم ديربى الموت من داخل مباراة كأس السوبر.. صورة    كاتب لبنانى: إسرائيل تحاول توسيع أهدافها لحصد أكبر قدر من المكاسب السياسية    وزير الخارجية يتفقد القطع الأثرية المصرية المستردة في القنصلية بنيويورك    "100 يوم صحة" تقدم أكثر من 91 مليون خدمة طبية خلال 58 يومًا    وكيل وزارة الشباب بشمال سيناء يكرم فريق مركز تدريب اللياقة البدنية    استقرار أسعار الذهب في السودان وعيار 21 اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024    تعرف على سعر السمك والكابوريا بالأسواق اليوم الأحد 29 سبتمبر 2027    البداية الحقيقة للخريف.. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم ودرجات الحرارة (تفاصيل)    «الداخلية» تطلق وحدات متنقلة لاستخراج جوازات السفر وشهادات التحركات    سيدة فى دعوى خلع: «غشاش وفقد معايير الاحترام والتقاليد التى تربينا عليها»    «شمال سيناء الأزهرية» تدعو طلابها للمشاركة في مبادرة «تحدي علوم المستقبل» لتعزيز الابتكار التكنولوجي    وزير التعليم العالى يتابع أول يوم دراسي بالجامعات    اتحاد العمال المصريين بإيطاليا يوقع اتفاقية مع الكونفدرالية الإيطالية لتأهيل الشباب المصري    «في الطريق».. عضو مجلس الزمالك يكشف مفاجأة بشأن ضم صفقات جديدة    القنوات الناقلة لمباراة الأهلي وبرشلونة في كأس العالم للأندية لكرة اليد    تعرف على برجك اليوم 2024/9/29.. تعرف على برجك اليوم 2024/9/29.. «الحمل»: لديك استعداد لسماع الرأى الآخر.. و«الدلو»: لا تركز في سلبيات الأمور المالية    «احترم نفسك أنت في حضرة نادي العظماء».. تعليق ناري من عمرو أديب بعد فوز الزمالك على الأهلي (فيديو)    المخرج هادي الباجوري: كثيرون في المجتمع لا يحبون فكرة المرأة القوية    «ده مش طبيعي».. هجوم قوي من خالد الغندور ضد ثنائي الأهلي    باحثة تحذر من تناول أدوية التنحيف    الطب البيطري بالغربية يحرر عدد 72 محضرًا بأسواق المحافظة خلال شهر سبتمبر    خبير يكشف عن السبب الحقيقي لانتشار تطبيقات المراهنات    رئيس مياه المنوفية يتفقد محطات المياه والصرف بمراكز المحافظة    أحمد عمر هاشم: الأزهر حمل لواء الوسطية في مواجهة أصحاب المخالفات    كيف تصلي المرأة في الأماكن العامَّة؟.. 6 ضوابط شرعية يجب أن تعرفها    شعبة الخضروات تكشف عن موعد انخفاض أسعار الطماطم    إصابة شخصين في حريق محل تجاري ببني سويف -صور    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد القافلة الطبية الأولى لقرية النصر    دعاء لأهل لبنان.. «اللهم إنا نستودعك رجالها ونساءها وشبابها»    اليوم العالمي للسعار.. كيف تتعامل مع عضة الحيوانات المسعورة وداء الكلب؟    في ذكرى رحيل جمال عبد الناصر.. رئيس حزب العربي يُلقي كلمة بمؤتمر بالمكسيك    الرئيس السيسي يدعو مجلس الشيوخ للانعقاد الأربعاء المقبل    رئيس هيئة الدواء يكشف سر طوابير المواطنين أمام صيدليات الإسعاف    في اليوم العالمي للمُسنِّين.. الإفتاء: الإسلام وضعهم في مكانة خاصة وحثَّ على رعايتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمر جهان .. سيعود الفنان من جديد لمصراتة ليرسم جدارية الحرية
نشر في نقطة ضوء يوم 05 - 06 - 2011

يتألق الفن التشكيلي الليبي في مدينة مصراتة عبر مجموعة من الفنانين التشكيليين أصحاب الموهبة الكبيرة والثقافة العميقة والمعروفين عربيا وعالميا عبر مشاركاتهم المتعددة في المعارض الفنية الكبيرة في كل قارات العالم. أذكر منهم الفنانين محمد الأمين، عادل جهان الفورتية، عدنان معيتيق، مصباح الكبير. لكن لا يمكننا الحديث عن الفن التشكيلي في مدينة مصراتة دون أن نتطرق للفنان الكبير صاحب التجربة الدسمة والذي سبق كل ما ذكرت من فنانين سابقين جاءوا بعده زمنيا وفنيا، حيث بدأ الرسم في أواخر الستينيات من القرن العشرين، وأسهمت القاهرة التي عاش فيها منذ عام 1976 في صقل موهبته عبر مشاركاته العديدة وانخراطه في الجماعات الفنية كجماعة "إضاءة".
لم تكن دراسة عمر جهان الرئيسية هي الفن، بل كانت الفلسفة وعلم الاجتماع. في عام 1976 في أوج ما يسمى بالثورة الثقافية الليبية ذات النقاط الخمس التي أطلقها القذافي في خطابه من مدينة زوارة مصادرا بها كل بصيص حرية يمكنه أن يشتعل أو يتألق حيث حرّم الأحزاب السياسية وألغى الدستور وحوّل البلاد إلى كتلة من الفوضى والارتجالية، شد عمر جهان الرحيل إلى قاهرة المعز من أجل الدراسة الأكاديمية، وفي القاهرة عاش تجربة جديدة، حولته من الفيلسوف وعالم الاجتماع المأمول إلى مجنون جديد التحق بركب المبدعين التشكيليين والمغامرين السياسيين من شباب الطلاب الطموح، حيث انخرط في مجموعات الطلبة الليبيين المعارضين لنظام القذافي الديكتاتوري مما تسبب هذا الأمر في حرق طريق الرجوع إلى مصراتة الحبيبة بسحب الجنسية الليبية من الفنان القدير عمر جهان.
رضى عمر بقدره الجديد، ولم يشعر أن ليبيته قد سحبت منه، فهو ليبي حتى النخاع، ولا يملك أي دكتاتور أن يسحب منه هويته، أوقف قيده في الدراسة، وقفز بصورة جديّة في بحيرة الفن لينهل منها ويعبر بواسطة حبرها النقي عن مكنوناته، فجاءت رسومه متعددة المدارس إيمانا منه بأن الفن هو عبارة عن عملية ديمقراطية لا يمكن أن تحيط به مدرسة واحدة. فتنقل من الطبيعية إلى السوريالية إلى التكعيبية إلى التجريدية، وفي لوحات كثيرة نجد خليطا من هذه المدارس حتى أنك لا تستطيع أن تنسب اللوحة إلى اتجاه معين.
لوحاته بها عمق فلسفي ومعرفي تواكب الحدث وتعايشه. لكل أحداث الأمة والعالم تجد لوحات لعمر جهان وقد تأثرت بها وعبرت عنها. العراق .. فلسطين .. مصر .. ليبيا .. كل حدث نجد له أصداء مهمة في لوحات عمر جهان. ألوانه المفضلة نجدها دائما الأبيض والأحمر والأخضر والأسود. مؤمن جدا بأن ألوان ليبيا التي طمسها القذافي يوم انقلابه ستعود متألقة من جديد، فلن يصمد انقلاب دموي أمام اعتراف دستوري عالمي باستقلال ليبيا داخل أروقة الأمم المتحدة.
ألوان عمر المفضلة تتألق من جديد. ريشته تكون سعيدة عندما يغمسها في ألوان علم الأستقلال الليبي. تقول له استرح يا عمر. دعني أرقص قليلا على هذه الأوراق محتفلة بثورة 17 فبراير. أو أقل لك هات ابنك الصغير لأرسم على خده علمنا الوطني الجميل.
يقول عمر جهان عن سحب الجنسية منه من قبل نظام القذافي في حوار قديم له: "كان رحيلي عن ليبيا مصادفة من وجهة نظري، إذ كنت رافضاً السلطة الأبوية هناك، وما استتبعها من تهميش القوى السياسية والفكرية والطلابية، غير أن سفري إلى مصر كان بغرض الدراسة فقط، ولم أكن أخطط مطلقاً للاستقرار فيها، إذ شرعت في أطروحة ماجستير عن مفهوم الفن عند أبي حيان التوحيدي، وعندما انخرطت في الوسط الطلابي لليبيين الموجودين في مصر كان لي نشاط سياسي. كنت أعتقد أن ذلك النشاط واجب عليّ تجاه وطني، لكن قوبل هذا النشاط بسحب جنسيتي، ووجدتني أردد مقولة أدونيس: «ليس في وطني ما يطمئن الفراشة»، وبدأت أرتب وضعي من دون مساعدة من أحد لأنمّي قدراتي الفنية وأشبع ولعي منذ الطفولة باللون".
تتميز لوحات عمر جهان بتعدد القراءات الفنية، مجموعة من اللطخ والخطوط تأخذ دربها بانسيابية إلى قلب المتلقي، يعتمد دائما على خيالات الأشخاص تمجيدا للإنسان وحريته، خيالات مترنحة ومقطوعة ومتهاوية لكنها شامخة على الأقل فنيا عبر لوحة تشكيلية أبرزتها وراهنت على نجاحها وانتصارها، لا أحد سينكر تأثر الأجيال الجديدة خاصة في مدينة مصراتة من الفنانين بإسلوب الفنان عمر جهان، حتى أن يمكنك أن لا تفرق بين لوحة لعمر جهان ولعادل الفورتية ولعدنان معيتيق ولمحمد الأمين، لكن ستظل حتما لكل فنان رؤيته الخاصة به
يستخدم عمر جهان في رسوماته كل المواد التي تمنحها الطبيعة، ألوان بكل أنواعها .. شمع .. تراب .. رمل .. نباتات .. ووصفات سرية أخرى يرفض عمر أن يبوح بها لسائليه.
عمر جهان إنسان بسيط. لا متطلبات حياتية كبيرة يطلبها. يحتاج إلى هدوء بسيط. يستقبلك عندما تهاتفه أمام محل سكنه في الدقي. إن كنت لا تعرف العنوان يأتيك حتى محطة المترو، وستعرفه على طول حتى وإن لم تره شخصيا من قبل. لا أحد يضمك بكل هذا الحب والدفء إلا فنان كبير كعمر جهان. يأخذك إلى شقته أو مرسمه. وهناك تشرب الشاي الليبي الأصيل. وتغني مرّة مرّة. انخش الخلاء واندير طاسة مرّة. يعرض عليك لوحاته الجديدة. يتركك تتصفح كتبه ومجلاته. وتخربش حتى بألوانه على الورق فوق المنضدة. يسألك عن الأصدقاء وعن أحوال ليبيا. يمر الوقت سريعا. وتغادره وأنت في حالة نفسية رائعة وروح معنوية مرتفعة. تشعر أن الفن شيء كبير، يجلب الراحة، وإن جلب لك القلق فمعنى ذلك أن البذرة التي زرعها في قلبك عمر قد بدأت تنبت وأنك مقدم على إبداع عمل جديد.
مدينة مصراتة أحيانا عندما نتمعن في اسمها لغويا ونبحث عن اشتقاقاته نجده كما هو معروفا شعبيا لدينا أن معناها "من مصر آتا" أي من مصر جاء. فهل سيعود عمر جهان إلى مدينته الحرّة الآن بعد غياب تجاوز 35 سنة في مصر. مصراتة الصامدة التي عجزت كل آلات الدكتاتورية النارية الرهيبة في تركيعها واحتلالها على مدى أكثر من ثلاثة شهور، حتى سماها الصحفيون "ليننجراد الجديدة" سترحب بكل سرور بابنها البار الذي هجرها مضطرا لمدة طويلة.
سيعود عمر من جديد لمصراتة ليغمس ريشته في رماد بطولاتها، وفي دماء شهدائها، وفي تمر نخيلها، ليرسم لنا جدارية النصر ولنحتفل بها جميعا على أنغام المقرونة الشجية للفنان الشعبي المصراتي المرحوم الطفل الذي رحل جسديا وتخلد موسيقيا ولنغني جميعا: ليبيا حرّة .. ليبيا حرّة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.