يسعى كتاب ( ثقافة الترفيه والمدينة العربية في الأزمنة الحديثة: دمشق العثمانية ) لمؤلّفه د. مهنّد مبيضين لتقديم تصوّر جديد عن دمشق في العهد العثماني... إذ لطالما وصفت المدينة بأنها كانت منغلقة ومكبّلة بالقيود الاجتماعية الصارمة، وتفتقر الى الكثير من مظاهر الانفتاح التي كان ممكناً أن نجدها في مدينة ذات موقع ومميزات استثنائية كدمشق، بينما يأتي هذا الكتاب ليقدّم تصوّراً آخر عن القرون الأربعة التي عاشتها المدينة تحت الحكم العثماني، وليؤكّد أن حيوية المجتمع الدمشقي كانت قادرة على الدوام، على ابتكار أساليب ونظم متجدّدة للتسلية والترفيه طبعت الطابع الثقافي والاجتماعي للمدينة ، حيث يوضح الدكتور مهند المبيضين في مقدّمة الكتاب، أنه: «من بين الحواضر الدهريّة تبرز دمشق العثمانية 1516 1918 بحيويّتها وتنوّعها واتصالها مع غيرها من الحواضر والمراكز الثقافية، إذ تكشف جملة من المصادر التاريخية الدمشقية في العصر العثماني، عن اهتمام واضح بمختلف أشكال الفنون، وتمدّنا المصادر المحلّيّة بمعلومات عن التقاليد الدمشقية، ووسائل التسلية والفنون الشعبية التي مورست فيها، وتقدّم المصادر الفقهية والمذكّرات اليومية والتراجم والسجلاّت والمناظرات الدمشقية، إشارات الى حيوية المجتمع الدمشقي، وتنوّع الفنون الشائعة التي تميّز مجتمع المدينة العربية في العصر العثماني، في صورة مختلفة عن الصورة التي وسمت بها». قسّم د. مبيضين كتابه إلى سبعة فصول، من بين أهمّها أوّلها الذي خصص للجدل الديني والاجتماعي حول الموسيقى والرقص وأهل الغناء، وهو جدل لا يختصّ بالمجتمع الدمشقي وحده، بل يستحضر الكثير من الفتاوى والسجالات الفقهية حول هذا الموضوع منذ العصر الأموي، وهو العصر الذي اتخذت فيه دمشق دورها العربي والإسلامي، كعاصمة للدولة العربية التي بلغت اتّساعها الأقصى في الفتوحات، ودخلت فيها قوميّات جديدة بتقاليد وثقافات مختلفة... وهكذا فمن الطبيعي أن تستمرّ الأسئلة عن حكم الموسيقى والغناء في العصر العثماني، «مما يظهر حركيّة المجتمع العربي في دمشق وغيرها من الحواضر العربية» كما يقول المؤلّف.. وتعبّر الأجوبة الصادرة عن الفقهاء، عن ارتفاع صوت التحريم في مقابل الميل نحو الاباحة، ومنها السؤال الذي وجّه إلى مفتي دمشق الشيخ إسماعيل الحائك في القرن السابع عشر، عن حكم الموسيقى والآلات إذا «كانت لا تخرج الإنسان على طاعة الله ولا تقوده إلى فعل معصية»... وألّف إسماعيل بن عبد الباقي اليازجي الدمشقي في الفترة نفسها «رسالة الامتاع في تحريم الملاهي والسّماع»، ولا يبدو الشيخ عبد الغني النابلسي متشدّداً في حكمه على الدف والشبّابة والسّماع، فقد أجازها ولم يحرّمها، لكونها تقرّب الإنسان من الله وحبّه، إذ يرى أنها لا تكون «إلا حبّاً في الله وهي سبب لاجتلاب السرور»