يرصد كتاب «التكنولوجيا والسياسة» للزميل ضياء الحاجري، الصادر أخيراً عن «مركز الأهرام للنشر» في القاهرة، في 242 صفحة من القطع المتوسط، التطوّرات التاريخية للتكنولوجيا، وانعكاساتها على حياة الإنسان الذي أضحى بفضلها يوصف أحياناً بأنّه «حيوان تكنولوجي». والزميل الحاجري حاصل على ليسانس في الأدب الإنكليزي من جامعة القاهرة، وهو صحافي في «وكالة أنباء الشرق الأوسط»، وعمل مراسلاً للوكالة في الهند ومنطقة جنوب آسيا. وتشمل مؤلفات الحاجري «حكايات سياسية»، و«كارثة تشيرنوبيل»، و«إسرائيل من الداخل». يستهل الكتاب بفصل عنوانه «صراع الأزمنة»، يلفت فيه المؤلّف إلى أن الاعتماد على التكنولوجيا انتقل من أداء الحاجات اليومية، إلى إدارة المشهد السياسي وبات أمراً حيوياً في العلاقة بين الفاعلين من الدول، وحتى الفاعلين من «الحركات الجهادية وجماعات العنف». ووفق المؤلف، كانت التقنية أحد عوامل تغذية الحراك الشعبي في مصر، إلا أنها ساهمت في تكريس الاستقطاب السياسي والمجتمعي، خصوصاً المُدوّنات الإلكترونيّة ومواقع التواصل الاجتماعي التي تفتقد الرقابة. وساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في ظهور حركات احتجاجيّة مصريّة، مثل «حركة 6 أبريل»، وهي انطلقت في العام 2008 عبر الإنترنت التي يستخدمها الآن ما يزيد على 36 مليون مصري. وأخذ هذا النوع من الحركات في التكاثر مع ضعف الأحزاب وهشاشتها، واعتمادها على النخبوية، وافتقادها قواعد شعبيّة فعّالة على الأرض. وذهب بعض المحللين إلى أن تكنولوجيا الاتصالات ساعدت في انتشار الحركات السياسيّة خارج البرلمان المصري، كما وفَّرت بيئة خصبة للتعبير عن حال الغضب ضد عنف الدولة. وتجلّى ذلك في الانتشار السريع لأشرطة فيديو كتلك التي صوّرت عملية قتل الشاب خالد سعيد، وإحراق محمد بوعزيزي في تونس نفسَه بعد صفعه من شرطيّة تونسيّة. دور سلبي أيضاً في فصل عنوانه «الرجل الذي أزاح الجبل»، يرى المؤلف أن الأهمية السياسيّة للتكنولوجيا لا تقتصر على دورها في عمليات التعبئة والحشد، بل إنها تعطي القيادة السياسية في أي دولة وسيلة لتحقيق مطالب مواطنيها. ويتحدّث الكتاب أيضاً عن الدور السلبي للتقنيّات الرقميّة الحديثة، كالذي برز في عمليات التنصّت والتجسّس على الساسة، وفق ما ظهر في فضيحة التجسّس التي كشفها إدوارد سنودن، الخبير المعلوماتي السابق في «وكالة الأمن القومي» الأميركية، في العام 2013. إذ كشف عن وقائع تشير إلى اتساع نطاق التجسّس الأميركي في أوروبا وأميركا اللاتينية وعدد من الدول الآسيوية والعربية، إضافة لاستهدافه عدداً هائلاً من الأفراد والمؤسّسات. وتحت عنوان «التكنولوجيا وشرعية السلطة»، يتناول الكاتب الدور الذي أدّته التكنولوجيا في مساعدة بعض الأنظمة السياسية على دعم مكانتها القومية وتحقيق أمنها الداخلي، مشيراً إلى أنها أصبحت أحد عوامل بقاء الدولة الحديثة. ويخلص المؤلف إلى أن ثمة علاقة وطيدة بين التكنولوجيا والسياسة، بمعنى سيطرة السياسة على التكنولوجيا ومساراتها، وكذلك قدرة التكنولوجيا على رسم أبعاد السياسات وقراراتها. وكذلك يذكّر بأن بعضهم يجنح إلى القول إن التكنولوجيا تدفع المجتمعات نحو التغيير من دون أن تترك لها فرصة لاختيار معالم ذلك التغيير.