صدر للكاتب والناقد الكبير فاروق عبد القادر، الذي رحل قبل أيام، طبعة جديدة من كتابه في المسرح المصري، تجريب وتخريب وهو الكتاب الصادر حديثاً عن دارالعروبة للدراسات والأبحاث. وحسبما يشير عبد القادر في مقدمته فقد بدأت علاقته بالمسرح في خمسينيات القرن الماضي، منذ أن كان طالباً يدرس الآداب في الجامعة حيث دأب على متابعة تحولات الواقع السياسي والثقافي عبر المسرح، فكان مسرح الأزبكية، وهنا يشير عبد القادر الى الدور الأهم الذي لعبه المسرح القومي حيث قدم الأعمال المؤلفة والمترجمة ثم كانت مجلات المسرح والكاتب والفنون الشعبية وتراث الانسانية وعالم الكتاب. وقد عمل فاروق عبد القادر الى جانب صلاح عبد الصبور في مجلة المسرح ويقول انهما استطاعا تقديم مجلة ثقافية مسرحية على مستوى رفيع، وكان صلاح بتحضره وسماحته واتساع افقه قادراً على الانفتاح على كل الاتجاهات: واستطعنا أن نجمع حول المجلة أهم الأسماء التي كانت تنشغل بالمسرح آنذاك. ويعترف عبد القادر بأنه استفاد بشكل خاص من العمل في المجلة لا سيما في متابعة الحركة المسرحية خارج القاهرة وهي التجربة التي رصدها في كتابه مساحة للضوء، مساحة للظلال الصادر عام 1986. ويشير عبد القادر الى أن هذه النهضة المسرحية التي شهدتها القاهرة وعواصم الأقاليم لم تدم طويلاً، فسرعان ما سقطت لأسباب مختلفة على رأسها هزيمة 1967 بالاضافة الى الرقابة ودور المسرحيين أنفسهم، ثم يأتي الدور الأعظم لسيادة المسرح التجاري الذي يمالئ السلطة وينتزع جماهير المسرح الجاد إلى غير رجعة. في أربع مقالات متصلة يتناول الكاتب والناقد فاروق عبد القادر حالة مهرجان المسرح التجريبي ويبدأ هذه المقالات بمشاهد مسرحية في ليل القاهرة يتناول فيها مسرحية جواد الأسدي النورس والمرفأ التي شاركت في دورة العام 1988 وكذلك المسرحية الفرنسية أدب وتاريخ وكذلك عرضاً لمسرحيات انكليزية وروسية وتونسية ويوغسلافية، ولكنه وسط ذلك لا ينسى أن يعبر عن سخطه بسبب الفوضى العارمة التي تنتاب المهرجان وهو ما يعبر في نظره عن سوء التخطيط المستمر حتى تلك اللحظة، كما ينتقد تقديم العروض المختلفة في أماكن متباعدة بين صحراء الهرم ومنطقة القلعة في مصر القديمة. ويشير عبد القادر الى افتقار المهرجان إلى مفهوم واضح لمعنى التجريب يتم على أساسه اختيار العروض وينقل عن كتالوغ المهرجان أن ادارته لم تشأ أن تتوقف عند تعريف محدد للتجريب.. لهذا تركت للدول المشاركة أن تختار هي ما ترى انه تجريبي وطليعي. ويضيف عبد القادر معقباً: وهكذا رأينا عروضاً لا يأتيها التجريب من اي مكان، انها ليست تقليدية فقط ولكن بعضها تعليمي. كذلك يتناول عبد القادر أيضاً هزال المطبوعات وفقر الندوات وقلة عدد المشاركين فيها حتى ان بعض الندوات لم يحضرها أكثر من أفراد. أما المقالة الثانية التي تتناول المسرح التجريبي فهي التي جاءت تحت عنوان يا اهل المسرح: فضوها سيرة، وفي هذه المقالة يعترف عبد القادرأنه شاهد من مهرجان المسرح التجريبي ما يكفي للحكم عليه عبر أربع دورات ويعيد السؤال مرة ثانية: هل حقاً هو مهرجان المسرح التجريبي؟ وهل يلبي احتياجاً قائماً في واقعنا الثقافي والمسرحي؟ وهل ما انفق عليه يعادل العائد الذي تحقق من اقامته؟ ويجيب عبد القادر بأنه لا علاقة بين عروض المهرجان ولافتة التجريب فالعروض التي يتم تقديمها تتفاوت تفاوتاً واسعاً من حيث تقليديتها ورغم ذلك فانه لا تخلو دورة من دورات المهرجان من أحاديث ونقاشات وندوات عن التجريب في صيغ مختلفة. ويستنكر عبد القادر الأموال الباهظة التي تنفق على المهرجان والتي يرى أن العائد منها لا يساوي الكثير وان العروض الجيدة التي يسفر عنها المهرجان تظل قليلة ومحدودة القيمة. أما المقال الثالث حول هذا المهرجان فجاء تحت عنوان مهرجان التجريب العشوائي ويتناول فيه نفس اشكاليات المهرجان، والمقال الرابع جاء تحت عنوان أما آن لهذا العبث أن ينتهي؟. وهو أيضاً يأتي في نفس سياق الانتقادات الموجهة للمهرجان بل يزيد عليها ان العروض المقدمة تسوء عاماً بعد عام ولا من مجيب. بعد ذلك يتناول فاروق عبد القادر العرض الذي قدمه المخرج احمد عبد الحليم لمسرحية الملك لير على المسرح القومي عام 2002 عن النص الذي ترجمته فاطمة موسى عام 1969. وينتقد عبد القادر تعامل المخرج مع نص شكسبير ويصفه بالخفة واللامبالاة حيث قام بحذف ما اعتقد انه لا يطور الحدث. ويرصد عبد القادر المشاهد المختلفة والمتعددة التي حذفها والتي يراها قد أخلت بالنص وان كان يعترف في الوقت نفسه أنه ليست هناك قداسة مطلقة لأي نص. الى جانب ذلك يتناول عبد القادر عدداً من العروض المسرحية التي تم تقديمها في شكل جديد مثل حلاق بغداد و في عز الظهر لأسامة انور عكاشة. وقد كان من أعنف وأهم مقالات الكتاب المقال الذي حمل عنوان رجعة ضرورية ومفيدة لتاريخ قديم.. رشاد رشدي: هل كان مظلوماً؟ والمقال في جملته رد قاس على مقالة للدكتور عبد العزيز حمودة نشرت في جريدة الأهرام بمناسبة حصوله على جائزة الدولة التقديرية، وهي المقالة التي اعتبر فيها ان الجائزة كان يجب أن تذهب الى المسرحي والكاتب الراحل الدكتور رشاد رشدي أستاذ الأدب الانكليزي في كلية الآداب في جامعة القاهرة الذي ظلم حياً وميتاً حسب حديث الدكتور حمودة. ويبدو ان الجملة التي بالفعل تأتي في غير محلها كانت هي القشة التي قصمت ظهر البعير وهو ما دعى عبد القادر الى تناول تاريخ رشاد رشدي منذ بدايته المشبوهة مع عدد من الأساتذة الانكليز من جماعة اخوان الحرية، محطة الشرق الأدنى، شركة شل، نادي خريجي قسم اللغة الانكليزية ويقول عبد القادر ان رشدي لم يكن بعيداً عن هذه الدوائر وكان يقوده أستاذه رجل المخابرات البريطانية كريستوفر سكيف رئيس قسم اللغة الانكليزية آنذاك، هذا الرجل الذي وصفه محمود شاكر بأنه كان جاسوساً محترفاً في وزارة الاستعمارالبريطانية وهو ما ينقله عبد القادر عن كتاب شاكر أباطيل وأسمار وهو أيضا ما يؤكده الكاتب المسرحي نعمان عاشور في وصفه للرجل. وينفي عبد القادر أن يكون رشاد رشدي أول مصري يتولى رئاسة قسم اللغة الانكليزية في كلية الآداب وذلك رداً على حديث حمودة وتقريره بذلك، ويشير الى أن رشدي انتزع رئاسة القسم من الدكتور محمد ياسين العيوطي الذي سبقه في الحصول على الدكتوراه ويستند أيضاً الى مقال للدكتور لويس عوض يقول فيه أن الدكتور رشاد رشدي لم يكن أول رئيس مصري لقسم اللغة الانكليزية وآدابها. يستعرض فاروق عبد القادر أعمال رشاد رشدي المسرحية ويصفها بأنها أعمال تدير ظهرها لقضايا الواقع الجديد وترتبط بالتعبير عن هموم الارستقراطية القديمة وأبنائها من الشرائح الكبيرة في الطبقة المتوسطة، ويشير الى انه ما من مسرحية كتبها رشاد رشدي الا وعرضت على الفور بل احياناً كان يشهد الموسم الواحد أكثر من عرض له، وكان مدعوماً في ذلك من الدكتور عبد القادرحاتم وزير الثقافة والاعلام في ذلك الوقت وراعي رشاد رشدي وسنده القوي في السلطة. وقد تولى رئاسة مسرح الحكيم وأكاديمية الفنون وأقام علاقات وثيقة مع الذات وهو احد كتاب الرسائل العلمية وأحد كُتّاب كتاب البحث عن الذات. وفي النهاية يدعو فاروق عبد القادر عبد العزيز حمودة الى تقديم عمل يشرح لنا الأساس الفلسفي الذي يدعي أنه يقوم عليه مسرح رشاد رشدي وهو يتهكم بالطبع مما يذهب اليه حمودة. يذكر أن فاروق عبد القادر كان قد عانى من غيبوبة عميقة بعد اصابته بجلطة في الدماغ منذ أكثر من ثلاثة أشهر،أدت إلى وفاته قبل أيام. اعتقد ان كل ما كتب عن الدكتور رشاد رشدي عبارة عن افتراءات وعدم تقدير لهذا الانسان العظيم. حرااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااام عليكو