إنه بالفعل مجال أدبي غير مطروق بما يكفي لكشف أسراره وما يحمله من دلالات في غاية الخطورة تعكس تصورات مغلوطة تضرب العرب في مقتل داخل ثوب إبداعي مدهش!. والكلام هنا عن الأدب الإسرائيلي الذي تتم ترجمته لمختلف دول العالم لينقل صورة إبداعية مسيسة لحشد مثقفي العالم لأهداف الكيان الصهيوني في ظل غفلة المثقفين العرب؛ نتيجة إحجام الأوساط الثقافية عن متابعة هذا النتاج الأدبي تحت شعار "رفض مبدأ التطبيع". جانب كبير من هوية هذا الأدب اتضح في دراسة فريدة من نوعها أعدها الباحث عبد الوهاب الجبوري بكلية الآداب جامعة عين شمس حول صورة العرب في الأدب العبري بما يشتمل عليه من رواية، وقصة، ومسرحية، ومقال، وقد اكتشف الباحث كيفية توظيف هذه الفنون الإبداعية في الترويج للأفكار الصهيونية من ناحية، وفي رسم صورة شديدة القتامة والتزييف للعربي من ناحية أخرى، حيث جاءت أوصاف الأدباء اليهود للعرب بأنهم متخلفون، همجيون، ويتسمون بالوحشية.. ففي رواية "شموئيل يوسف عجنون" "من عدو إلى محب" يصف العرب بأنهم "شعوب قاسية لا ترحم ويريدون فقط الاحتفاظ بالأرض"، وفي روايته "أمس الأول" يصفهم أيضًا بأنهم "بلا كرامة وقتلة ومزعجون"، وفي قصة "خربة خزعته" الشهيرة يعكس فيها الأديب الإسرائيلي "سميلا نسكي" رؤيته للعرب بأنهم "مجموعة من الجبناء الذين لا يقدرون على القتال، وأنهم ضعفاء وبعيدون عن صفات الشهامة والنبل والأخلاق"، والأدب الإسرائيلي كتعريف هو الإنتاج الروائي والقصصي والشعري والمسرحي الذي أبدعه الكيان الصهيوني في فلسطين بعد قيام دولة إسرائيل سنة 1948، ويتناول هذا الأدب والذي يُكتب غالبًا بالعبرية وينشر داخل إسرائيل أو خارجها مختلف جوانب المجتمع الإسرائيلي بأحلامه وأوهامه وواقعه، ويحمل في رحمه نوايا الفكر الصهيوني الكارثي، وكأي إنتاج أدبي في العالم ينقسم أدب إسرائيل على ذاته بين اتجاه مؤيد للسياسة الإسرائيلية بكل ما تفعله من جرائم واتجاه آخر يسعى للاختباء خلف مبادئ السلام والحوار بما يطلق عليه في الوسط الثقافي الإسرائيلي "أدب الاحتجاج"، وثمة اتجاه ثالث ينزع نحو الأدب الديني الذي يضج بالشكوى مما تعرض له اليهود على مر العصور من نوازل وكوارث وشتات!!. وفي كتاب "جسر الكلمات أنطولوجيا من الأدب العبري" المترجم إلى اللغة العربية، والصادر برعاية قسم العلاقات الثقافية بوزارة الخارجية المصرية.. يصف "شمعون بيريز" الرئيس الإسرائيلي الأدب بأنه "مرآة استشراف يفسر ويكشف المكنون ويشير نحو اللا محسوس في العلاقات بين الشعوب، وحتى في العلاقات بين بني البشر والتي قد يسودها الاستعلاء والتنافر أو الاندماج والحوار". وحتى الآن في الأدبيات الثقافية والأكاديمية المصرية لم يتم الاهتمام بأدب إسرائيل رغم ما يحمله من صور زائفة للعرب، وحض على الكراهية والعنف، وغرس قيم الحرب والدمار والقتل حفاظًا على الأرض في عقول أطفال وشباب إسرائيل، ولذلك يقول "معين بيسو" في كتابه "نماذج من الرواية الإسرائيلية المعاصرة": إننا نرتكب خطأ فادحًا وربما يكون قاتلًا لو أسقطنا العنصر الأدبي والفني من معادلة تكوين الرجل الإسرائيلي، فلا يزال الشائع في دوائر المثقفين العرب عمومًا أن الأدب والفن الإسرائيلي يرتكزان على أسس دعائية لتقديم وجه مزيف لإسرائيل والعالم، ولكن الذي يجب أن نفهمه أنه يتم حاليًا ما يسمى بعسكرة الأدب الإسرائيلي بل وتسييسه أكثر مما مضى.. فالرواية والقصة والقصيدة واللوحة والفيلم الإسرائيلي يهدف إلى إعطاء العسكري اليهودي الإحساس بالارتباط بالوطن والقتال من أجله بعد قرون من التشرد وأسوار الجيتو المغلقة في غربة خارج الأوطان. ولقد فرضت الرواية الإسرائيلية نفسها على الساحة الأدبية العالمية بحصول الروائي الإسرائيلي "شاي عجنون" على جائزة نوبل سنة 1966، وفي الإطار نفسه فرض أدباء إسرائيل أعمالهم بقوة موضوعاتهم مثل: "أهارون ميجيد"، و"موشي شامير"، و"يهوادا إميهاي"، و"يوران كانيوك"، و"يائيل دايان". وبقراءة سريعة بين سطور بعض النصوص الأدبية الشهيرة والتي صدرت في إسرائيل مؤخرًا نستطيع بسهولة أن نشم رائحة الحقد والغل والانتقام الذي تنقله الكلمات بوضوح تام، حيث تصل درجة الحقد إلى اتهام الأطفال العزل بتهديد أمن إسرائيل، ففي قصيدة كتبها الشاعر "إفرايم سيدوم" يقول: "يا أطفال صيدا وصور.. إني أتهمكم.. ألعنكم لأنكم مخربون.. ستنامون محطمي العظام في الحقول والطرقات.. لا تسألوا لماذا..". وفي قصيد أخرى للأديبة "مايا بجيرانو"، وهي شاعرة وكاتبة من مواليد حيفا سنة 1949.. تختلط فيها معالم الطبيعة الجميلة مع مواقع القنابل والدبابات حيث تقول: "على مقربة من شجرة توت وشجرة تين.. بأوراق مسننة وكف مبسوط.. فاح منها البلان. مطمئنة في الظل الملتهب وفي البال المشغول.. صباح يومي في مستوطنة لطيفة باقات العنب ومن حولي ماء البركة البارد.. والدبابات ثائرة قائمة في الجبال". والكثير من القصائد الشعرية تضج بالحزن وأحاسيس الموت والافتقار للأمان، حيث تقول الشاعرة الإسرائيلية البولندية الأصل "دفورا أمير": "هذه الأرض المرتجة وهي تحاول أن تستريح عند رقبتي.. السكين والخنجر والرمح.. وهي تلوث حياتنا منذ أن فكروا في ابتكارها.. إننا ندرج مثل أولئك الذين فقدوا عقولهم ونحن نملأ صدورنا بإيقاع متفجر في المناسبات المجنونة". وفي قصيدة أخرى ترجمها د. عبد الوهاب المسيري للشاعر "يهودا عميحاي" تقول: "كل الأجيال التي سبقتني منحتني شيئًا فشيئًا.. كي أقيم هنا في أورشليم.. إنني مقترب من عمر موت أبي، ووصيتي أن ترقع رقعًا كثيرة.. يجب أن أغير حياتي وموتي يومًا بعد يوم". وسؤال مهم: كيف نقل الأدب الإسرائيلي نظرة المجتمع اليهودي لمشاعر العواطف والرومانسية التي قد يتبادلانها طرفان أحدهما يهودي والآخر عربي مسلم؛ لأن هذا الإطار رغم بساطته يعكس احتمالات حدوث أي نوع من أنواع التقارب والحوار الإنساني الذي يمكن أن يتخطى الحاجز النفسي الشديد بين الطرفين؟! الحقيقة أن الرواية الإسرائيلية جاءت مطابقة للواقع تمامًا، حيث ترفض هذا التصور وتعتبر أنه من المحال ترجمة الحب بين إسرائيلية وعربي أو العكس إلى علاقة رسمية يقبلها الجميع، ففي رواية للأديبة "مريم شفارتس" تحت عنوان "حياة حواجو نلب" نجحت في تقديم نص أدبي إسرائيلي تجسد فيه علاقة الحب "المحرم عنصريًّا" بين بطلة الرواية "حواجوتلب"، وهي شابة من إسرائيل وبين "محمود" الرجل العربي، سيناريو القصة يشتبك في علاقة صراع درامي يقضي إلى استحالة اجتماع الطرفين على مأدبة عاطفية واحدة مهما اشتعلت درجات الحب، وفي هذه الحبكة الروائية نوع من أنواع الترميز الذي ينقل لقارئ الرواية رفض إسرائيل لمبدأ التعايش والحوار مع العرب.. "حواجوتلب" تعرضت لضغط أسري شديد لإجبارها على إسقاط الجنين الذي عشقته، وفي ظل هذه المحنة لجأت "حوا" إلى "الكيبوتس" حيث تقع بيئة التسامح الإنساني في إسرائيل، والتي ترفع دائمًا شعار الحرية والانفتاح والتحرر والحوار وقبول الآخر، وتحتضن فتيات إسرائيل المضطهدات والمغتصبات، وقد أخفت السر في البداية فلاقت ترحيبًا عظيمًا ثم ما لبثت أن أصبحت منبوذة ومفوضة تمامًا في هذا المحيط الاجتماعي بمجرد افتضاح أمرها، وهكذا فشلت "حوا" في أن تجتاز ذلك الجدار العنصري المحرم. وهناك أعمال إبداعية أخرى لا تخرج عن هذا الإطار القائم، حيث يتكامل الإبداع ويقف جنبًا إلى جنب الآلة العسكرية في تحقيق أهداف الكيان الصهيوني، ولذلك وجب الالتفات إلى هذا النوع من الإنتاج من باب من عرف فكر قوم أمن شرهم وضررهم.