ما تزال كتابات عميد الأدب العربيّ طه حسين تثير جدلا واسعا بين قرّائه نظرا إلى ما تتوفّر عليه موضوعاته من راهنيّة تلامس معيش المواطن العربي وتمثّلاته الفكريّة عن الكون. وجدت الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر في إعادة طباعة كتابه "من بعيد" فرصة للاحتفاء بذكرى ميلاده 123، وإعادة تنزيل مواقفه الفكرية في المستجدّ من أحداثنا العربية على غرار كتابة الدساتير الجديدة وما رافقها من رفض وقبول ما تزال تعيش على وقعهما ميادين عواصم ثوراتنا العربية. وكتب مقدّمة الطبعة الجديدة لكتاب "من بعيد" الباحث طلعت رضوان الذي أثنى فيها على حداثة كتابات طه حسين السياسية واستدلّ على ذلك خاصة بنقده لنصّ دستور عام 1923. ولد الأديب طه حسين بمدينة المنيا بصعيد مصر في عام 1889، فقد بصره في سنّ الرابعة بسبب الرمد. دخل الأزهر ثم الجامعة المصرية وحصل منها عام 1914 على درجة الدكتوراه. وسافر في بعثة تعليمية إلى باريس حيث درس بجامعة السربون. وعلى إثر عودته إلى مصر، عين سنة 1925 أستاذا للأدب العربي بالجامعة المصرية، ثم عميدا لكلية الآداب سنة 1930. كما تقلّد عدّة مناصب ثقافية منها تعيينه مراقبا للثقافة ومستشارا لوزارة المعارف ثم وزيرا للمعارف سنة 1950، ومُنحَ لقب باشا سنة 1951 لعطائه الفكري والإبداعيّ. يتوزّع كتاب "من بعيد" إلى ثلاثة أقسام يصفها طه حسين، في مقدّمته، بكونها متفرقة لا يجمع بينها إلا أنها كتبت خارج مصر في باريس وفيينا، بين سنتيْ 1923 و سنة 1930، أولها موسوم ب"من باريس" ويضم ستة فصول هي على التوالي: السفينة، سارة برنار، بنيلوب، شك ويقين، العلم، والثروة. و يضمّ القسم الثاني المعنون ب" أسبوع في بلجيكا" عدة أجزاء بأرقام دون عناوين. وأما القسم الثالث، فحمل عنوان "خواطر سائح"، وضمّ الفصول التالية: في الطريق، مدينة لورد، الخيل الخيل، باريس، في ملاهي باريس، زواج ألين، الأدب والأدباء، خطرات نفس. ومما جاء في كتاب "من بعيد"، نقرأ قول صاحبه: "كنا نشكو ظلم الحكومات وجنوحها إلى الاستبداد ونصرها للجمود ولكنا كنا نجد الشعب دائما مواتيا لنا يمنحنا نصره ووده وعطفه وتأييده، أما الآن فقد اشتد عنف السلطان وأسرف في الشدة حتى اضطر الكتاب والخطباء إلى أن يفكروا ويقدروا ويطيلوا التفكير والتقدير قبل أن يكتبوا أو يقولوا، وقد وجد الاستبداد الرسمي المتصل لنفسه أنصارا وأعوانا من طبقات الشعب لم يكن ليظفر بهم من قبل، فوجدت أحزاب مهما تكن ضئيلة فهي أحزاب منظمة تناصر الجور والاستبداد وتدعو إلى التأخر والرجوع إلى الوراء".