تكليفات حاسمة من السيسي للحكومة ورسائل طمأنة للمصريين عن الأمن القومي.. الأسبوع الرئاسي    افتتاح 6 مساجد و448 لقاءً ضمن برنامج "مجالس العلم".. تقرير الأوقاف ببنى سويف    بحضور وزير الأوقاف: «القومي للمرأة» ينظم ورشة عمل للقادة الدينيين    «مياه الشرقية»: الانتهاء من أعمال إصلاح خط طرد محطة صرف صحي القواسم بأولاد صقر    أسعار الفراخ والبيض اليوم الجمعة 11 أكتوبر 2024 في مطروح    على شكل جناح النورس.. ماسك يستعرض سيارة أجرة آلية (صور)    بيانان لنائبي رئيس الوزراء و10 قرارات جمهورية.. تعرف على أبرز ما ناقشه النواب خلال أسبوع    وزير الإسكان: تسليم الوحدات السكنية بمختلف أنواعها بالمدينة للحاجزين    الاستمرار في تنمية سيناء يعكس التزام الحكومة بتعزيز التنمية المستدامة    إسرائيل: ليس لدينا رغبة في احتلال لبنان    تقرير إسرائيلي: خلافات حادة في جلسة المجلس الوزاري المصغر    تعرف على منظمة نيهون هيدانكيو اليابانية الفائزة بجائزة نوبل للسلام    «الاتحاد» ينظم ندوة تحت عنوان «إفريقيا.. عمق استراتيجي لمصر ومصير مشترك»    ميدو: حسين لبيب يضغط الأهلي بالألعاب الذهنية    ميسي غاضب من ملعب المباراة أمام فنزويلا    ضبط موظفين اختلسا 28 مليون جنيه من جهة عملهما بشركة أدوية    سرعة جنونية تنهي حياة طفل في بورسعيد    ضبط مخزن زيت طعام مجهول المصدر يدار بدون ترخيص فى سرس الليان بالمنوفية    قطار يدهس شاب في منطقة العياط    الكينج والرحباني والشرنوبي أبرز مكرمي مهرجان الموسيقى العربية بحفل افتتاحه    بدء التشغيل التجريبي للمتحف المصري الكبير استعدادا لافتتاحه في 16 أكتوبر المقبل    6 أبراج فلكية تمتلك مهارات التأثير والإقناع.. هل أنت منهم؟    إيمان العاصي عن تجسيد قصة حياتها في «برغم القانون»: «كلام عجيب.. وأبو بنتي مش نصاب»    تعرف علي حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة    تنزانيا تسجل أول إصابة بجدري القردة وسط مخاوف صحية دولية    ارتفاع أسعار الفول وزيت الذرة وانخفاض العدس اليوم الجمعة بالأسواق    التضامن: عقد 685 لجنة تظلم لفحص طلبات الراغبين في الحصول على بطاقة إثبات الإعاقة والخدمات المتكاملة    بحضور وزير الأوقاف.. نقل شعائر صلاة الجمعة من مجمع الشهداء بالإسماعيلية    تنسيقية شباب الأحزاب تعلن عن استراتيجيتها الجديدة لعام 2024 / 2025    سقوط تشكيل عصابي تخصص في سرقة سيارات النقل بالأقصر    الصحة: اغلاق عيادة يديرها أجانب مخالفة لاشتراطات التراخيص بمدينة نصر    لوقوفها في صف زوجها.. قرار من النيابة بشأن فتاة طعنت صديقتها بأكتوبر    ضحية لقمة العيش.. مصرع سائق لودر سقطت عليه الصخور أثناء عمله بقنا    القومى للطفولة يولي مهام رئاسة المجلس لعدد من الفتيات في يومهن العالمي    كوريا الجنوبية: بيونج يانج ترسل حوالى 40 بالونا يحمل القمامة باتجاه البلاد    ارتفاع حصيلة قتلى الهجوم الروسي على أوديسا الأوكرانية إلى ثمانية    سفيرة مصر في زامبيا تطالب الكنيسة بتوسيع خدمات المستشفى القبطي    أجواء سياحية صباحية بزيارات معابد شرق وغرب الأقصر مع تحسن حالة الطقس.. صور    فوز منظمة نيهون هيدانكيو اليابانية بجائزة نوبل للسلام    أسماء جلال ترقص وتغني في حفل زفاف مريم الخشت (صور)    أسعار السمك اليوم الجمعة 11 أكتوبر 2024 في مطروح    سورة الكهف مكتوبة كاملة في يوم الجمعة    منتخب العراق استثناء وصدمة للسعودية.. الخطر يحاصر عرب آسيا في تصفيات المونديال    خير بداية يدق أبواب المحافظات.. صحة دمياط تعلن إجراء 28 عملية جراحية للقضاء على قوائم الانتظار    انطلاق الجولة الثانية من تطعيمات شلل الأطفال في غزة الاثنين المقبل    " الإجهاد البصري أسبابه وأعراضه وعلاجه".. على مائدة متحف الطفل غدا السبت    بعد ترشيح «أونروا» ل«نوبل للسلام».. الاحتلال يصادر مقرها في القدس    خطبة الجمعة اليوم.. تتحدث عن السماحة في البيع والشراء والمعاملات    ترامب يتعهد بإلغاء الضريبة المزدوجة على الأمريكيين المقيمين بالخارج حال الفوز    التأمين الصحى ببنى سويف تنظم برنامجا تدريبيا عن الأسس العلمية لإدارة المكاتب    موعد مباراة هولندا والمجر والقنوات الناقلة في دوري الأمم الأوروبية    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 11- 10- 2024 والقنوات الناقلة    دعاء يوم الجمعة مكتوب.. اغتنم ساعة الاستجابة بأفضل الأدعية لليوم المبارك وما ورد عن الرسول    اختللاط أنساب.. سعاد صالح تحذر المواطنين من أمر خطير يحدث بالقرى    ميوزك أورد وجينيس وفوربس.. أبرز 20 جائزة حققها الهضبة طوال مشواره    هشام حنفي: مباراة موريتانيا في متناول منتخب مصر وتصريحات حسام حسن تثير الجدل    «راجع نفسك».. رسائل نارية من رضا عبد العال ل حسام حسن    مباشر الآن مباراة البرازيل ضد تشيلي (0-1) في تصفيات كأس العالم 2026.. لحظة بلحظة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلاغ للنائب العام للتحقيق في الوقائع التي فضحها فيلم "طبق الديابة"!
نشر في نهضة مصر يوم 10 - 10 - 2010

"طبق الديابة" أو "طبق الذئاب" Wolf's Plate هو عنوان الفيلم التسجيلي القصير (35 دقيقة) الذي عرضه مهرجان الاسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة في دورته الرابعة عشرة، التي اختتمت أمس السبت، وأثار صدمة لدي جمهور وضيوف المهرجان، لخطورة القضية التي اقترب منها، وجرأته في الطرح بالشكل الذي جعلني فريسة، طوال مدة عرضه، لهاجس المطالبة بضرورة عرضه علي النائب العام للتحقيق فيما تضمنه من وقائع تقترب من الإدلة الدامغة التي تجعل الجريمة متكاملة الأبعاد؛ فالفيلم لا ينتهي بمجرد أداء مخرجته لمهمتها علي أكمل وجه، لكنه يحقق غايته، وتكتمل رسالته بالفعل إذا وصلت "الصرخة" إلي النائب العام، واعتبرنا جميعاً أننا لسنا بصدد فيلم تسجيلي تقليدي، وانما "بلاغ سينمائي" بمعني الكلمة.
"طبق الديابة" فيلم أخرجته وكتبت له السيناريو مني عراقي لتناقش من خلاله قضية النفايات الملوثة، وربما المشعة، التي تخرج من المستشفيات، وبدلاً من إعدامها في ظروف تؤمن المجتمع من شرورها، تتسلل بطرق خفية، كشف عنها الفيلم بالفعل، لتقع في قبضة مافيا تقوم، كما يحدث في"غسيل الأموال"، بغسلها وتدويرها واستثمارها في السوق!
المثير أن المخرجة انطلقت إلي صنع الفيلم من ملحوظة اكتشفتها جمعية الحفاظ علي البيئة تُرجع انتشار "فيروس سي" المتسبب في الاصابة بمرض الكبد إلي نفايات المستشفيات التي انضمت، بفعل الجهل والاهمال والفوضي والتسيب، إلي جبل القمامة الذي يحاصر العاصمة، لكن البعض من التجار أدرك أهمية وخصوصية هذه النفايات، مثل"السرنجات المستعملة والملوثة" و"زجاجات الجلوكوز" وغيرها من المخلفات الطبية، وراح يتاجر بها إما بإعادة تصنيعها أو تعبئتها، والخطير في الأمر أن الفيلم رصد حياً بأكمله يقوم بتشوين وتخزين أجولة النفايات الملوثة انتظاراً لفرزها وتسويقها علي جانبي الطريق لدرجة أن عابر الطريق مُعرض، في حال عدم التزام الحذر، للإصابة بالمرض الخطير نتيجة "شكة ابرة سرنجة" من تلك التي تحتويها هذه الأجولة!
في المقابل فضح الفيلم حجم الجرم الذي يرتكبه عدد غير قليل من المسئولين، سواء في المستشفيات التي تخرج منها النفايات الملوثة، أو المتربعين علي المقاعد في الوزارات المعنية المخولة بالرقابة، بإهمالهم ولا مبالاتهم واستهانتهم المفرطة بخطورة الظاهرة؛ فأحدهم يقول ببساطة:"أنا مش ح أدخل كل مكان في مصر لأكشف ما يحدث من جرائم، كما أنني لا أملك سوي 10 أو 15 موظفاً في الإدارة ودول حيعملوا ايه؟"(!) وثان يعنف المخرجة المحاورة:"عاوزاني ألف عليهم؟ امتي وفين؟" وثالث يراها "مخالفة بسيطة لا تستدعي كل هذه الضجة المفتعلة"(!) ورابع في وزارة معنية بصحة المواطنين يلقي بالمسئولية علي وزارة أخري (!) بل إن أحد المستشفيات الشهيرة لم يجد ما يمنعه من إسناد مهمة الاشراف علي حرق نفاياته الملوثة إلي عامل معتل الصحة، ربما بسبب تكرار تورطه في نقل هذه النفايات، يجهل أهمية إعدام هذه النفايات عند درجة مائة وعشرين فيكتفي بإعدامها عند درجة أربعين (!) وبسبب ما قيل عن ظروفه الاقتصادية يلجأ إلي حرق جوال نفايات أو اثنين علي أكثر تقدير ثم يقوم عن سبق إصرار وتعمد "بتسريب" بقية الأجولة ليبيعها لمن يهمه الأمر(!)
كارثة كشف عنها الفيلم بجرأة تزلزل المشاعر، وتدمي القلوب، وتكدر صفو أصحاب العقول، والأهم أنها تكرس حالة من فقدان الثقة في كل شيء، بعدما قال الطبيب المتخصص إن "السرنجة" يعاد استخدامها من جديد لكنه يكتشفها من "السن التلم للأبرة" أي الميت غير الحاد، ولم يقل لنا كيف للمواطن البسيط أن يكتشف أنها استخدمت من قبل؟ والجزء البلاستيكي من "السرنجة" يقدم للناس في شكل"لي طبي للشيشة"، ومن المخلفات الطبية الملوثة يتم تصنيع العلب البلاستيكية المستخدمة في أغراض كثيرة؛ فالفيلم قدم دلائل علي أن 13 أسرة تسيطر علي مايقرب من 15 مستشفي، بمعني أنها تمتلك حقوق الاتجار في هذه النفايات الملوثة بشكل رسمي وتحت سمع وبصر الأجهزة الرقابية المختصة من دون أن يردعها أحد، ولو من باب الحرص علي أمن أفرادها قبل حياة المواطنين؛ فأحد الذين التقتهم مخرجة الفيلم قال بالحرف الواحد:" في مجتمع يوافق علي الاتجار بالأعضاء البشرية من السهل عليه يكتب: مجدي الطيب
أن يرحب بظهور تجارة النفايات الملوثة"، وأضاف:"المرضي عنه في البلد ده بيعدي واللي مش مرضي عنه بيضيع"، ولأسباب كثيرة مخيفة ساقها الفيلم كان من الطبيعي أن يقول الرجل نفسه، وهو مسئول طبي كبير:"أوصيت زوجتي بألا تعالجني في مصر إذا مرضت، وأن تنهي إجراءات سفري للعلاج في الحارج فورا".. واستدرك بقوله:"اللي مش قادر يطلع يموت أحسن" (!).. وينتهي الفيلم بعبارة موحية جاءت علي لسان إحدي المتحدثات بقولها:"لازم نقف كلنا ونقول لا".
"طبق الديابة" لم يكن مجرد فيلم بل "بلاغ للنائب العام" تبنته مخرجة الفيلم من دون أن تدعي البطولة تاركة مسئولية توصيل هذا "البلاغ" لمن يستشعر خطورة ما يحدث بيننا، وعلي وجه الخصوص صفوة المجتمع من المثقفين والمفكرين والإعلاميين بمختلف صنوفهم والمجالات التي يعملون فيها؛ فلا أحد ليس بمنأي عن الخطر المحدق بنا، والنفايات الملوثة ستُحكم الخناق علي الجميع، عبر صور وأشكال متعددة فضحتها المخرجة التي اعتمدت أسلوب التحقيقات الاستقصائية، الذي انتشر مؤخراً في الإعلام المرئي والمكتوب، وأضافت إليه لمسات تعكس فطنتها ووعيها، كما فعلت في توظيف "الراية الحمرا" علي سطح أحد المنازل، في ايحاء بحجم الخطر الذي يتهدد المجتمع بأسره، ووضح اهتمامها بالقضية والكشف عن الجرائم التي ترتكب دونما التوقف كثيراً عند اللغة السينمائية أو "التكنيك"؛ فالاهتمام في مثل هذه النوعية من الأفلام ينصب علي القضية بدرجة أكبر، وليس "استعراض العضلات" والامكانات التقنية أو "الفذلكة"، ولهذا السبب غفر لها المتلقي "الكادر المقلوب" رغماً عن أنفها، كونها أخفت الكاميرا في ملابسها، وانسحاب الإضاءة في بعض المشاهد، واختفاء ملامح المتورطين أحياناً؛ والتوظيف غير الموفق لنوعية بعينها من ايقاع الطبول، علي الرغم من اعتبار دقاتها نذير خطر أحياناً؛ فكلها أخطاء هامشية للغاية مقارنة بالنجاح الكبير، وربما "السبق الإعلامي" الذي حققته المخرجة مني عراقي، في الاقتراب من القضية، ووعيها الواضح من خلال اللقطة الذكية التي لجأت فيها إلي "الإعادة" أو ال Replay لتمحو عنوان "طبق الديابة" في الورقة المكتوبة في نهاية الفيلم، وكأنها تطالب بمحو هذا الحي، والتجارة بأكملها، من حياتنا، بالإضافة إلي براعتها في فضح أبعاد القضية معتمدة علي بحث متأن ودراسة مستفيضة لكل جوانبها، وجهد كبير مبذول من جانبها، مما يطرح مجددا مجموعة من الأسئلة من بينها:"من الذي فرض حالة الصمت والتجاهل التي قوبل بها فيلم "طبق الديابة"، الذي أنتج عام 2009؟ وما الجهة التي رأت أن مصلحتها تحتم عليها التعتيم علي الفيلم، والحيلولة دون وصوله للناس، قبل الجهات المعنية بالقضية؟ وهل نجحت "المافيا" التي فضحها الفيلم في احكام سيطرتها علي الشاشات التي كان ينبغي عليها عرضه، ونجحت بطريقة ما في إقصائه عن خارطة هذه الشاشات؟ وإذا كان الأمر وارداً فيما يتعلق بشاشات الإعلام الرسمي فأي قوة تلك التي مكنتها من السيطرة علي الشاشات الخاصة أيضاً فمنعت أي اشارة للفيلم أو مجرد الاقتراب من فحواه؟
الخوف من خطورة القضية سيتراجع كثيراً إذا ما اكتشفنا أن "الديابة" أو "الذئاب" نجحوا بالفعل في حماية تجارتهم غير المشروعة، وتمكنوا من الحفاظ علي "طبق النفايات الملوثة" من دون أن يجرؤ أحد علي المساس به، أو التحذير من خطورته أو حتي قلبه علي رؤوسهم، ومن ثم تستمر "المافيا" في تدمير المجتمع المصري من دون أن تتحرك لديهم ذرة إحساس ببشاعة ما يرتكبون في حق أبناء هذا المجتمع، بعدما غابت ضمائرهم وسيطرت عليهم مصالحهم الدنيئة، وهو ما يدعونا للتأكيد من جديد أن ما يجري يقتضي تقديم بلاغ للنائب العام للتحقيق فيما قدمه الفيلم من وقائع وفضائح مع اعتبار مشاهده وحواراته بمثابة الوثائق وأدلة الإدانة التي تؤكد الاتهام، وتضفي أهمية علي البلاغ الذي لا ينبغي التشكيك فيه من منطلق انتفاء المصلحة الشخصية أو الضرر الفردي؛ فالضرر سيصيبنا جميعاً، وكلنا أصحاب مصلحة في درأ هذا الخطر المميت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.