بقلم : ماجدة حسنين حلم طالما تتوق إليه الأماني التركية، وأمل يراودها للحاق بالركب الأوروبي، فبرغم الاستغاثات المتكررة لها، إلا أن القبطان الأوروبي لم يستجب، فخافت الأناضول من الغرق في أمنيات لا ترقي إلي الواقع، وراحت تبحث عن طوق نجاة يعيد إليها أو يحقق حُلمها، ولكن بطريقة البحث عن الجذور التي تعيد إليها أمجادها القديمة، والحقيقة أن الظروف قد هيأت لها ذلك وكانت الفرص مواتية لإثبات الذات.. خاصة أن الفراغ الإقليمي واضح لغياب الدور العربي الموحد قد شجعها علي قيادة الكتلة الصاعدة والباحثة عن كيان فأبدت استعدادها لتحقق دور الريادة فيه، وكانت المشاهد الوحشية باعتداء إسرائيل علي غزة أوجب لديها نوعًا من الإصرار علي تبنيها القضية، في لفت القلوب نحوها، وتوالت ردود الفعل التركية متواصلة ضد إسرائيل برأت بمنعها من مشاركتها في الماراثون العسكري بالأناضول، وأيضًا ما حدث في منتدي دافوس، وإصرار تركيا علي اعتذار إسرائيل لإهانتها سفيرها، وغيرها وكان آخرها الاعتداء علي أسطول الحرية إلي غزة وموت العديد من الأتراك، والاتفاق الثلاثي بينها وبين إيران والبرازيل هذه كونها أعطت نوعًا من الصخب العالمي تجاه إسرائيل، وأيضًا دورها في استقواء المسلمين والعرب في القضايا المصيرية التي تتعلق بكيان العالم الإسلامي والعربي.. أما دورها الاستراتيجي الذي يكتنفه العديد من الميزات من حيث كونها حائط صد للقومية الروسية، وأيضًا للأصولية الإيرانية، فهي جسر بين بلاد القوقاز وبينها وبين العالم الإسلامي، وأيضًا الشرق الأوسط.. هذه الصحوة التي أرادت تركيا من خلالها تعويض الرفض الأوروبي لعضويتها فيه، وهي التي ستمكنها من الدخول فيه.. ولا شك أنها وجدت ريادتها في محاولة لإعادة الحلم العثماني بطريقة أردوغانية أكثر حداثة، ولكي تؤم الشرق وبذلك يصعد قطبها مقاومًا لأقطاب أخري مما يشكل قلقًا لم تحسب حساباته الأمم الأوروبية، فتركيا باعتبارها دولة مسلمة لها باع في السياسة الدولية.. صالت وجالت في القضايا المصيرية، وهذا بطبيعة الحال أسس لديها نوعًا من استرداد الكرامة، والتي أرادت أن تشعر بها الأوروبيين بالندم في عدم انضمامها إليهم، وألهبت لديهم نبرة الإحساس بهذا، وبأنه بات لديها كل المقومات التي تسترجع من خلالها أمجاد الباب العالي، وتمت لدي المسلمين إحساسًا بالاستقواء أمام قوي أخري.. خاصة أن هناك تنسيقًا بينها وبين إيران، وسوريا، والعراق، وحزب الله، وتلك جبهة ساخنة تشحذ الهمم الراغبة للانضمام إليها، فبزغ نجمها.. برغم أن إيران كانت تقوم بنفس الدور إلا أنها تنازلت عنه مؤقتًا نظرًا لظروفها الحالية وفرض العقوبات عليها، خاصة أن تركيا بمثابة شريك حليف، فلا يمكن أمام طموحاتها أن تضحي به فتركت له الساحة ليعزز دوره، وفي الوقت ذاته ترقبه.. إذ إنه من الممكن أن يناهض فكرًا إمبرياليا يساير النهج الإيراني.. كل هذه الأمور مجتمعة، لا شك أنها أثارت لدي الغرب رغبة إعادة النظر لانضمامها إلي الاتحاد الأوروبي، فبادرت أمريكا بدور الوسيط تزعمه أوباما لاستقطاب بلاد الأناضول إلي الحليف الأوروبي.. والسؤال ما هو المغزي من ذلك برغم أن الأسباب مازالت قائمة والتي من أجلها رفض دخولها في عضويته، ومن أهمها دخول تركيا: ستكون العضو الثاني بعد ألمانيا ويمكن أن تكون الأولي عام 2015 نظرًا لكثرة السكان فارق المستوي المعيشي.. مستوي دخل الفرد في تركيا لا يتجاوز 7000 دولار سنويا الثقافة الدينية، والنعرة القومية التي يتزود بها الشباب، مما يؤثر علي تصادم الحضارات والثقافات، وتلك خطورة بالغة علي الأصول الثقافية، والتي تعد من الثوابت الأساسية لنهج الدولة.. فقديمًا عانوا من الصراع الديني إلي أن انتهي الأمر بفصل الدين عن الدولة، ولكن بعد هذا يأتي القادم ويؤجج الصراع من جديد وهم في غني عنه.. بالإضافة إلي أن تركيا عندما تصبح عضو في الاتحاد، فلا شك أنها ستمالئ العرب والمسلمين وتكون أقدر علي مصالحهم.. لذلك كان الخوف من الأجيال القادمة خشية تحملها أفكارًا عقائدية تهدد الاستقرار الأوروبي.. لذا يمكن أن نقول إن الثقافة الدينية تعد سببًا ضالعًا في الرفض: إذن ما الذي استوجب بعد هذا أن يقوم أوباما بدور الوسيط لاستقطاب تركيا وضمها إلي الاتحاد، والحقيقة أن هناك عدة أسباب منها ضمانة تأمين خروج الجيش الأمريكي من العراق، ومساعدته أيضًا في تأمينه لأفغانستان.. إلي جانب احتوائها وبعدها عن النعرات الغالبة عليها، ومحاولة كسر الذات التركية بطريقة لائقة تحسبها في مصلحتها، ولكن الحقيقة ألا يكون للعرب داعم جديد يستقوون به، وفي الوقت ذاته محاولة ، بينما في ألمانيا دخل الفرد 206 آلاف دولار سنويا.. إضافة إلي هجرة العمالة الرخيصة بين تركيا.. الأمر الذي سيؤدي إلي الاستغناء عن العمالة الأوروبية، إضافة إلي أن تركيا تعد سوقًا رخيصًا للسلع القادمة من الصين والهند.. أما الأمر الأكثر خطورة فهو إبعادها عن مصاحبة إيران، وهذه الحلقة التي يريد أن يمسك بها، وتركها وحيدة.. كل هذه اعتبارات أرادت أمريكا أن تتلوها في الخطاب الموجه إلي الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت ذاته إرضاء إسرائيل التي بدأت تشكو تركيا حتي أصبحت ندًا في المحافل الدولية والتي تأثرت بها.. لذا استطاعت أمريكا أمام حزمة هذه الأمور أن تعيد صياغة جديدة لتؤسس نوعًا من العلاقة بهدف تعزيز الجبهة القريبة، وتقليص دور العرب والمسلمين بعد أن أصابتهم نوبة صحيان بتعزيز الجانب التركي لهم.. والأمر الأهم الذي أراد أن يقضي من خلاله الشكوك التي بدأت تصاحبه في عقيدته، وهذا أمر يبدد ولايته الثانية فأراد أن يضحي بما يؤرقه في الخفاء وبدأ صراع يحتويه.. ففضل الاحتفاظ بسريته وأعلن كل ما يريده من أجل احتواء خصومة المتربصين له من زاوية العقيدة، فأراد أن يغلق هذا الباب بهذه المحاولات التي تبدد الشكوك وراح يعلن بكل صراحة حفاظه علي أمن إسرائيل، وفرض العقوبات علي إيران.. احتواء واستقطاب تركيا المناوئة لإسرائيل في كل المنتديات، وبات الإعلام موجها ضدها نظرًا للماراثون الإعلامي بظهورها قوة غاشمة.. لذا أراد أن يتخلص من كل هذا بإعلان وساطته لدخول تركيا إلي الاتحاد الأوروبي.. والسؤال الأهم هل ستقوم تركيا بنفس الدور الذي تقوم به حاليا، وهو تبنيها لقضايا المسلمين والعرب، خاصة القضية الفلسطينية.. أم أن الأمر معلق علي حصولها علي الكارنيه الأوروبي، وبذلك ينفض كل شيء، وبأن كل ما نعلنه نكاية ضد أوروبا وبعد الدخول ينتهي كل شيء، وأن كل ما كان لمجرد تحقيق الحلم لدخول البيت الأوروبي.. لذا سنري كل هذا إذا حصلت علي العضوية.. وبذلك أقول إن تركيا لعبت دورًا حقق لها الهدف وكانت محاولتها في الشرق مجرد ورقة تلعب بها لتحقيق الهدف.. وبذلك يتعري موقفها ويصاب مريدوها بالإحباط واليأس.. وغدًا سنري ماذا سيكون أهي الغالبة أم هم الغالبون؟!