سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في حوار ينسف مقولة "عدوك ابن كارك" ممدوح الليثي: القطاعات الإنتاجية التابعة للدولة لم تتجاهل أسامة أنور عكاشة.. و"المصراوية" أنتجته شركة أشرف الشريف "يعني حكومة برضه"!
علي عكس المقولة الشائعة: "عدوك ابن كارك"، وفي خطوة تعكس مدي التقدير الذي يكنه كتاب السيناريو في مصر، وليس المثقفون والمهتمون فحسب، للكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة، وأيضًا حجم الخسارة الفادحة التي أصابت الدراما العربية برحيل هذا "القطب الكبير"، خص الكاتب الكبير ممدوح الليثي "نهضة مصر الأسبوعي" بهذا الحديث الذي اهتم فيه بتقييم الدور الذي لعبه "عكاشة"، ولم يكتف بالحديث بوصفه كاتب سيناريو يعرف قدره، ويولي اعتبارًا كبيرًا لقيمته في الإبداع، بل تطرق إلي أسرار مثيرة في العلاقة التي كانت تربطهما، وقت أن كان "الليثي" يترأس قطاع الإنتاج في اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وهي الأسرار التي يكشف عنها لأول مرة. عن الدور الذي لعبه أسامة أنور عكاشة وكان سببًا في تتويجه ملكًا للإبداع الدرامي، و"المعلم" الذي لا يشق له غبار في هذا المجال، يقول ممدوح الليثي: أهم ما قدمه أسامة أنور عكاشة، بل أراها أكبر خدمة قدمها للإعلام المصري، أنه جعل من الدراما التليفزيونية "وجبة رئيسية علي مائدة الأسرة العربية" بل مادة أساسية خصبة لدي شاشات التليفزيون المصري، وكذلك محطات التليفزيون العربية، وهو الدور الذي لم أبالغ مطلقًا عندما قيمته قائلاً: "عمل زبون للدراما المصرية"؛ ففي الفترة التي سبقت إنجازه ودخوله هذا المجال كان الأمر لا يتعدي "الفرجة بالصدفة" علي بعض الحلقات أو السهرات التليفزيونية، لكن بعد أعماله الخالدة، التي لا يمكن حصرها والتي لا نستطيع تجاهل أي منها، مثل: "الشهد والدموع"، "الراية البيضا"، "عصفور النار"، "ليالي الحلمية"، "مازال النيل يجري"، و"ضمير أبلة حكمت" وغيرها أصبح للدراما "زبون" ينتظرها بشغف واهتمام، ويتجاوب معها لأنها تقترب من همومه، وتشتبك مع واقعه، وهو ما فعله بالضبط أسامة أنور عكاشة. وماذا تذكر من أسرار مجهولة في علاقتكما معًا؟ ما لا يعرفه الكثيرون أن في رصيد أسامة أنور عكاشة سباعية مأخوذة عن قصة للكاتب الكبير نجيب محفوظ اسمها "الرجل الذي فقد ذاكرته مرتين"، وجاءني وأنا رئيس لقطاع الإنتاج، وقدم لي السيناريو الذي كتبه عن القصة في أول تجربة للتعاون بيننا، ولما اجتمعت أنا وأحمد زكي، الذي كان مرشحًا لدور البطولة، وتناقشنا حول السيناريو اكتشفنا بعض الثغرات التي توقفنا عندها، وتحفظنا عليها. كان هذا عام 1980، ولما جاء ثانية يسأله عن مصير السيناريو فاتحناه في الملاحظات، وقلنا له بكل خجل علي تحفظاتنا، فما كان منه سوي أن قال: "يعني انتوا مش مستريحين للسيناريو؟" فقلنا له بتردد: "يعني!"، ولحظتها فوجئنا به يلتقط السيناريو من المكتب، ويبدأ في تمزيقه (!) وعلي الفور تصورنا أنه غضب، وحاولنا الاعتذار له عما قلناه، وفعلناه، وغادر المكتب من دون أن يعلق بكلمة غير أنني فوجئت به يعود بعد أسبوعين وفي يده السيناريو في شكله الجديد، الذي راعي فيه كل الملاحظات التي أبديناها.. ووقتها أكبرت فيه تواضعه، وكذلك ثقته في نفسه، وإحساسه بموهبته. لكنك أنتجت له "ضمير أبلة حكمت"، الذي جمع بينه وبين سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة؟ وهذا المسلسل له قصة مثيرة أيضًا، فقد أبلغوني بانتهاء الديكور، بما يعني أن المسلسل جاهز للتصوير خلال يومين، ومن غير توقع فوجئت بالمخرجة إنعام محمد علي والكاتب أسامة أنور عكاشة يدخلان مكتبي، في قطاع الإنتاج، وعلي استحياء قالت لي "إنعام": "فاتن حمامة مش ح تشتغل المسلسل لأن خلافًا دب بينها وبين "أسامة" انتهي إلي غضبه وإصراره علي إيقاف التعامل معها"! وأسقط في يدي، وبهدوء شديد وترو كبير طالبت بعقد جلسة بين الأطراف جميعًا، حضرتها فاتن حمامة، ولمدة ساعتين تحدثنا عن نقاط الخلاف، وبمرونة كبيرة نجحت في تدارك كل أسباب الخلاف، والتقريب بين وجهات النظر، وأذكر وقتها أن السيدة فاتن حمامة أنهت الجلسة بقولها: "ميعادنا بعد أسبوعين للتصوير"، لكنني بادرتها وكلي فزع: "التصوير سيبدأ يوم السبت، والمشاهد الأولي ستكونين بطلتها"؛ فقد خشيت أن يتجدد الخلاف خلال هذين الأسبوعين، وتتخذ قرارًا نهائيا بالانسحاب، خصوصًا أن أسامة أنور عكاشة كان يعتز بكرامته كثيرًا، ويعلي من قدر نفسه علي أي شيء آخر مهما كانت المغريات. لكن تلك الفترة نفسها شهدت الكثير من الشد والجذب بين "أسامة" والرقابة؟ كلنا يعرف أن أسامة أنور عكاشة ناصري الهوي، وبالطبع تسبب هذا الانتماء في حدوث مشاكل أحيانًا، لكن الحق يقال إنه كان "ليبراليا"، و"صاحب قلم مفتوح" لا تحده عوائق أو تكبله "أيديولوجية"، لكن حدث بالفعل أن تحرشت الرقابة بأعماله، مما اضطرنا إلي اللجوء لوزير الإعلام وقتها صفوت الشريف، الذي طالب الرقابة بألا تتدخل أو تبدي رأيا في أعمال أسامة أنور عكاشة، وأوكل لي مهمة التفاوض معه، والوصول إلي نقاط تفاهم حول المناطق الشائكة في أعماله، وعبر عن هذا بقوله: "إذا فيه "حاجة" خلصوها يا ممدوح سوا"، وهي الفترة نفسها التي شهدت ظهور المقولة الشهيرة لصفوت الشريف: "ضمير الكاتب هو الرقيب الأول علي أعماله".. وأشهد أن أسامة أنور عكاشة كان حرًا، وصاحب ضمير وطني لا يجرؤ علي التشكيك فيه أحد، والكل احترمه من دون أن تكون "معارضته" للنظام سببًا في ملاحقته أو مصادرة أفكاره، بدليل أن الرئيس حسني مبارك، وبنبل شديد، كان أول من اهتم بحالته الصحية، وأمر بعلاجه علي نفقة الدولة. وما صحة ما تردد مؤخرًا أن الجهات الإنتاجية التابعة للدولة تعمدت تجاهله، وامتنعت في الفترة الأخيرة عن إدراج إبداعاته ضمن خطتها الإنتاجية؟ ما دليلك علي هذا؟ مسلسل "المصراوية" الذي أنتجت جزءيه شركة خاصة؟ "المصراوية" أنتجته شركة أشرف صفوت الشريف "يعني حكومة برضه"، لكن تفسيري لما حدث أن احترام أسامة أنور عكاشة لنفسه كان سببًا في تفرده بنظام خاص في الكتابة، حتي أنه كان يكتب المسلسل الواحد في عام أحيانًا، ولأن الجهات الإنتاجية لا تستطيع الانتظار فقد كانت تلجأ إلي "أشباه المؤلفين" ممن يكتبون حلقتين في اليوم، وتنتهي أعمالهم من دون أن تدري ما كتبوه أو ماذا يريدون طرحه من أفكار، ولهذا السبب رأينا أعمالاً كثيرة رديئة في الآونة الأخيرة لم تبلغ المستوي العظيم الذي كانت تتسم به كتابات أسامة أنور عكاشة لكنها كانت "تسد خانة" لدي شركات الإنتاج التي لديها أولويات، وخطة إنتاج لابد من تنفيذها، ومن المستحيل أن تظل في انتظار ما تجود به قريحة "أسامة" الإبداعية خصوصًا أنه كان "بطيء" في الكتابة بشكل يعرفه كل من تعامل معه. هل استمرت علاقتكما بعد خروجك من قطاع الإنتاج وترؤسك لجهاز السينما؟ علاقتنا لم تنقطع في أية لحظة، بل لا أذيع سرًا عندما أقول إنني كنت في زيارته بالمستشفي الذي كان يعالج فيه في الفترة الأخيرة، ولم تكن حالته مطمئنة علي الإطلاق، مما دعاني إليه التوجه إلي قبل رحيلي من غرفته، وطبعت قبلة علي جبينه كانت بمثابة "قبلة الوداع".