يأتي مشروع قانون حماية حقوق العمال من هروب المستثمرين المقدم مؤخرا، من المهندس أحمد عز رئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس الشعب وأمين التنظيم في الحزب الوطني، اعترافا من قادة الحزب بالآثار السلبية للخصخصة العشوائية التي مارستها الحكومة منذ عام 1991، ومرة أخري نؤكد أن هدفنا من إعادة فتح ملف الخصخصة ليس التشهير بأحد، ولكن فقط وضع النقاط علي الحروف في هذه القضية الخطيرة، وما عرضنا له من شركات تم بيعها بأقل من أصولها إلا أمثلة تؤكد بالدليل القاطع أن ما حدث هو جريمة لا بد من عقاب مرتكبيها. ومن بين الجرائم التي ارتكبت علي طريق الخصخصة بيع عدد من شركات الاسمنت في مصر عام 1999، الي شركات اجنبية بعد تعيين د.عاطف عبيد رئيسا للوزراء، لتضع الحكومة - بكامل إرادتها- قطاع الاسمنت الحيوي في مصر في قبضة الاجانب. ومن بين النماذج الصارخة في هذه الصفقة، شركة اسمنت أسيوط، التي تم بيعها بالرغم من أنها في العام المالي 1998/1999 أي قبل خصخصتها مباشرة حققت أرباحا صافية حوالي 136 مليون جنيه، وكان نتيجة بيع شركات الاسمنت أن خضعت سوقه لمافيا تحتكر إنتاجه والتحكم في أسعاره حتي وصل سعره إلي 400 جنيه للطن، بينما يتم تصديره بأسعار اقل بكثير من أسعاره في السوق المحلية، وقد شهد الاسمنت قفزات غير مبررة أو مقبولة خاصة أن الشركات المنتجة تحصل علي الطاقة بأسعار منخفضة، كما تحصل علي المادة الخام من المحاجر بأسعار زهيدة، وكأن دولتنا قررت دعم المستثمرين الأجانب علي حساب الشعب ومن أمواله ومن لحمه الحي، لذا كان لابد وان ترتفع أرباح هذه الشركات (11) شركة من 568مليون جنيه في العام المالي 2002/2003 إلي 1725مليون جنيه في العام المالي 2003/2004 وتحقق سبع شركات منها في عام 2005 أرباحا تصل الي1278مليون جنيه، كما تقول بهيجة حسن- في دراستها عن الخصخصة، في العدد السادس من مجلة آفاق اشتراكية. فضيحة سياسية ومن الصفقات التي تؤكد الفساد الذي ساد برنامج الخصخصة، وأن القائمين عليه لم يراعوا مصلحة مصر أو المصريين صفقة بيع شركة عمر افندي التي تحولت عملية بيعها إلي فضيحة سياسية بكل المقاييس، تلك الفضيحة التي فجرها المهندس يحيي حسين احد أعضاء لجنة التقييم التي قيمت الشركة بمبلغ مليار و140 مليون جنيه، في حين أصر الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار علي بيعها بنصف مليار جنيه، أي بأقل من نصف ما قدرت به، وأخيرا انتهت الصفقة وتم بيع الشركة لصاحب شركة _أنوال السعودية بمبلغ 589.5 مليون جنيه وهو مبلغ لا يساوي ثمن الأرض المقام عليها 82 فرعا هي فروع الشركة بمحافظات مصر، ولا يساوي ما تملكه الشركة من مخازن وأسطول ضخم للنقل واستراحات وشقق، وكانت لجنة التقييم قد قدرت بعض الفروع بما هو أكثر مما عرضه المستثمر السعودي، الذي أصر محيي الدين علي إتمام الصفقة له، وهكذا ضاع علي المصريين أكثر من نصف مليار جنيه هي الفرق بين ثمن البيع والقيمة التي قدرتها لجنة التقييم. خطة جهنمية ليس هناك شك في أن جريمة بيع القطاع العام دمار للاقتصاد الوطني وبيع لمقدرات ومستقبل الشعب المصري، فما زال القطاعي العام يزهو بدول كثيرة، في الوقت الذي أفشلناه نحن وحولنا صروحه إلي كيانات خاسرة، لتكون ذريعة لبيع الاقتصاد المصري وتدمير مستقبل الاجيال القادمة. وهذه هي المؤامرة التي كشف عنها النائب المستقل د. جمال زهران، عندما قال في استجواب له إلي مجلس الشعب "إن المؤامرة علي عمر أفندي وغيرها من الشركات والمؤسسات العامة تبدأ بتعيين اللصوص والأسوأ في الإدارة، وعدم تعيين الأكفاء مما يؤدي إلي إضعاف هذه المؤسسات وانهيارها لتجد مبرراً لبيعها وتصفيتها" ويعطي د. جمال زهران مثالا بشركة عمر افندي، وأنه تم تقييم الشركة في عام 1991 بمبلغ 450 مليون جنيه، ثم جري تقييم آخر في عام 1993 ب 735 مليون جنيه، ثم في عام 1996 ارتفع التقييم إلي 1.035 مليار جنيه، ثم في عام 1999 ارتفع التقييم إلي 1.187 مليار جنيه، وفي ديسمبر 2005 تم تشكيل لجنة تقييم أخري انتهت إلي 1.139 مليار جنيه، ثم تقدمت شركة أنوال السعودية لشراء الشركة بقيمة 504 ملايين جنيه. ووفقاً لما صرح به الوزير دكتور محمود محيي الدين أمام اللجنة الاقتصادية وهادي فهمي رئيس الشركة القابضة فقد أشارا إلي أن الصفقة كانت 465 مليون جنيه ارتفعت إلي 655 مليون جنيه. وبعد بلاغ المهندس يحيي حسين، إلي النائب العام، صرح النائب العام أن الصفقة ارتفعت قيمتها إلي 689 مليون جنيه حسبما ورد علي لسانه في جريدة الأسبوع (27/3/2006) وهو أمر يحمل في حد ذاته إدانة كبيرة للشركة القابضة ووزارة الاستثمار والحكومة. وهكذا _ طبقا لاستجواب د.زهران كان هناك تقييمان، أحدهما مقدم من مكتب (نور) وقيمته 438 مليون جنيه أقرته الحكومة وأعلنت عنه. والآخر أجرته لجنة التقييم ولم تعتمده الحكومة وتم إخفاؤه عن الرأي العام، بعد أن أجبرت القائمين عليه علي التهرب منه ومن مسئولياته وهي فضيحة بكل المقاييس. ولم يعلم أحد من الرأي العام أو من البرلمانيين المصريين عن تقرير لجنة التقييم إلا من خلال بلاغ المهندس يحيي حسين، للنائب العام. فساد مع سبق الإصرار وإضافة إلي ماسبق من مظاهر الفساد في الصفقة، كان هناك إصرار من الشركة القابضة علي تكليف مكتب د. نور بالذات بتقييم شركة عمر أفندي، وباقي شركات التجارة وغيرها، وقد ثبت من خلال وقائع عديدة أن هذا المكتب قد سبق أن قدم تقييمات لشركات أخري، ثم ارتفعت قيمتها بعد البيع أضعافاً مضاعفة مما يشير بعلامات الاستفهام حول هذا المكتب وترسية المناقصات عليه وتكليفه بهذا التقييم دون غيره. وكان الأحوط في ظل سياسة الشفافية المعلن عنها أن يتم تكليف أكثر من مكتبين لأخذ المتوسط بدلاً من مكتب واحد عليه علامات استفهام كبري!! بافتراض أن سياسة البيع والتخلص من القطاع العام ضرورة حتمية وهي ليست كذلك"كما يقول د. زهران في استجوابه". إضافة إلي وجود معلومات مغلوطة تقدم بها رئيس الشركة القابضة هادي فهمي، أمام اللجنة الاقتصادية، حيث أشار إلي أن سعر الصفقة هو 1089 مليون جنيه بينما الحقيقة أنه 449 مليون جنيه، وقد استهدف السيد فهمي من تضخيم رقم البيع وسعر الصفقة إيهام الرأي العام بأن هذا الرقم يقترب من سعر لجنة التقييم. وهو بذلك ساهم في تضليل الرأي العام. ومن ذلك مثلاً قوله أن المستثمر والمشتري عرض استثمارات قدرها (200) مائتي مليون جنيه للصرف علي عمر أفندي، دون ضمانات لذلك!! وفي هذا تضليل لمجلس الشعب وأعضائه والرأي العام. ويمضي د. زهران في نقده للحكومة وتعاملها في هذه الصفقة، فيقول: اتجه نقد المسئولين في الحكومة (وزارة الاستثمار)، لطريقة التقييم بالقيمة السوقية علي أنها تعامل الفروع والأراضي كعقارات وأراض قابلة للبيع، وهو ما يعني ضمناً أن طريقة التدفقات النقدية ستعطيها للمشتري كحق انتفاع فقط، ولكن اتضح أن الحكومة أعطت الفروع والأراضي للمشتري بالتمليك، وليس بحق الانتفاع وكل ما كانت تطمح إليه الشركة القابضة هو أن تكون لها أولويات الشراء إذا أراد المشتري البيع مستقبلاً!! ؟؟ علي حين يتضح أن السعر المقدر لعدد 17 فرعاً فقط بيعاً كاملاً يشمل التمليك وليس حق الانتفاع حسبما توفر لنا، ومن ثم فإن السعر الحقيقي للشركة (أسماً وفروعاً وأراضي) تصل إلي ما لا يقل عن (5) خمسة مليارات جنيه أو نحو (مليار دولار) علي الأقل!! كما أن الفروع عند التقييم، كانت تضم بضائع بمبلغ 120 مليون جنيه، ونحو 200 مليون جنيه ديون لعمر أفندي لدي الغير (أقساط لدي الموظفين والتجار)، ولم تقدم الحكومة كلاماً مقنعاً علي الإطلاق حتي أن الصفقة يمكن اعتبارها لا تتجاوز (300) مليون جنيه فقط بخصم هذين البندين. محاسبة من باعوا مصر!! وما الفساد الذي شاب صفقة بيع عمر افندي إلا نموذجاً مصغراً للطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع ممتلكات الشعب، التي للأسف لم تراع مصالحه، وهي تتخلص من ممتلكاته وتعلن إفلاسه، وتضعه علي طريق التسول. ففي الوقت الذي كانت فيه مخازن الشركة في مدينة نصر تصل مساحتها إلي 16 ألف متر مربع، تم تقييمها ب 1.5 مليون جنيه بسعر 93 جنيهاً للمتر الواحد، في حين أن قيمتها في تلك المنطقة لا تقل عن 3000 جنيه للمتر الواحد!! بإجمالي قدره (50 مليون جنيه) كما قال د. جمال زهران في استجوابه. كما أن سعر الشقة في الفورسيزون 12 مليون جنيه فكم تساوي قيمة 6400م2 هي مساحة عمر أفندي في شارع عدلي وسط البلد!! كما اتهم "زهران"الحكومة بأنها تعمدت تضخيم الضرائب وتوصيلها إلي 155 مليون جنيه علي حين أنها لم تتعد 55 مليون جنيه لتمرير الصفقة. كما تم تسليم البضائع الموجودة والديون المستحقة للشركة والتي تصل إلي نحو 300 مليون جنيه للمشتري ضمن الصفقة، وبذلك عاد إليه نصف ما دفعه فوراً. كما أكد النائب الدكتور فريد إسماعيل عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين أن الحكومة تسترت علي مخالفات قانونية جسيمة في صفقة البيع؛ الأمر الذي تسبب في ضياع أكثر من مليار ونصف المليار جنيه، وتحميل خزينة الدولة خسائر سنوية تصل إلي 50 مليونًا أخري. وهكذا تصرفت الحكومة بمنطق معوج يشوبه الفساد ولا ينم أبدا عن حس وطني، عندما تخلصت من قلاع مصر الاقتصادية، فتهاوي الاقتصاد المصري، وتدهورت أحوال المصريين، فقد تصرفت الحكومة كمن يبيع"تحويشة العمر" ليدخن سجائر، بما يدلل علي أن الحكومة لا يهمها الفقراء ولا الطبقة الوسطي. ورغم التقارير والدراسات الكثيرة التي أجرتها جهات عديدة، والتي أكدت أن الخصخصة تفتقر للشفافية، ويتم بيع الشركات الرابحة قبل الخاسرة وبالقيمة الدفترية فقط، استمرت الحكومة في البيع، حتي أن حكومة نظيف باعت ثلث أملاك مصر في سنة واحدة، والفضل يعود إلي د. محمود محيي الدين (مسئول ملف البيع)، فقد بلغ حجم البيع في 2005 (10) مليارات بما يعادل القيمة السوقية لثلث الشركات القابضة. والشيء الوحيد الواضح أمام الشعب كله فيما يتعلق بعملية الخصخصة هو أنه لم تكن هناك معايير واضحة للبيع من جانب سائر الحكومات المتعاقبة أو قانون للخصخصة، كما لم يراع أي منطق في عملية البيع، حيث تم بيع الشركات الرابحة بأقل من قيمتها الحقيقية، إلي حد أنه في بعض الشركات التي بيعت مثل شركة المياه الغازية كان ثمن بيع الشركة أقل من ثمن الأرض الفضاء للشركة، ثم تركنا الشركات غير الرابحة لكي نعاني في بيعها ونضطر لبيعها بأبخس الأثمان، وصنعنا جيوشا من العاطلين من خلال الخصخصة. ** وحقا"لعن الله الخصخصة" ولابد من محاكمة كل من ساهم من المسئولين في تدمير اقتصاد مصر وافقار شعبها. خير الختام: "تصرفت الحكومة في برنامج الخصخصة كمن يبيع"تحويشة العمر" ليدخن السجائر.