وضعت دعوة رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان سلفاكير ميارديت لمواطني جنوب السودان لاختيار الانفصال في الاستفتاء المقرر إجراؤه عام 2011 الحالة السياسية السودانية علي صفيح ساخن، واعتبرت إعلانا مبكرا للاستقلال رغم مطالب بتبني خيار الوحدة. ففي وقت تحفظت فيه القوي السياسية عن التعليق، استنكر حزب المؤتمر الوطني -شريك الحركة الشعبية في حكومة الوحدة الوطنية والحزب الحاكم بالشمال- الدعوة ووصفها بالمؤسفة. لكن محللين سياسيين اختلفوا بشأن التصريحات وما إن كانت تمثل موقفا حقيقيا للحركة الشعبية -التي تضم المتمردين الجنوبيين السابقين ووقعت مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم اتفاق السلام الشامل عام 2005- أم مناورة سياسية للضغط من الحركة لشريكها في حكومة الوحدة الوطنية بشأن مطالب لا تزال محل خلاف بينهما. وكان سلفاكير -النائب الأول للرئيس السوداني ورئيس حكومة الجنوب- دعا الجنوبيين إلي اختيار الانفصال في الاستفتاء المقبل بدلا من الوحدة حتي لا يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية في وطنهم حسب تعبيره. وبينما لم يستبعد محللون سياسيون تعرض رئيس حكومة الجنوب لضغوط خارجية لجهة تحقيق انفصال الإقليم، تمني المؤتمر الوطني ألا تكون الدعوة خيارا أخيرا للحركة الشعبية وحكومة الجنوب. فقد نفي المؤتمر الوطني وجود مواطنين من الدرجة الثانية في البلاد، مشيرا إلي أنه ليس من المقبول أن "يأتي الوصف من النائب الأول لرئيس الجمهورية". وقال القيادي بالحزب محمد مندور المهدي "لو كان أهل الجنوب فعلاً مواطنين من الدرجة الثانية لما شغلوا أعلي المناصب في الدولة"، مشيرا إلي أنها دعوة لا تليق بنائب لرئيس الجمهورية. واعتبر المهدي أن الدعوة مناقضة لاتفاقية السلام الشامل التي تتحدث عن تغليب خيار الوحدة وضرورة التزام الشريكين بذلك "ما يعني أن تغليب خيار الانفصال سيكون نكوصا عن اتفاقية السلام والعهد والميثاق بيننا". وأكد تأييد حزبه لقضية الوحدة وتمكين المواطن الجنوبي لاختيارها مهما كانت الأسباب، مبديا تمنياته أن تكون الدعوة "حديثا عرضيا علي مستويات محلية فقط وألا تكون تأييدا لخيار الانفصاليين داخل الحركة الشعبية الذين ظلوا طوال المرحلة الماضية يسعون لإيجاد الفرقة والشتات بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية". فيما لم يستبعد الخبير السياسي حسن مكي أن تكون الدعوة للانفصال موازية للتصريحات التي أطلقها سلفاكير في العاصمة المصرية القاهرة والتي أعلن خلالها دعمه لخيار الوحدة "مما أزعج بعض الجهات التي ترعاه ووضعته علي قمة الحركة بعد رحيل مؤسسها جون قرنق". وتوقع: "تعرض سلفاكير لضغوط متفاوتة من بعض القوي التي تسعي لفصل الجنوب". لكنه قال إن هذه الدعوة "ربما لن تكون الموقف النهائي للحركة الشعبية أو لحكومة الجنوب". أما المحلل السياسي الطيب زين العابدين فاعتبر أن "رئيس حكومة الجنوب قد أفصح عن موقف الحركة الشعبية الحقيقي ويبدو أنه يعمل لطرح بعض القضايا الخاصة بالشمال"، وتوقع أن يكون سلفاكير "قد تلقي طلبا من الإدارة الأمريكية وبعض الجهات الداعمة للجنوب بتوضيح رأيه قبل الدخول في عملية الاستفتاء والانتخابات المقبلة". وقال زين العابدين إن رئيس حكومة الجنوب "قد قطع قول كل خطيب حول وحدة السودان من عدمها". معتبرا أن ذلك يضعف الأمل في وحدة البلاد. ودعا النخبة السودانية للاستعداد والعمل الجاد "لأجل أن يصبح العبور من الدولة الواحدة إلي الدولتين أمرا سلميا". لكنه أبدي خشيته من أن يؤدي الانفصال إلي حروب جديدة تدفع بالبلاد إلي التمزق، محملا في الوقت ذاته المؤتمر الوطني مسئولية ما اعتبره تفكيكا للسودان "ما يفرض عليه ترك تكتيكاته السياسية التي لا تنظر للمستقبل". من جهته اعتبر المحلل السياسي تاج السر مكي الدعوة بأنها غير مناسبة "إذ لا يمكن أن يتحدث سلفاكير كل الفترة الماضية عن الوحدة ثم يتحول فجأة ليصبح من دعاة الانفصال". وقال في تعليقه إن رئيس حكومة الجنوب واجه ظروفا سياسية لم يحسن تقديرها، ولم يستبعد أن تكون الدعوة "في حدود الضغوط السياسية التي يواجهها القائد الجنوبي".