في الوقت الذي ينشغل فيه شيخ الأزهر بالنقاب، ويوبخ فتاة صغيرة علي ارتدائها له، وفي الوقت الذي ينشغل فيه المسلمون بصراعاتهم الصغيرة، وفي الوقت الذي يتقاتل فيه الفلسطينيون، ويتناحر العرب ابناء الوطن الواحد، تمضي إسرائيل في مخططاتها الرامية إلي تهويد القدس، وهدم المسجد الأقصي أولي القبلتين وثاني الحرمين، ونحن غافلون لاهون عابثون. سيأتي يوم تنهار فيه أساسات وجدران المسجد الأقصي مسري رسولنا الكريم، ونحن نكتفي بحوار الطرشان، وقصائد الشجب والإدانة التي أدمنها قادتنا العرب، وأعتقد أن هذا اليوم بات قريبا. وساعتها ستصدر الأوامر إلي قادة العرب من مقر السيد الأكبر في واشنطن بضبط النفس، وقمع المظاهرات، وطلب اجتماع عاجل لمجلس الأمن، ومشروع عربي متخاذل لإدانة "هدم الأقصي"-لا قدر الله- وبالطبع فيتو أمريكي ضد المشروع، لأنهم أي الأمريكان والأسرائيليون وحلفاؤهم الغربيون يعرفون جيدا ردة الفعل العربي الرسمي، المتمثل في الحكام العرب،الذين لايهمهم الأقصي في شيء، فذاكرتهم لم تعد تحفظ للأقصي مكانته، ولم يعد يشغلهم سوي المحافظة علي عروشهم، ولتذهب كل المقدسات إلي "الجحيم". المسجد الأقصي أسير منذ عام 1967، ولم نفعل شيئا، تشغل مشايخنا قضايا تافهة، مثل النقاب، وإرضاع الكبير، وغيرها، واليهود مشغولون بهدفهم الأكبر وهو إعادة بناء الهيكل وهدم المسجد الأقصي. تمضي الأعوام ومخططات اليهود تنفذ تحت سمع وبصر حكام المسلمين، ولكنهم يغمضون العيون ويصمون الآذان،ويستفحل الخطر، ولا أحد يكترس، سوي بيانات الشجب والإدانة، ومؤتمرات الكلام العربي المعهودة، ولجان لاتقدم أوتؤخر. في 21 أغسطس عام 1968 حرق المسجد الأقصي، فقد تخطَّي السائح اليهودي المتعصّب مايكل دينيس كل الحدود، وتجاوز كل القوانين والمواثيق، وأحرق بِلَظَي كراهيته وسواد فعلته مسري رسول الله صلي الله عليه وسلم وقبلة المسلمين الأولي . مجرم إرهابي حظيت فعلته بدعم سلطات الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، فقد أعاقت عمليات الإطفاء وتباطأت في محاولات الإنقاذ، وحظي هو شخصياً بالحماية القانونية فقد ادَّعي محرِّضوه إصابته بالعَتَه واختلال قواه العقلية . أدان العالم هذا العدوان واستنكره وامتعض منه ! وكفي ! وهذا نهجه من قبلُ ومن بعدُ في قضايا الأمة الإسلامية والعربية، ولسنا مجحفين في تقرير هذه الحقيقة السلبية الواضحة للعيان، فقد رأينا ورأي الجميع موقف العالم والمجتمع الدولي من تحطيم تماثيل بوذا في أفغانستان، وهل من مقارنة بين الموقفين ؟ كانت جولدا مائير رئيسة حكومة الاحتلال في ذاك الزمان، تنتظر بفارغ الصبر شروق شمس يوم 22/8/1969، كانت تظن أن الأرض ستميد تحت أقدامها، وأنها لن تقوم لدولتها قائمة ! منظمة ولجنة وكفي! لكن طلع النهار وأشرقت الشمس، ولم يحدث شيء من مخاوفها،فقد كانت الأمة العربية أضعف من أن ترد،وكل ما استطاعه قادة العرب والمسلمين هو تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي، التي تضمَّن ميثاقها العهد علي السعي بكل الوسائل السياسية والعسكرية لتحرير القدس الشريف من الاحتلال الصهيوني . ثم أنشئت لجنة القدس عام 1975م بهدف متابعة تنفيذ القرارات التي تتخذها منظمة المؤتمر الإسلامي والهيئات الدولية الأخري التي تؤيدها أو تتماشي معها، والاتصال مع أية هيئات أخري، واقتراح المناسب علي الدول الأعضاء لتنفيذ المقررات وتحقيق الأهداف، واتخاذ ما تراه من إجراءات . ولكن ماذا تفعل لجنة لا تحظي بالدعم الفعلي للحكام العرب، رغم أن رئاستها منوطة بالعاهل المغربي؟ معارك الكلام ما حدث للجنة القدس، هو ما يحدث لكل اللجان العربية، مجرد ساحات لمعارك الكلام،أو كما نقول"جعجعة بلا طحن"،وكيف يمكن لمثل هذه اللجنة أن تكون فاعلة أوتحقق شيئا في سبيل الحفاظ علي الطابع العربي للقدس وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها من عبث اليهود ومخططاتهم،وحال العرب والمسلمين، هو الضعف والتخاذل والتناحر؟ في الوقت الذي تجند فيه إسرائيل كافة قواها، وقنواتها السياسية لإنقاذ جندي واحد أسير لدي الفلسطينيين هو " شاليط" لاتهز الحكومات العربية دماء الأبرياء التي تسيل يوميا، ولا الدمار الذي يلحق بالبنية الفلسطينية،ويكتفي الحكام العرب بإشعال فتيل النيران والقتال بين الفرقاء الفلسطينيين، إلا محاولات هنا وهناك للم الشمل الفلسطيني المبعثر علي خارطة التفرق العربي. لم تكن مؤامرة حرق المسجد الأقصي هي المحاولة الأولي ولا الأخيرة في سجل مؤامرات اليهود لتهويد القدس وهدم المسجد الأقصي،فقد خططوا وحاكوا المؤامرات علي امتداد تاريخ دولتهم حتي في مؤتمرهم في بازل،ومازالت حفائرهم للبحث عن هيكلهم المزعوم تمضي في مخطط رهيب تحت المسجد الأقصي يهدد أركانه بالهدم. وتكمن خطورة هذه الحفريات في انها تتسبب في خلخلة أركان الأقصي وخلق فراغات كبيرة تحته بطريقة يمكن معها أن ينهار في حالة وقوع أية هزة أرضية أو زلزال خفيف أو فيضان من الأمطار وغيرها، مما سيتيح القول ان الهدم تم بفعل عوامل طبيعية. أنفاق ومدينة تحت الأقصي وقد تم الكشف مؤخرا عن شبكة أنفاق جديدة أقامها الصهاينة تحت المسجد؛ كان ابرزها في منطقة حمام العين (أحد الابنية الاسلامية الوقفية القريبة من الحائط الغربي للمسجد الاقصي المبارك استولت عليه السلطات الاسرائيلية وبدأت ببناء كنيس يهودي قبل عام ونصف العام ولا يبعد سوي 50 مترا عن المسجد الاقصي). كما ان هناك شبكة أنفاق تحت الأقصي كمشروع بناء مدينة يهودية في الأسفل ومحيط المسجد الاقصي. والمتابع للحفريات اليهودية يلاحظ أن اسرائيل صعدت من شدة اعتداءاتها علي الأقصي في السنوات الاخيرة، فقد انهارَ جزءٌ من طريق باب المغاربة مطلع عام 2004، وبُني كنيس يهودي ومبني لما سمي، قافلة الاجيال العبرية، اسفل المسجد الاقصي مطلع عام 2006. ومطلع عام 2007 بدأت المؤسسة الاسرائيلية بهدم طريق باب المغاربة وغرفتين من المسجد الاقصي المبارك، وفي مطلع عام 2008 كشف عن نفق جديد بطول 200 متر ملاصق للجدار الغربي للمسجد الاقصي المبارك يربط بين ساحة البراق والكنيس اليهودي في منطقة حمام العين، وتبعه كشف لنفق جديد في قرية سلوان جنوب المسجد الاقصي المبارك طوله 600 متر يحفر تحت بيوت حي وادي حلوة في قرية سلوان ويصل الي الزاوية الجنوبيةالغربية للمسجد الاقصي المبارك. وفي منتصف شهر فبراير عام 2008 وقع انهيار بالقرب من سبيل قايتباي داخل ساحات المسجد الاقصي المبارك بين بابي المطهرة والسلسلة، وكشف عن تشققات واسعة في بيوت المقدسيين الواقعة بيوتهم في المنطقة نفسها. وها نحن الآن أمام مشهد مروع لشبكات أنفاق واسعة وعميقة تحت المسجد الاقصي المبارك، تشكل ما يشبه بناء مدينة تحتية يهودية اسفل، وفي المحيط الملاصق للمسجد الاقصي المبارك، فهل بقي امامنا مجال ان نتساءل عن حجم واعماق ومسافات الحفريات الاسرائيلية اسفل وفي محيط المسجد الاقصي المبارك، ام انه بات لزاما علينا ان نستصرخ قائلين للأمة جمعاء، انقذوا المسجد الاقصي حتي لا يهدم. إسرائيل ماضية في مخططاتها لهدم الأقصي، وحكامنا يخططون لتوريث عروشهم، والمحافظة علي كراسي حكمهم،ويقمعون شعوبهم، التي لاتملك حتي حق التظاهر والتنديد بما يحدث من مؤامرة يهودية لهدم المسجد الأقصي، وحتي يتذكر مشايخنا "الأقصي" ويجيشوا شعوب المسليمين للدفاع عن أقصاهم، بدلا من أن ينشغلوا ويشغلوا الناس بالنقاب وركب الناقة وإرضاع الكبير، أختم مقالي بقول الله سبحانه وتعالي:" " سبحان الذي أسري بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" (سورة الإسراء الأية الأولي)