هناك حالة من القلق الشديد علي مستوي الشرق الأوسط وأيضا علي المستوي العالمي من تدهور الأوضاع الأمنية في كل من باكستانوأفغانستان. في باكستان جاءت الأحداث بحكومة مدنية ضعيفة في مواجهة مد اسلامي متطرف يقترب في كل لحظة من خطوة الاستيلاء علي الحكم في بلد يمتلك السلاح النووي والصواريخ الباليستية بعيدة المدي. وبرغم أن الحكومة الباكستانية تُؤكد كل يوم أن الأسلحة والمواد والمعامل النووية تحت سيطرة المؤسسة العسكرية إلا أن اختراق القوي المتطرفة للأجهزة الأمنية والقوات المسلحة يطرح احتمالات مُقلقة في المستقبل لدول كثيرة قريبة وبعيدة عن باكستان. أما أفغانستان فهي المُكمل للصورة المقلقة الباكستانية حيث تتحرك قوات طالبان الأفغانية بين الدولتين عسكريا وأيديولوجيا خاصة في مناطق الحدود التي أصبح مُعظمها تحت سيطرة حركة طالبان برغم أنها تتعرض يوميا لهجمات من الجيش الباكستاني ولضربات جوية من القوات الأمريكية وحلف الناتو. الحكومة أيضا في كابول ضعيفة، والجيش الأفغاني مخترق بالمتطرفين، أضف إلي ذلك وجود معسكرات للقاعدة في أفغانستان ومنها تُمارس نشاطها الخارجي علي مستوي الشرق الأوسط والعالم. وكان الرئيس أوباما قد أعلن عن نيته خلال الحملة الانتخابية التركيز في المستقبل علي أفغانستان، واقتلاع القاعدة من هناك، بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق. لاشك أن الإدارة الأمريكيةالجديدة قد ورثت أوضاعا في العراق والشرق الأوسط ليست مواتية للولايات المتحدة والغرب بشكل عام. ومن هذه النقطة المتواضعة تتحرك الاستراتيجية الأمريكية الآن وفي المستقبل القريب علي أساس تقليل مستوي الضرر والخسائر في إطار من التكلفة السياسة والاقتصادية المعقولة. وبالنسبة للعراق، لم تحقق الولاياتالمتحدة إلا جزءا متواضعا من أهدافها الاستراتيجية هناك، إلا أنها نجحت في النهاية بناء خطة للانسحاب بدون هرولة، مع توفير أكبر قدر ممكن من التماسك الداخلي. أما أفغانستان فطريقة التعامل معها سوف تتأثر بطبيعة الحال بنتائج ما تحقق في العراق وما نتج عنه من آثار إقليمية ودولية جعلت من الإدارة الجديدة في البيت الأبيض تخضع لكثير من الأوضاع لم تكن مقبولة من الإدارة السابقة. وباختصار لو كانت الحرب العراقية والأفغانية قد انتهت بانتصار حاسم للولايات المتحدة وفي وقت وبتكلفة بشرية واقتصادية معقولة لما جاءت حكومة ديمقراطية للبيت الأبيض، ولما قبل الناس الذين منحوا بوش فترتين الاستماع إلي أوباما، وقبول منهجه الحالي في الحوار مع خصومه، والوصول إلي حلول وسط معهم. هناك خلاف داخل الإدارة الأمريكية في كيفية التعامل مع الحالة الأفغانية. قطاع من العسكريين وعلي رأسهم الجنرال بيترايوس قائد المنطقة المركزية المسئولة عن عمليات الشرق الأوسط بما في ذلك باكستانوأفغانستان يرون تكرار الخطة التي طُبقت في العراق، أي زيادة عدد القوات الأمريكية، والتعامل مع طالبان عسكريا حتي داخل باكستان نفسها، مع تقوية القوي المناهضة لها وعلي رأسها الجيش الأفغاني. لكن ذلك من وجهة نظر البيت الأبيض وكذلك وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس ليس كافيا ولن يحل مشكلة القاعدة داخل أفغانستان، بل سوف يعضد العلاقة بين طالبان والقاعدة. وفي إطار توجهات أوباما الجديدة، واستعداده للحوار مع الجميع، فربما تكون فكرة الخلاص من القاعدة عن طريق طالبان هي الأفضل إذا تم الوصول مع طالبان إلي اتفاق. هذا لا يمنع في الوقت الحالي من الدفع بقوات إضافية، وتحقيق إنجازات عسكرية علي الأرض، حتي يتم التفاوض مع طالبان في ظل شروط مقبولة. وحتي يمكن فهم الصورة بتفاصيلها الدقيقة يجب التسليم بعدد من الحقائق أهمها أن الجيش الأفغاني _ كما حدث مع الجيش العراقي _ لم يصل بعد إلي مستوي الاعتماد علي النفس. والحقيقة الثانية أن زيادة عدد القوات عن طريق دول الناتو قد وصلت إلي حدها الأقصي، فمعظم الدول المشاركة تحت ضغوط داخلية غير متحمسة للمشاركة في مثل هذه النوعية الحروب غير المفهومة، وعدم إدراكها - برغم كل ما حدث علي المستوي الدولي - بخطورة جماعات مثل القاعدة وطالبان، وأن مواجهة ذلك يجب أن يترك للبلاد والشعوب الإسلامية نفسها. والأخطر من ذلك أن طرق الإمداد العسكري واللوجيستي المُؤدية إلي باكستان قد أصبحت مُهددة، بالإضافة إلي نجاح عدد من الدول المحيطة بأفغانستان مثل روسيا في الضغط علي دول أخري في وسط آسيا لوقف استخدام الولاياتالمتحدة لمطاراتهم. هذا الوضع المُعقد قد مكن دولة مثل روسيا إلي تشجيع دول أخري بعدم التعاون مع الولاياتالمتحدة في أفغانستان. وفي نفس الوقت عرضت روسيا علي الولاياتالمتحدة المُساعدة في مقابل تنازلات علي جبهات أخري ومنها الجبهة الأوروبية، وأيضا في قضية الصواريخ المضادة للصواريخ، وفي معضلة قبول عضوية دول قريبة من الحدود الروسية في حلف الناتو. ونفس الشئ يمكن مُلاحظته في علاقة أمريكا بإيران، وما يمكن أن تقدمه الأخيرة للولايات المتحدة في أفغانستان، خاصة أن طالبان يعتبر عدوا لدودا لإيران. ولاشك أن المفاوضات المُرتقبة بين الولاياتالمتحدةوإيران سوف تشتمل علي تولي إيران لمشكلة طالبان في مقابل موقف أمريكي مُتفهم للقضية النووية الإيرانية. الكلمة التي ينوي الرئيس الأمريكي توجيهها إلي العالم الإسلامي - برغم أننا لا نعرف ما تتضمنه حتي الآن - سوف تحتوي بطبيعة الحال علي رسالة صداقة وتعبير عن الاحترام المتبادل، لكنها سوف تهدف في الأساس إلي التخلي عن مبدأ التغيير من الخارج، وعلي الجميع أن يتحملوا مسئولياتهم بأنفسهم. بمعني أن الولاياتالمتحدة لن تُحارب في المستقبل حروب الآخرين إلا إذا أصيبت مصالحها الخاصة بصورة مباشرة. وإذا أخذنا أفغانستان كمثال، لوجدنا أنها تحولت إلي ميدان قتال بين الجماعات المتطرفة بمجرد الانسحاب السوفييتي منها وبدون أن تتكلف الولاياتالمتحدة ثمن ذلك. صحيح أنها دفعت ثمنا غاليا بعد ذلك في أحداث 11 سبتمبر، إلا أن رد فعلها كان أُحاديا وشاركت باقي الدول بتمثيل ضعيف مُتردد الشئ الذي لن تقبله _ ولن تستطيعه _ الولاياتالمتحدة بعد ذلك. وإذا كانت أفغانستان تُمثل خطرا علي العالم، فيجب علي العالم كله مواجهة هذا الخطر إذا أراد، لكن الولاياتالمتحدة لن تحارب بمفردها هذه المعركة. تري بعض الدول أن الولاياتالمتحدة في حالة انسحاب من الساحة الدولية، وأن ذلك سوف يؤثر علي وضعها القيادي، لكن أحدا حتي الآن لم يتقدم لموضع القيادة بدلا منها خوفا من تكلفة هذه المهمة الصعبة. وهناك دول اعتمدت علي الولاياتالمتحدة لفترة طويلة مثل إسرائيل تُعبر الآن عن قلقها من موقف أمريكا من إيران وكوريا الشمالية وكذلك تفعل بعض الدول العربية فيما يخص قضاياها أو القضية الفلسطينية. خلال حملته الانتخابية تكلم أوباما عن المسئولية علي المستوي المحلي والعالمي كمبدأ مهم سوف يحكم تصرفات الدول والأفراد في عالم لا يمكن أن يتحمل مسئوليته دولة واحدة، أو زعيم واحد، وسوف نحتاج من أجل استيعاب هذه الحقيقة لبعض الوقت.