سألني صديقي، ونحن نتابع بشغف، وإعجاب، حفل توزيع جوائز المسابقة ال81، التي تنظمها الأكاديمية الأمريكية لعلوم وفنون السينما، والتي يطلق عليها "الأوسكار": "هل سيأتي اليوم الذي نري فيه عادل إمام وحسين فهمي ونور الشريف ومحمود عبد العزيز، وهم يعتلون خشبة المسرح لدينا، ويثنون علي أداء وموهبة مرشحين غيرهم، قبل اختيار أحدهم لمنحه جائزة "الأوسكار"، مثلما فعل روبرت دي نيرو وأنتوني هوبكنز ومايكل دوجلاس وبن كنجسلي وأدريان برودي وأيضاً صوفيا لورين وشيرلي ماكلين ونيكول كيدمان.. وأسقط في يدي، لأن السؤال كان يخفي الكثير من الإيحاءات والإيماءات، لكنني تمالكت نفسي وأجبته:"الأمر يتوقف علي مساحة الحب والتسامح والتواضع التي يتحلي بها نجومنا ونجماتنا؟ والأهم مؤسسة لها مكانتها وقدرها ومصداقيتها وتحظي بثقة الجميع كالأكاديمية الأمريكية لعلوم وفنون السينما "؟ أي روح ود وحب وتسامح تلك التي رأيناها، ولا نجد لها مثيلا في مهرجاناتنا السينمائية؟ وهل سيأتي اليوم الذي نري فيه عادل إمام وحسين فهمي ونور الشريف ومحمود عبد العزيز يسلمون الجوائز لغيرهم كما فعل أنتوني هوبكنز وروبرت دي نيرو ومايكل دوجلاس وبن كنجسلي؟ الفيلم الإسرائيلي "فالس مع بشير" لم يفز بأوسكار الفيلم الأجنبي كما كان متوقعاً وعلينا أن نهتف بحياة الفيلم الياباني الذي أخذ بثأرنا! أليس الاستماع إلي كلمات المديح والثناء من نجم بموهبة أنتوني هوبكنز أو روبرت دي نيرو للمرشحين بمثابة جائزة في حد ذاتها؟ لقد كان الحفل مناسبة لمراجعة أوراقنا، ووضع أيدينا علي جراح مهرجاناتنا، التي نطلق عليها دولية، وتبين أن أمامها الكثير لتعرف الانضباط وتشع من بين جنباتها السحر الذي رأيناه في الحفل، الذي أقيم يوم الثاني والعشرين من فبراير، والأهم أن توفر لنا مع الترفيه والمتعة الإبهار الذي نتوق إليه، ونبحث عنه في حفلات افتتاح أو ختام مهرجاناتنا السينمائية، فلا نجده؟ فلا توجد فقرة "محشورة" أو "مُقحمة" أو منقطعة الصلة بينها وبين مهرجان هو عيد للسينما العالمية ؛فالتابلوه الاستعراضي الذي قدمه هيو جرانت جزءً من نسيج الاحتفالية السينمائية، بل هو "تجميع" لأهم الأفلام المتنافسة، وكذلك الأغاني، وبالتالي لن تجد موسيقي "غريبة" أو رقصة بالية "دخيلة" أو مسئول بلدية "بيفرلي هيلز" يلقي كلمة أو رئيس مهرجان يصدع الحضور بأرقام وروايات منقولة بالحرف عن "الكتالوج" الذي بين أيدي الجميع (!) بل ربما كان السؤال الذي أرق منام أي "رئيس" من رؤساء مهرجاناتنا، عقب مشاهدته الحفل: أين رئيس "الأكاديمية"؟ وكيف لم يلق كلمة في الحفل؟ بينما لم يسأل الواحد منهم نفسه:"هل فكر في تسجيل الحفل أو أكد علي المخرج المرشح لافتتاح مهرجانه، سواء في القاهرة أو الإسكندرية، بالحرص علي متابعته لعل الاستفادة تكون كبيرة، وتصبح الفائدة عظيمة، وندرك كيف تكون حفلات افتتاح المهرجانات السينمائية؟ أغلب الظن أن أحداً، من رؤساء مهرجاناتنا، التي تقام في أغسطس أو أكتوبر، لم يستقر بعد علي اسم المخرج المسئول عن حفل الافتتاح، وبالتالي فمازال في الوقت بقية، ولا وجه للعجلة، بينما تخطط مهرجانات العالم لدوراتها المقبلة فور انتهاء الدورة السابقة؟ اطلالة النجم هيو جاكمان كانت فرصة، أيضاً، للتساؤل عما فعله بنا، وبجمهور الحفل، ومايفعله نجومنا بنا في افتتاح أي مهرجان ؛فكم نجم لديه مثل هذه اللياقة والحضور والسحر وخفة الظل التي تمتع بها هيو جاكمان؟ وكم "بروفة" خضع لها ليظهر بهذا التمكن؟ وكيف لم يتهرب من "البروفات" بحجة أنه واثق من نفسه، وأنه ليس "صغيراً" ليصبح في حاجة إلي تدريب، بل كيف لم يبلغ المخرج أن لديه "سبوبة".. و"مش فاضي".. وعندما يلمح القلق في عينيه يبادره:"خليها علي الله وكل شيء حيمشي تمام". لقد بدا كل شيء دقيقاً ومحكماً، ومخططاً له مسبقاً، وليس وليد العشوائية أو "الصدفة"، سواء في "ميزانسين" دخول وخروج معلني الجوائز، من الثنائيات الشهيرة مثل:"دانييل كريج وسارة جيسيكا باركر" و"جينيفر أنيستون وجاك بالاك" و"تينا فاي وستيف مارتن" و"ناتاي بورتمان وبن ستيلر"، الذي بدا، كعادته، غير تقليدي، وأمتع الحضور بحركة وايماءة ونظارة وشعر مشعث ولم يلجأ في لحظة إلي الاسفاف أو الابتذال ليفجر الضحكات. وبينما نشكر الله، و"نقبل أيدينا وش وضهر" لأن حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي شهد حضور خالد أبو النجا ومني زكي وأحمد حلمي ونهلة سلامة وسعيدة جلال شهد حفل الأوسكار ال81 حضوراً مكثفاً من أشهر النجوم والنجمات وصانعي الفن السابع، ولم يغب "فلان"، كما يحدث لدينا، لأنه علم بأنه لم ينل جائزة، أو انزعجت "علانة" لأن زميلتها هي التي ستعتلي منصة الجوائز؛فمثل هذه الصغائر لا وجود لها في حفل "الأوسكار"، ومن الطبيعي أن ترصد وجوها تعرفها، وأخري ظننت في لحظة أنها رحلت عن دنيانا أو طواها النسيان ؛كما حدث مع جيري لويس ؛فالفوضي والتخبط ليس لهما مكان في "مسرح كوداك"، حيث جرت مراسم التكريم وتوزيع الجوائز، والتواضع سمة النجوم كبيرهم وصغيرهم، جديدهم ومخضرمهم، وليس غريباً أن تشاهد ايدي ميرفي يعلن عن جائزة كما فعل ويل سميث وأن يختتم مخرجاً كبيراً مثل ستيفن سبيلبرج الحفل بإعلان جائزة أحسن فيلم. الحب والتسامح كانا السمة اللافتة في حفل توزيع جوائز المسابقة ال81 للأكاديمية الأمريكية لعلوم وفنون السينما ؛ فعلاوة علي النجوم والنجمات الذين اجتمعوا للحديث عن المرشحين والمرشحات، مقارنة بعلاقة الود غير المعتادة عندنا بين كل الأجيال، والحب الذي فرض نفسه علي الحدث، من دون غيرة حمقاء عجز صاحبها عن إخفائها أو حقد أسود ملك عليه كل مشاعره، لدرجة أنه لا يتحرج من القول:"أنا و(ديكسان) لا نجتمع في مكان"،والحرب الكلامية التي يتم خلالها تبادل النيران غير الصديقة، لم نصدق أنفسنا، بعدما أفسدتنا أخلاقيات الوسط الفني، بالنجم شون بن وهو يوجه التحية لمنافسيه علي الجائزة، وعلي رأسهم ميكي رورك، والحال نفسه مع كيت وينسلت، التي لم تصدق أنها حصلت علي "الأوسكار" أخيراً، وانتابتها حالة هستيرية لحظة إعلان فوزها بجائزة أحسن ممثلة، فراحت تقبل المخرج سام منديز، وتعانق بحرارة كل النجمات اللاني اعتلين خشبة المسرح، وكأنهن لجنة التحكيم التي منحتها الجائزة، وعن بعد راحت تحيي المقربين لها المتواجدين في القاعة، ولم تتمالك نفسها، وانهالت دموعها، وحتي لحظة صعود عائلة النجم الراحل هيث ليدجر،لاستلام جائزة أحسن ممثل مساعد،التي حصدها عن دوره في فيلم Knigh Dark لم تنقلب، كما كان متوقعاً، إلي سرادق عزاء، فالشجن سيطر بالفعل علي القاعة، لكنه لم يفسد الفرحة أو يحول "العيد" إلي "مأتم" ؛بعدما بدا أفراد العائلة (والده "كيم" وأمه "سالي" وشقيقته "كيت") سعداء بالجائزة، التي أهدوها إلي روحه، وانتهي الموقف بسلام بعكس مايحدث عندنا، حيث يبدو أننا "مانعرفش نفرح" و"حتي لحظاتنا الحلوة نقلبها غم" بينما يؤمنون هناك بأن "الحي أبقي من الميت"! كنا نسمع، ونقرأ، أن مجرد الترشيح لجوائز "الأوسكار" هو فوز بها، ولم نكن نعرف لماذا، لكن الإجابة جاءتنا سريعاً في حفل هذا العام ؛حيث كانت كلمات الإطراء، البعيدة عن المبالغة، والتي تعكس تقييماً موضوعياً لكل واحد من المرشحين الخمسة، سواء ممثلي الأدوار الرئيسية أو الأدوار المساعدة، شهادة في حق مواهبهم جميعاً، ويكفي أنها جاءت علي ألسن نجوم كبار ومخضرمين، واتسمت بالصدق إلي حد كبير، ولهذا السبب بدا التأثر غالباً علي المرشحين جميعاً، وعجز غالبيتهم عن الحديث، لفرط السعادة، فما كان منهم سوي أن تمتموا بكلمات شكر من القلب. الحديث عن ممثلي الأدوار المساعدة يجرنا إلي منطقة وعرة وشائكة تمثل آفة من آفات السينما المصرية أيضاً ؛ففي الحفل رأينا فيليب سيمور هوفمان ينافس علي جائزة أحسن ممثل مساعد عن دوره في فيلم Doubt، وهو الذي حصل عام 2005 علي أوسكار أحسن ممثل عن فيلمCapote ، وتابعنا بينيلوب كروز "طايرة من الفرحة" لأنها حصدت أوسكار أفضل ممثلة مساعدة عن فيلم Vicky Cristina Barcelona، ولم تمتعض أو تتأفف لأنها الجائزة المساعدة، وليس الرئيسية،كما فعلت سلوي خطاب يوماً عندما رفضت الذهاب إلي حفل ختام وتوزيع جوائز أحد مهرجاناتنا السينمائية بحجة أنها أكبر من جائزة "الدور الثاني"، كما يطلقون عليها هنا، وقالت إنها "بطلة"! بالطبع أثارت النتائج النهائية بعض اللغط والجدل، بعد مقارنتها بالتكهنات السابقة ؛خصوصاً الفوز الهزيل لفيلم The Curio us Case of Benjamin Button بثلاث جوائز فقط بعدما كان مرشحاً لما يقرب من 13 جائزة، وخروج بطل الفيلم براد بيت بلا جوائز، بعد فوز شون بن بأوسكار أحسن ممثل عن دوره في فيلم Milk، وأيضاً المفاجأة الكبري التي فجرها فوز فيلم Slumdog Mil lionaire بثماني جوائز من العشرة التي رُشح لها فيما يشبه "اللغز"، فإلي أي نوع من السينما انحاز الخمسة آلاف عضو الذين يكونون قوام الأكاديمية الأمريكية، ولهم حق الترشيح والتصويت ؟ وماالسحر الذي يكمن في هذا الفيلم، الذي فاز بأهم جوائز مثل: أحسن فيلم وأحسن مخرج؟ مشاهدة الفيلم "اللغز" وحدها هي التي ستقودنا إلي الحكم بموضوعية علي تصدره للمسابقة بهذا الشكل العجيب في الوقت الذي توقعنا فيه جميعاً اكتساح فيلم The Curious Case of Benjamin Button بطولة براد بيت. مفاجأة أخري أكبر الظن أنها ستمثل فرحة للعرب، تخفف عنهم وطأة الخيبة الناتجة عن عدم تأهل أي فيلم عربي لدخول المراحل النهائية للمنافسة علي "أوسكار أفضل فيلم أجنبي" ؛تلك التي فجرها عدم فوز الفيلم الإسرائيلي "فالس مع بشير" بالأوسكار "الموعود"، علي الرغم من الترشيحات الكثيرة التي انصبت لصالحه، والتي وصلت نسبتها إلي 71%، وانتزع "الأوسكار" الفيلم اليابانيDepartures الذي لم تتعد التصويت لصالحه نسبة ال 7% وهي المرة الثانية علي التوالي التي يخرج فيها الفيلم الإسرائيلي من دون الجائزة، لكن يكفيه أنه يصل في كل عام إلي المرحلة النهائية بينما لا يتجاوز الفيلم المصري أسوار لجنة "سلماوي" ورفاقه، ومن وراءهم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ؛حيث لا يتعدي الأمر حد التصريحات العنترية الجوفاء عن ترشيح قائمة موسمية بدأت بفيلم "سهر الليالي" ولن تنتهي بفيلم "الجزيرة"،وبعدها لا يتحرك الفيلم المصري المرشح خطوة، ولا يتجاوز المرحلة الأولي من التصفيات، ووقتها لا أحد يسأل في الغالب عن المبررات والأسباب و.. "يبقي الوضع المؤسف علي ماهو عليه "! بعدما يقرب من الخمس ساعات التي مضت سريعا ولم نشعر خلالها بسأم او ملل، انتهي الحفل وودعنا هيوجاكمان وقبل ان نغادر مقاعدنا امام قناة Fox Movies التي كانت تبث وقائع الحفل علي الهواء سألت صديقي: ما رأيك فيما فعله كل هؤلاء النجوم؟ فأجابني دون ان يطرف له جفن: أكيد قابضين!