لا يوجد ما يشبه اجراء مفاوضات بغير حديث الي الطرف الثاني. فالامر جد سهل. لا تجب المصالحة، ولا يجب التنازل، ولا تجب مواجهة مطالب الاخر. فببساطة نعلن من طرف واحد اننا اتفقنا مع انفسنا وننفذ تفصيلات الاتفاق بالفعل. ويمكن ايضا ان نضيف 'مذكرة التفاهمات' مع الامريكيين. لا يعني ذلك ان هذا يحل شيئا لكن 'مذكرة التفاهمات' تبدو ممتازة وتصور تصويراً رائعا. توجد مشكلة واحدة فقط هي انه لا قيمة حقيقية ل 'اتفاقات' الطرف الواحد هذه. فهي تستطيع في الاكثر ان تفضي الي مهلة مؤقتة لسفك الدماء، لكن ليس لها فوق ذلك اي بقاء استراتيجي. الطريقة الوحيدة التي حلت بها صراعات عنيفة في التاريخ هي التفاوض المباشر بين اطراف النزاع حتي لو كان حساب الدماء بينهم طويلا. يمكن الحديث عن ايرلندا او الجزائر، لكن لماذا نذهب بعيدا؟ فقبل ثلاثين سنة وقع مناحيم بيغن، بعد مفاوضة مباشرة، اتفاق سلام مع مصر، التي قتل جنودها في الحروب المختلفة من الاسرائيليين اكثر مما نأمل ان تقتل حماس في اي وقت. بعد ذلك بخمس عشرة سنة وقع اسحاق رابين اتفاق سلام مع الاردن. صحيح، ان انور السادات والملك حسين اوحيا بالصدق الشخصي. لكن الم يحن الوقت لأن نكف عن التبجح المستكبر الذي كاد ان يصبح ها هنا مبدأ يستطيع ان يملي من يكونون شركاءنا؟. اولا في اواخر الثمانينيات لم تكن تناسبنا محادثة منظمة التحرير الفلسطينية. آنذاك حاولنا ان نقرر للفلسطينيين من هو ممثلهم الشرعي وان نحادث 'منظمة التحرير الفلسطينية في الداخل'. بيد انه تبين آنذاك ان هذا التقسيم بين 'الداخل' و 'الخارج' موجود عندنا فقط وانه لا يوجد اتفاق بغير عرفات، فحادثنا عرفات. بعد ذلك لم يلائمنا ان نحادث عرفات، وعندما مات وحل ابو مازن محله لم نجر مفاوضات مع ابو مازن لانه 'زعيم ضعيف لا يقدم المطلوب' آنذاك انفصلنا عن غزة من طرف واحد بغير تفاوض وحصلنا علي حماس التي قدمت من جهتها المطلوب اي الصواريخ علي سديروت. مرة بعد اخري تقع اسرائيل في شرك التصور الخاطئ، الذي يقول انها تستطيع ان تقرر للطرف الثاني من يكون ممثله. لكن التجربة تدل علي ان الوضع عكسي: فكلما ضيقت اسرائيل اكثر علي زعيم عربي ما، زاد مقدار شرعيته عند ابناء شعبه. الطريقة الوحيدة التي تستطيع بها اسرائيل الخروج من حصار الكراهية الذي دفعت اليه في الشرق الاوسط هي مفاوضة مباشرة مع أعدائها، جميع اعدائها. بلا فرق دين وقومية وتعاطف. الان خاصة بعد ان اظهر الجيش الاسرائيلي بنجاح قدرته علي الردع، يحسن التعجيل بمفاوضة ابو مازن (الذي برهن في الشهر الاخير علي انه قادر بيقين علي تقديم المطلوب)، وبدء مفاوضات مباشرة مع سورية والسعي الي حوار الجهات التي هي اشد سلامة عقل في حماس والا فاننا سنعيش علي السيف ها هنا الي الابد.