أثار الفيلم التسجيلي "جاسوس الشمبانيا" الذي عرض في مهرجان لندن السينمائي من شهر أكتوبر 2007 أكاذيب حول الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أو الأحداث الحقيقية.. والفيلم عن جاسوس إسرائيلي عاش في مصر في الستينيات لتأتي رواية الجاسوس "388" للإعلامي عبدالله يسري لتكشف تلك الأكاذيب وترصد واقع النكسة من داخل السجون المصرية، وهي تعد أول عمل روائي للإعلامي الذي يعمل بقناة النيل الثقافية ويطل علينا من خلال أكثر من برنامج منها "شارع الكلام" و"نجوم" لذلك كان معه هذا الحوار: كيف جاء الطريق لظهور الجاسوس "388"؟! جزء كبير منها كان بالصدفة وعملي الإعلامي وعندما يمسك الإنسان بطرف الخيط يجعله يمضي مع الخيط الطويل حتي يصل لنهايته، وهذه الدوافع كانت متوفرة لدي، والجزء الآخر أن هناك وظيفة يجب أن يقوم بها شخص ما في أي مكان وأي زمان، وفترة الستينيات كانت من أخصب الفترات، وأكثرها ازدهارا في مصر، حيث كانت مرحلة بناء قوي عظمي، وفي نفس الوقت مسرح للحرب الباردة بين المخابرات العامة المصرية والموساد، وكان لدي مصر البرنامج النووي، ومشروع صواريخ "القاهر والظافر" وغيرها من المشاريع وهذه القصة حقيقية ومر عليها أكثر من 40 عاما. لكن معظم روايات التخابر أنها كانت لجواسيس مصريين تم زرعهم في قلب إسرائيل.. أما تلك الرواية كانت العكس لجاسوس إسرائيلي يعيش في مصر.. ألم يستفزك ذلك ويجعلك تتردد في كتابتها؟! لقد كنت بالفعل مستفز من أول لحظة بدأت أكتب فيها الرواية.. لكن تعامل المخابرات العامة بذكاء في تلك القضية ومحاكمة الجاسوس كانت مشرفة وحيادية، وهذا كان جزءا من الخداع الاستراتيجي الذي مارسته الأجهزة لأنه في عالم المخابرات أحيانا يترك جاسوس حتي يكون قناة لإيصال معلومات غير صحيحة أو مضللة أو حتي يأتي خلفه بمن من الشبكة. هل هذا العمل يأتي للرد علي الفيلم الإسرائيلي الوثائقي عن قضية "لوتز" والذي يعد مزيفا للحقائق؟! فعلا غير أنني كنت أكتب الرواية منذ ثلاث سنوات والصدفة وحدها هي التي أخرجت الفيلم قبل الرواية أم هناك عوامل أخري!.. ففي الفيلم تم تزوير الحقائق والأحداث الحقيقية للوتز وكان يقدم الزعيم جمال عبدالناصر كخائن لأنه أعاد جاسوسا إسرائيليا حكم عليه بالسجن في مصر حتي أنه حدث استجواب في مجلس الشعب آنذاك وتم إيقاف الأمر. ولكن ما المكاسب التي حصدتها مصر بعودة هذا الجاسوس وخروجه من السجن؟! كان هناك مكسب قريب وهو عودة خمسة آلاف جندي مصري وتسعة لواءات بعد نكسة 67، وعلي المدي البعيد تم زرع عيون وإيصال معلومات كثيرة جدا مضللة للعدو، وكانت نواة للانتصار في حرب 1973، وجزء من الخطة للخدع الإسرائيلية التي مارسناها مع إسرائيل إلا أن قيمة الحق والعدل والخير لابد أن تنتصر وهي الكفة الرابحة دائما، رغم أن عالم الجاسوسية لا تقره السلوكيات الفاضلة، لكن هناك دولا لديها عمق حضاري يفرض عليها الانحياز للحق والخير. هل واجهتك صعوبات في استياقك للمعلومات حتي خرجت الرواية للنور؟! لقد واجهتني عقبات كثيرة لم أكن أتوقعها حتي أنني لم أتوقع خروج هذه الرواية للنور من كثرة العقبات، خاصة أنني كنت أعمل علي البحث، والتعرف علي بعض المصادر التي عاشت الحدث، وكان لهم دور كبير في العملية أو القضية ومنهم سمير ناجي الذي كان في ذلك الوقت وكيل نيابة أمن الدولة العليا، بالإضافة لمصادر أخري ووثائق حاولت جاهدا أن أكون ملتزما بالأحداث الحقيقية حتي بأقوال الجاسوس التي وردت في محاضر الضبط. لماذا اخترت أن تكون بدايتك الأدبية من خلال أدب التخابر وهو الأصعب؟! أنا عاشق لهذا الأدب وأنظر إليه أنه مجال خصب يكاد يكون اختياري له عن عمد، وأنا أبحث دائما عن الصعب والمخاطرة وهذه طبيعة شخصيتي، وما دفعني أكثر أننا في الفترة الراهنة نعيش حالة من فقدان الثقة والقيمة والرموز وعدم الانتماء، وهذه الأعمال تقوي الانتماء عند الأجيال، وللأسف وسائل الإعلام مسئولة بشكل كبير عن حالة عدم الانتماء التي يشعر بها الأجيال، بالإضافة لدوائر سياسية خارجية تعمل بقصد علي انهيار الرمز عند الشباب المصري، خاصة أن لدينا تركة كبيرة يمكن استغلالها بشكل عبقري لتحقيق أهداف تنموية. هل يمكن تحويل هذه الرواية لفيلم روائي أو مسلسل؟! لقد عرضت علي بالفعل جهة عربية هي "الأردن" إنتاجه، ولكن علقت الأمر لأنني مقتنع بأن الأعمال الوطنية لا يتصدي لها إلا أبناء الوطن، وأتمني أن يخرجه شريف عرفة، وهذا العمل في حد ذاته مشجع لأي جهة إنتاجية لموضوعه المهم والمعلومات التي يحويها، كما أنه يتكلم عن نكسة 67 من داخل السجون المصرية ويرصد القدرة الاقتصادية للمصريين في فترة الستينيات ويتكلم عن اليهود، وكيف مارست المنظمة اليهودية العالمية ضغوطا علي يهود مصر كما يختلط بالعمل الخيال بالواقع، وأماكن الرواية كثيرة ومتعددة من برلين لفرنسا للندن وتل أبيب والقاهرة متمثلة في مقاهي الحسينية وبوابة الفتوح بما فيها من جدعنة مصرية. هل عملك كمذيع بقناة النيل الثقافية استطاع أن يحقق لك ما تطمحه؟! أعتبر نفسي أعمل بنسبة 10% من طاقتي سواء من خلال الثقافية أو القناة الأولي وأحاول قدر الإمكان تبسيط الأشياء ومخاطبة السواد الأعظم من المشاهدين والابتعاد عن مصطلحات المثقفين المعقدة بما لا يخل بأدائي كمذيع علي الشاشة وعلي أن أشهد أنه في العامين الأخيرين بدأت الثقافة تنزل من أبراجها العالية للبسطاء من خلال مشروعات ثقافية كمهرجان القراءة للجميع، وهذا يعود لإيمان صانع القرار بأهمية الثقافة. هل يمكن أن تتجه لتقديم برامج مختلفة بعيدة عن الثقافة تكون أكثر جماهيرية؟! أتمني أن أقدم شكلا جديدا أستطيع من خلاله التعرض للقضايا الاجتماعية والسياسية والبيئية، لكن بشكل علمي غير الشكل المطروح السطحي والموجه الساذج الذي نجده في حالات كثيرة لا يخدم عقل المشاهد وأنا أريد الالتحام بالواقع والناس أكثر من خلال برامجي.