يظهر الرئيس الامريكي جورج بوش قبل ستة اشهر من انتهاء ولايته جنوحاً نحو مزيد من الواقعية عبر قبوله بما كان يرفضه سابقاً في مواجهة التحدي الذي يمثله العراق وايران. وجلس دبلوماسي امريكي رفيع مؤخرا الي طاولة المحادثات مع الايرانيين دون ان يجمِّد هؤلاء نشاطاتهم النووية الحساسة التي كان بوش يعلنها شرطاً مسبقاً لذلك. كما تدرس واشنطن ارسال طاقم دبلوماسي الي طهران لفتح مكتب لرعاية المصالح. ووافق بوش علي فكرة "أفق زمني" قد تنسحب بموجبه القوات المقاتلة من العراق وكان يرفض تحديد جدول زمني لذلك. وتواصل إدارة بوش التي تعرضت لانتقادات شديدة بسبب مواقفها الاحادية التي اوصلتها الي الجلوس الي طاولة المحادثات مع دولة أخري في "محور الشر" اي كوريا الشمالية. وكذلك مشاركتها في تحرك متعدد الأطراف لمواجهة التغييرات المناخية. وستلتقي وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس الاسبوع المقبل وللمرة الاولي نظيرها الكوري الشمالي باك ووي شون. ويقول خبراء ان الاجيال المقبلة ستحكم علي خطوات بوش في المنطقة الاستراتيجية التي تضم العراق وايران واسرائيل وافغانستان. ويسعي بوش قبل ستة اشهر من مغادرته البيت الابيض في التاسع من يناير 2009، الي اقامة شراكة طويلة الامد بين العراق والولاياتالمتحدة. كما يعمل علي توجيه بلاده نحو مزيد من الدبلوماسية في مواجهة ايران، كما باشر جهوداً جديدة اواخر العام 2007 لتحقيق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين. وينفي البيت الأبيض بشكل دائم حدوث اي انقلاب في مواقفه او تقديمه اي تنازلات. كما يفند مقولة ان بوش ادرك في وقت متأخر أهمية الصراع الاسرائيلي الفلسطيني. وقال المتحدث باسم البيت الابيض سكوت ستانزل ان الافق الزمني للانتشار العسكري الامريكي في العراق ليس تنازلاً تجاه مطالب القادة العراقيين بالسيادة او لمطلب الديموقراطيين وضع جدول زمني لسحب القوات. واضاف ان الأمر علي خلاف ذلك، فالإدارة باتت "في النقطة حيث تريد ان تكون تحديدا"، اي اجراء محادثات مع الحكومة العراقية حول "اهداف نتمني بلوغها" مثل خفض عديد القوات بموجب تحسن الظروف ميدانياً من دون موعد "اعتباطي للانسحاب". اما بالنسبة لإيران، فان الرجل الثالث في الدبلوماسية الامريكية وليام بيرنز كان في جنيف "للاستماع" وليس "للتفاوض"، وفق البيت الابيض. بدورها، قالت دانا بيرينو المتحدثة باسم بوش ان "الامور الجوهرية ما تزال علي حالها لكن هناك تكتيكات جديدة". ويري الخبراء عدة اسباب وراء هذه البراجماتية بينها الإقرار بالفشل سابقاً، وقلق الرئيس حيال ما سيتركه لسلفه وصورته في كتب التاريخ، وتفوق رايس علي المحافظين الجدد وابدال وزير الدفاع السابق دونالد رامسفلد، كما ان هناك مضايقات تتعرض لها الولاياتالمتحدة. فعلي بوش ان يتآلف مع الضغوط التي يتعرض لها حليفه في العراق رئيس الوزراء نوري المالكي. ولهذا النوع من البراجماتية التي يشيد بها البعض وينتقدها اخرون حدوده هو ايضاً. ويبقي الاتفاق الطويل الامد لتنظيم الوجود العسكري الامريكي في العراق امرا غير مؤكد في ظل ادارة بوش. كما حاولت الادارة الامريكية التوصل الي اتفاق سلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين. وبالنسبة للنووي الايراني، فإن بامكانها في حال فشل المحادثات، التذرع بالجهود التي بذلتها من اجل تبرير اجراءت عقابية دولية جديدة. كما لم يصدر عن بوش اي مؤشر يدل علي رغبته في المصالحة مع سوريا او مع منظمات مثل حزب الله وحماس في وقت يتعامل فيه حليفه الاسرائيلي معهما بشكل مباشر او غير مباشر.