علي حد ذكر دراسة الباحث "برادلي بومان" "Bradely L.Bowman" التي عرضها في دراسته المعنونة ب "بعد العراق: مستقبل التواجد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط" أو "After Iraq: future U.S. military posture in the middle east"، والتي نشرت هذه الدراسة في دورية "واشنطن كوارتيرلي" أو "The Washington Quarterly"، فإن الوجود العسكري الأمريكي في الشرق ألأوسط ليس فقط غير ضروري، لكن ينطوي أيضاً علي نتائج سلبية، والدليل علي ذلك أن زيادة نفوذ "القاعدة" كخطر يهدد الولاياتالمتحدة كان نتيجة لهذا التواجد الأمريكي بالمنطقة، وبشكل أكثر تحديداً فإن القوات الأمريكية المنتشرة في السعودية هي سبب ظهور "بن لادن" و"القاعدة" في تسعينات القرن الماضي، ففي عام 1994 ندد "بن لادن" بالوجود الأمريكي في السعودية وبعدها بعامين أعقب هذا التنديد برسالة معنونة ب"إعلان الجهاد" ذكر فيها: "أن الكارثة الكبري التي حلت بالمسلمين منذ وفاة النبي محمد هي احتلال المملكة العربية السعودية حيث الكعبة الشريفة التي يتوجه إليها المسلمون في صلاتهم، ورغم ذلك فقد احتلت من قبل الولاياتالمتحدة وحلفائها". وفي عام 1998 التحق "بن لادن" بزميله "أيمن الظواهري" وعدد من الأتباع من بنجلاديش ومصر وباكستان، داعين المسلمين إلي القيام بواجبهم الديني المتمثل من وجهة نظرهم بالجهاد ضد الأمريكيين سواء من العسكريين أو المدنيين. بصفة عامة نظر "بن لادن" وأعوانه إلي الولاياتالمتحدة كقوة محتلة للسعودية، ومن ثم فإن الوسيلة الوحيدة المتاحة أمام "القاعدة" لإجبار الأمريكيين علي الخروج والانسحاب هي الإرهاب. ومن ناحية أخري لا يمكن تجاهل أن الأهمية التي تتمتع بها منطقة الحجاز، بما تضمه من مكة والمدينة وأماكن مجاورة، لدي المسلمين جعل الوجود الأمريكي في السعودية يلقي رفضاً مقارنة بمثل هذا التواجد في الدول المحيطة بالسعودية. ومن ثم كان تخفيض عدد القوات الأمريكية المنتشرة في المملكة عام 2003 خطوة في الاتجاه الصحيح نحو الحد من أحد منابع التطرف. وتنتقد الدراسة "الاستراتيجية القومية لمكافحة الإرهاب" التي أعلنتها الولاياتالمتحدة عام 2006، علي أساس أنها غفلت عن الدور الذي لعبته القواعد الأمريكية بالمنطقة في ظهور تنظيم "القاعدة" واستمرار الراديكالية التي تقود إلي الإرهاب، وبدلاً من ذلك تطرقت الاستراتيجية إلي الأمراض الاجتماعية والسياسية والأيديولوجية المستوطنة لدي العالم العربي، علاوة علي الدعم الأمريكي السابق للنظم السلطوية. وتشدد الدراسة علي أنه من أجل تطوير الاستراتيجية المستقبلية للولايات المتحدة وما يتعلق بتواجدها في المنطقة، فإن ثمة حقيقة لابد من إدراكها وهي أن هذا التواجد العسكري كان ولا يزال أحد الدوافع وراء انتشار العنف والعداء للولايات المتحدة، وما يؤكد ذلك أن غالبية منفذي هجمات "القاعدة" الإرهابية خلال الفترة من 1995 إلي 2003، أتوا في الدول المسلمة التي بها قواعد أمريكية. ومع ذلك فإن الظروف المتفردة التي توجد في البحرين والكويت وعمان وقطر والإمارات، تجعل الوجود العسكري الأمريكي في هذه الدول الخمس أقل تأثيراً في نشر التطرف. فبالنسبة للكويت فإن المسافة بين التمركز الرئيسي للسكان في مدينة الكويت وبين أماكن انتشار القوات الأمريكية يصرف الانتباه عن هذه القوات ويجعلها بعيدة عن اهتمام الكويتيين. ورغم معارضة نسبة كبيرة من الكويتيين للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، إلا أن هناك عدة عوامل تزيد الرغبة لدي الشعب الكويتي في استمرار الوجود الأمريكي في بلادهم علي المدي الطويل، ومنها الشعور بالامتنان للولايات المتحدة علي تدخلها العسكري لتحرير الكويت من غزو "صدام" عام 1991، وعدم الاستقرار في جنوب العراق، وفضلاً عن هذا وذاك النفوذ المتزايد للنظام الإيراني. أما عن قطر والإمارات، فثمة عوامل ترجح استمرار التواجد العسكري الأمريكي في هاتين الدولتين علي الأقل علي المديين القصير أو المتوسط، وتتراوح هذه العوامل ما بين انخفاض نسبة عدد السكان المحليين، وتزايد عدد الأجانب في الدولتين، والاقتصاد المتنامي في الدوحة ودبي، فضلاً عن انعدام الثقة في إيران بين السنة الموجودين في قطر والإمارات. وبالانتقال إلي البحرين، يمكن القول أنه رغم وجود القاعدة البحرية الأمريكية المركزية في العاصمة المنامة، غير أن هذه القاعدة ليس لها دور كبير في ظهور الراديكالية والتطرف، وهذا مرده الدور الاقتصادي الذي تلعبه هذه القاعدة البحرية في توفير موارد الطاقة. وفي عمان لا يختلف الوضع كثيراً، حيث تتوقع الدراسة بقاء القوات الأمريكية هناك علي المديين القصير أو المتوسط في ظل المعارضة العمانية الكبيرة للتوجهات الأيديولوجية المتطرفة. كيفية طمأنة الأصدقاء وردع الأعداء.. توصيات طبقاً لما أوصت به الدراسة، تستطيع الولاياتالمتحدة ردع إيران واستعادة ثقة حلفائها في دول مجلس التعاون الخليجي بدون توسيع القواعد العسكرية، وإنما عن طريق الخطوات التالية: 1 يجب علي الساسة والدبلوماسيين الأمريكيين طمأنة دول مجلس التعاون الست بأن واشنطن لن تتخلي عن أصدقائها في المنطقة حتي في حالة الرحيل من العراق. ولابد أن تؤكد الولاياتالمتحدة علي التزامها طويل المدي بالحفاظ علي أمن واستقلال دول الخليج ودعمها بكافة المساعدات الأمنية المطلوبة لمواجهة أي مخاطر مستقبلية محتملة، وفي مقدمتها الخطر الإيراني. وهذه الضمانات والتطمينات، مع ذلك، من الضروري ألا تأخذ شكل تحالف ضد إيران، علي اعتبار أن مثل هذه الصيغة التحالفية ستزيد من ناحية الرغبة لدي طهران في الحصول علي السلاح النووي، ومن جهة أخري الحاجة إلي تواجد أمني أمريكي طويل الأجل وذي تكلفة عالية في الشرق الأوسط. ومن ثم فإن الدبلوماسية الحذرة يمكنها طمأنة الحلفاء العرب ودون زيادة المخاوف لدي إيران. 2 ينبغي علي أمريكا أن تبرهن علي مصداقية هذه الضمانات من خلال الالتزام بمبيعات الأسلحة لحلفائها الخليجيين. فطبقاً لمبادرة "الحوار الأمني الخليجي"، اقترحت إدارة "بوش" بيع أسلحة تقدر قمتها بنحو 20 مليار دولار لدول عربية بهدف تعزيز دفاعاتها في مواجهة التهديدات الإيرانية. وقد عبر بعض أعضاء الكونجرس عن قلقهم من أن تؤثر صفقات الأسلحة تلك علي التفوق العسكري النسبي لإسرائيل في المنطقة. فهؤلاء النواب يخشون من أن دولاً عربية مثل السعودية قد تحصل علي أسلحة أمريكية عالية التكنولوجيا بغرض حماية نفسها من الخطر الذي تمثله إيران، لكنها ربما تستخدم هذه الأسلحة ضد الدولة العبرية. ومن ثم يقترح هؤلاء بيع أسلحة بعينها لدول مثل السعودية مع حرمانها من أي أسلحة أخري قد تقوض التفوق العسكري الإسرائيلي. وتحذر الدراسة من أنه في حال رفض الكونجرس الموافقة علي مطالب الإدارة الأمريكية ببيع أنظمة عسكرية إلي السعودية، فذلك سيكون بمثابة الدليل القاطع علي كون الولاياتالمتحدة شريك أمني لا يمكن الاعتماد عليه، وهو الأمر الذي سيلقي بتداعياته السلبية علي المصالح الأمريكية بالمنطقة وعلي العلاقات مع دول مجلس التعاون. كما تطالب الدراسة بضرورة أن يكون تسليح الدول العربية الحليفة متلازماً مع عرض حقيقي لحل الأزمات مع إيران بطرق دبلوماسية، وإلا فلن يقود تسليح مثل هذه الدول سوي لمزيد من التوترات عبر منطقة الخليج. 3 بإمكان الولاياتالمتحدة أن تطمئن أصدقائها وردع طهران من خلال تنفيذ مناورات وتمارين عسكرية بحرية وجوية علي نطاق واسع مع الجيوش الخليجية في مناطق نائية بعيداً عن أماكن تمركز السكان. فبدون زيادة الوجود العسكري الأمريكي، يمكن لمثل هذه التمارين أن تبعث برسالة إلي إيران مفادها أن أمريكا بإمكانها أن تحضر قواتها إلي المنطقة بسرعة، وهو ما يجعل أي تهور إيراني أمر غير حكيم. 4 ينبغي علي واشنطن استخدام نفوذها وتأثيرها بالمنطقة في سبيل تطوير المنظومة الأمنية الخليجية، علي نحو يعزز الأمن في المنطقة ويقلل الحاجة إلي التواجد العسكري الأمريكي. ومثل هذه المنظومة يجب أن تشمل دول مجلس التعاون والعراق ومعهم كذلك إيران، وذلك لبحث ومناقشة القضايا مثار الجدل وموضع الخلاف وفي مقدمتها النزاع بين الإماراتوإيران علي الجزر الثلاثة (طنب الصغري وطنب الكبري وأبو موسي)، وبما يؤدي في النهاية إلي دعم السلام والاستقرار في المنطقة. وقد يرفض البعض ضم إيران إلي هذه المنظومة الأمنية، بيد أن الدراسة تشدد علي أن أي استبعاد للجمهورية الإسلامية سيترتب عليه زيادة حدة التوترات، وتعزيز التوجهات لدي الإيرانيين بضرورة تطوير أسلحة نووية كوسيلة لضمان أمن بلادهم.