تراجعُ التأييد الشعبي للرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي يهم الفرنسيين أكثر من نجاح "اليسار" في الجولة الأولي من الانتخابات المحلية التي أجريت في البلاد نهاية الأسبوع الماضي (والتي كان ساركوزي قد وصفها من قبل بأنها استفتاء شعبي علي حكومته، ولكنه لم يأتِ علي تكرار هذا الكلام منذ تلك اللحظة). ولكن، لماذا تصيب هذه الانتكاسة رئيساً كان يتصدر قبل عام من اليوم كل استطلاعات الرأي السياسية والشعبية، ورئيساً فاز بمنصب الرئاسة وتمكن أتباعُه من تشكيل أغلبية برلمانية كبيرة، ورئيساً جرد المعارضة الاشتراكية من أوراقها عبر استمالة معظم زعمائها المرموقين أو استبعادهم؟ ومن بين هؤلاء الاشتراكيين "الزعيم الطبيعي" المفترض "دومينيك ستروس كان"، الذي تخلص منه ساركوزي عبر إرساله إلي واشنطن لترؤس "صندوق النقد الدولي". أما سيجولين رويال، التي ترشحت للانتخابات الرئاسية العام الماضي باسم الحزب الاشتراكي، والتي كان يمكن أن تعتبر في حزب آخر أقل شوفينية زعيمتَه الشرعية، فإنها لم تترشح لهذه الانتخابات المحلية التي تهيمن عليها عادة المواضيع المحلية. لقد تفادي ساركوزي الانتخابات المحلية بقيامه بزيارةِ دولة إلي جنوب أفريقيا، حيث التقي بنيلسون مانديلا، وعرض إنقاذ الرهينة الفرنسية- الكولومبية إينغريد بيتانكور، المحتجَزة لدي مليشيات يسارية في كولومبيا منذ أن تسرعت بالذهاب إلي المناطق الخاضعة لهذه المليشيات كمرشحة للرئاسة الكولومبية في 2002 . ومثلما لاحظ ذلك المعلقون الفرنسيون، فإن اقتراع نهاية الأسبوع الماضي لم يكن تصويتاً حول سيد الأليزيه نفسِه بقدر ما كان تصويتاً حول ما إن كان الجمهور مازال يؤيد اقتراح ساركوزي القاضي بإدخال جملة من الإصلاحات علي المؤسسات السياسية والاقتصادية، وكذلك السياسات الاقتصادية، مثلما وعد بذلك عندما تم انتخابه العام الماضي. غير أن سجل نجاحه بخصوص هذه الأمور يبدو مختلطاً، بل يبدو الآن أن رئيس وزرائه، فرانسوا فيون، يمسك بدفة التغيير بقبضة أكثر إحكاماً من الرئيس النشط نفسه، الذي يبدو أنه يعجز عن متابعة هذه الإصلاحات نظراً لكثرة مقترحات الإصلاح التي يطلقها، بمناسبة ومن دون مناسبة. علاوة علي ذلك، فمن غير المستبعد أن يجر ساركوزي علي نفسه مشاكل غير ضرورية. ذلك أن تصريحاته حول مكانة الدين في الدولة، التي أدلي بها في كنيسة "سان جون لاتيران" في روما أثناء حصوله علي تكريم كنسي جرت العادة أن يمنح لرؤساء الدولة الفرنسيين، وأمام جمهور مسلم، وفي مأدبة عشاء للجمعية اليهودية الكبري في فرنسا، أفلحت في الرمي بموضوع الدين والدولة في لجة الغموض والالتباس والتساؤلات. ففي بداية القرن العشرين، وبعد أكثر من قرن من النزاع بين أنصار "الجمهورية الثالثة" المناوئين للنظام الإكليركي، وكنيسةٍ كاثوليكية مناوئة للنظام الجمهوري، تم الاتفاق علي تشريع أسَّس لحياد "علماني" صارم للدولة بخصوص المسائل الدينية، مقابل التزام الأديان بتفادي التدخل في الحياة العامة بشكل صارم (ومن هنا جاء الحظر الحالي علي ارتداء الطالبات المسلمات للحجاب في المدارس). وقد حظي الاتفاق بقبول الجميع وأفلح في الحفاظ علي السلم، غير أن الرئيس أدلي مؤخراً بتصريحات مرتجلة وغير مرتبة سلفاً، فيما يبدو، حول أهمية الدين في غرس الأخلاق في صفوف الشباب الذين أثاروا الموضوع. كما ألمح إلي تخفيف التشريعات الخاصة بالطوائف الدينية لصالح طائفة "السينتولوجيا" (ويبدو أن صداقته للممثل الأمريكي توم كروز، الذي ينتمي لهذه الطائفة، تضعه في قفص الاتهام بخصوص هذه المسألة).