السؤال الذي يخيم بظله في الوقت الراهن علي البلقان هو: لماذا لا يكون أيضاً لدي ال125 ألف صربي المحاصرين في الوقت الراهن سياسياً بين مليوني ألباني في كوسوفو المستقلة، الحرية في المطالبة بتحقيق ما يريدونه، وهو الاتحاد مع صربيا. وخاصة المؤسسات البارزة، والشخصيات التي تقود ما اعتدنا أنا وزملائي في الصحافة أن نطلق عليه "المجتمع الدولي"، قررت أن كوسوفو يجب أن تكون مستقلة، وأن الأممالمتحدة، والاتحاد الأوروبي، يجب أن يقدما الموارد اللازمة لتسهيل هذا الأمر. الواقع أن ترك صرب كوسوفو في وضعهم الحالي، لن يؤدي سوي إلي إثارة المتاعب وإحلال تذمر جديد محل تذمر قديم. وهناك إجابة واضحة تقدم لتبرير ذلك غير أنها إجابة غير مقنعة في الحقيقة مؤداها أن الكوسوفيين، وعلي مدي سنوات طويلة، ظلوا يتلقون وعوداً غير رسمية بالاستقلال، بسبب المعاملة غير العادلة، التي كانوا يتلقونها من جانب الصرب خصوصاً عندما كان "سلوبودان ميلوسيفيتش" في موقع الحكم. ونجاح ميلوسيفيتش في فرض زعامته علي صربيا، يرجع إلي قيامه بتأليب الصرب ضد ألبان كوسوفو، ثم ضد جميع العرقيات التي كانت تعيش في يوغسلافيا السابقة بعد ذلك. ولكن الموقف الآن، وكما تصفه "ميشا جليني" وهي مؤلفه كتاب مشهور عن التاريخ المعاصر للبلقان جوهره: "أن كل شخص يدرك الآن أن الوضع يتجه نحو انفصال فعلي... بيد أنه لا أحد يريد الاعتراف بذلك". وسبب عدم الرغبة في الاعتراف يرجع إلي الخوف من أن يؤدي ذلك الانفصال، إلي تشجيع الجماعات الأخري المتذمرة من أوضاعها في البلقان، أو في بعض دول الاتحاد السوفييتي السابق، أو حتي الصين، وقبرص، وإسبانيا، وبلجيكا، واليونان، وبلغاريا، ورومانيا، ودول كثيرة غير ذلك، علي المطالبة بتكوين دول مستقلة وفقاً للنقاط الأربع عشرة التي أطلقها الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون عام 1920، والتي أنهي بموجبها الحرب العالمية الأولي. وكثير من الدول التي استقلت بموجب هذه النقاط، توجد لديها في الوقت الراهن أقليات متذمرة، لن تتردد إذا ما أعطيت التشجيع اللازم، في المطالبة هي الأخري، ب"الاستقلال" عن الدول التي تعيش فيها. وإذا ما كان صرب كوسوفو أحراراً في الانضمام إلي صربيا، فلماذا لا يتم تحرير صرب جمهورية "صربيسكا" من "زواجهم" الصعب والقسري مع مسلمي البوسنة؟ إن هذا بالضبط هو ما كان يريده سلوبودان ميلوسيفيتش، عندما بدأ الحروب التي كان يسعي من ورائها لوضع يده علي تركة يوغسلافيا السابقة. ولسنوات طويلة كانت كافة التنبؤات تشير إلي أن الألبان سيكونون هم كابوس البلقان في المستقبل. ويرجع السبب في ذلك إلي أن هذه العرقية منتشرة بكثافة عبر كافة مناطق البلقان الجنوبي حيث يعيش أفرادها كأقليات في كل من مقدونيا، والجبل الأسود، وجنوب صربيا ذاتها، كما ينتشرون كمهاجرين اقتصاديين في أماكن أخري، مما يخلق لدي البعض هاجساً يمكن التعبير عنه في صيغة سؤال هو: "ماذا يحدث لو طلب هؤلاء الاتحاد في دولة واحدة اسمها ألبانيا الكبري"؟ ويشار في هذا السياق إلي أن الألبان الذين يعيشون في الجبل الأسود يشكلون مجتمعاً مستقراً يمثل 5 في المئة من السكان، يتمتع أفراده بظروف معيشية أفضل، وبفرص مستقبلية أفضل بكثير من ألبان كوسوفو، بل ومن الألبان الذين يعيشون في ألبانيا ذاتها. وتلك الأقلية الألبانية صوتت مع الأغلبية المقدونية من أجل الاستقلال الوطني.