أخشي ان ينزلق اللبنانيون مجدداً باتجاه حرب أهلية تدمر الاخضر واليابس ويحتكم خلالها الاخوة الاعداء إلي السلاح لتصفية خلافاتهم التي استعصت علي الحل علي طاولة الحوار الوطني كما فشلت الوساطات العربية والاجنبية في تقريب المسافات بين مواقف قوي الاكثرية المشكلة من معسكر 14 آذار والمعارضة(8 آذار) التي يتزعمها حزب الله. صحيح ان التاريخ كما يقولون لايعيد نفسه كما أن اللبنانيين أدري من غيرهم بما يعنيه التورط في حرب أهلية من واقع 15 عاماً من التدمير والقتل علي الهوية (1975 1990) قبل ان تكلل الجهود العربية واتفاق الطائف بنزع فتيل الحرب التي مزقت الشعب اللبناني إلي شيع وأحزاب وعلا خلالها لواء الطائفة علي الانتماء للوطن ودفع الاقتصاد اللبناني، ولا يزال ثمناً باهظاً لهذا الجنون الذي يتم اختزاله في كلمة اقتتال أهلي. لقد راهن اللبنانيون ونحن معهم علي دروس وخبرة الحرب الاهلية السابقة لتنظيم الفراغ في مقعد الرئاسة الذي خلا منذ 23 نوفمبر الماضي بانتهاء ولاية الرئيس اميل لحود، لكن هذا الرهان يبدو مرشحاً بقوة للسقوط بعدما بلغت الحرب الكلامية والتلاسن وتبادل التصريحات النارية بين معسكري الاكثرية والمعارضة حداً غير مسبوق في استرجاع كامل الاوصاف للمشهد اللبناني عشية اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 لقد استباح الاخوة الاعداء كل وأي شئ في لبنان من الزعامات السياسية والدينية وحتي الجيش، وأصبح كل اللبنانيين ضد كل اللبنانيين وسولت لهم قياداتهم ان كل المعسكرين علي صواب والآخر مخطئ تماماً.. وهذه سابقة خطيرة لا تعترف بها السياسة التي هي في الاول والاخر فن الممكن، وعقد المواءمات مع الخصوم مهما تباينت المواقف والاراء.. لكن مانراه الان علي الساحة اللبنانية يكشف عن حالة مستعصية من "العناد" حيث رفع كل فريق سقف مطالبه وتمسك بشروط يعلم في قرارة نفسه انه عاجز عن تنفيذها علي الارض وتسبب ذلك العناد في وضع الجميع أكثرية ومعارضة علي شفا حرب أهلية لا احد يعلم مداها وما يمكن ان تخلفه من كوارث.. وقبل هذا وبعده لن يخرج منها احد منتصراً وسيكون الخاسر الاول فيها لبنان الوطن والشعب. ان الاستقطاب الرأسي والافقي الذي يعيشه لبنان منذ اغتيال الحريري الاب في 14 فبراير 2005 يزداد حدة وعنفاً يوما تلو الآخر حيث انقسم المسيحيون إلي المعسكرين المتنافسين، ونفس الشئ حدث مع المسلمين حيث تكتل غالبية السنة في صفوف المعارضة.. بما يعني أن الجميع بات مهيأ لدوران عجلة الحرب والانتقام التي باتت وفق كل المؤشرات السيناريو الارجح لفك الاشتباك بين كلا المعسكرين. وأغلب الظن أن التصعيد العنيف الذي تقوده الاكثرية مقصود تماماً في ظل تواتر الأنباء بشأن حصولهم علي الضوء الاخضر من واشنطن لفرض اجندتهم علي الارض، بعدما استغلوا الفترة الماضية في تكديس السلاح وتدريب انصارهم علي حمله واستخدامه تحسباً ليوم بات الكل يراه وشيكاً جداً. وقد خرجت تصريحات سعد الحريري لتكشرعن استفزاز غير مسبوق للفريق الاخر حيث قال: بالحرف الواحد ان تهديدات المعارضة لا تخيف احداً وأن اتهاماتها بلا قيمة، وكان وليد جنبلاط سبق ان قال إذا كانت المعارضة تريد فوضي وحرباً أهلية فإننا مستعدون لحرق الاخضر واليابس. ان الاجواء المحتقنة التي توشك علي الانفجار ربما تكون الدافع الاول لعودة الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسي إلي لبنان أمس أملاً في تفادي وقوع الكارثة ودوران عجلة الحرب ان لم يكن تحقيق المعجزة وجمع طرفي الصراع علي طاولة المفاوضات من منطلق ان المبادرة العربية تبقي الورقة الاخيرة لإنقاذ لبنان، كل لبنان من التدمير. والتساؤل الذي يفرض نفسه هل تسمح الاطراف المتورطة في الازمة اللبنانية بنجاح المبادرة العربية أم انها عقدت العزم علي فشلها كمقدمة ضرورية لاختبار خياراتها علي أرض لبنان سواء أبي اللبنانيون أم وافقوا. لقد دفع اللبنانيون ثمناً فادحاً لقضايا ومشكلات المنطقة امتدت بطول 150 عاماً من القتل علي الهوية والطائفة.. ولم يعد بوسعهم دفع المزيد ما لم يكونوا قد اجمعوا علي "اغتيال" لبنان والعودة به إلي الوراء سنوات طويلة. ان التاريخ لن يرحم كل من يساهم في التعجيل بتدمير لبنان وسيأتي يوم تكتشف فيه الحقائق وتفضح الجهة أو الجهات التي ضحت بالوطن لحساب اجندات اقليمية او دولية.. وكفي تحريضاً علي الموت الجماعي أيها اللبنانيون.