طريق طويل قطعه الجاران الآسيويان منذ أن قررت دلهي وبكين تجاوز عقود من التوتر والجفاء بينهما وفتح صفحة جديدة عنوانها التقارب والتعاون، فلم تعد جبال الهيمالايا التي تفصل بين العملاقين الآسيويين عائقا يحول أمام التقارب بينهما. رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينج يحمل معه آمالا وطموحات عريضة خلال أول زيارة له إلي العاصمة الصينية بكين، أمس الأول لبناء ما أسماه علاقات شراكة إستراتيجية شاملة تبدأ عند التعاون الثنائي ولا تنتهي عند قضايا إقليمية ودولية كالتغيرات المناخية والبيئة والحرب علي ما يسمي الإرهاب وإصلاح الأممالمتحدة ومجلس الأمن. وتعتقد دلهي بأنها قد تكون الخيار الأفضل لبكين وأهون "الشرين" للحصول علي دعم صيني لدخول مجلس الأمن العتيد إذا دخلت حلبة التنافس مع اليابان المنافس الإستراتيجي الآخر لبكين. اللقاء بين أسرع اقتصادين نموا في العالم والفرص الاستثمارية الهائلة التي يوفرانها كان لا بد له من قمة أخري علي هامش القمة التي حضرها أكثر من 400 شخصية من كبار رؤساء الشركات ورجال الأعمال في البلدين، لبحث سبل مضاعفة الميزان التجاري بينهما ليصل إلي 40 مليار دولار خلال العامين القادمين. ويعتقد الجانبان أن تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما هو المفتاح لحل جميع القضايا والمشكلات السياسية العالقة بينهما. الضيف الهندي كان قد بدأ زيارته من أحد المواقع الأولمبية الصينية فيما بدا أنه إشارة إلي طمأنة بكين بأن دلهي ستمارس ضغطا علي ما يسمي بحكومة التيبت في المنفي الهندي وزعيمها الدلاي لاما الذي تعتبره بكين منشقا سياسيا انفصاليا، وعدم السماح له بتعكير أجواء دورة الألعاب الأولمبية القادمة التي توليها بكين أهمية فائقة. وكان الجانبان قد قطعا شوطا طويلا من مفاوضات شائكة لترسيم الحدود بينهما، لكنها ومع التقدم الطفيف الذي أحرزته ومع الهدوء والتنمية الاقتصادية والتجارية التي تشهدها المنطقة لم تسفر بعد عن اتفاقية. وكان جيشا البلدين قد خاضا حربا محدودة في تلك المنطقة بداية ستينيات القرن الماضي. ولتبديد الشكوك وتعزيز الثقة بين الجيشين أجريا مؤخرا مناورات عسكرية مشتركة حملت شعار "يدا بيد"، ورغم أنها اعتبرت خطوة رمزية فقط من خلال عدد القوات المشاركة فيها ونوعية الأسلحة المستخدمة، فإن أهميتها تكمن في كونها الأولي من نوعها بينهما. التقارب بين العملاقين النوويين الآسيويين ليس وليد هذه الزيارة بل منذ زيارة كسر الجليد التاريخية التي أجراها رئيس الوزراء الهندي السابق فاجبايي إلي بكين عام 2003. وردت عليها بكين بزيارة مماثلة لرئيس الوزراء ون جياباو إلي دلهي عام 2005 وأعقبتها بزيارة أخري للرئيس الصيني خو جينتاو إلي الهند عام 2006 وتواصلت بعدهما الزيارات رفيعة المستوي بين الجانبين.