حلت قبل أيام ذكري مرور خمسة وعشرين عاماً علي "خطاب ويستمينستر" الذي ألقاه الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان، والذي دعا فيه الدول الديمقراطية في العالم إلي إطلاق "حملة عالمية من أجل الحرية"، توقع أن "ترمي الماركسية- اللينينية في مزبلة التاريخ". ولئن كانت خطب رئاسية كثيرة تُنسي، فإن هذا الخطاب كانت له قوة غير مألوفة علي البقاء والخلود، ليس فقط لأنه تنبأ بانهيار الشيوعية، وإنما أيضاً لأنه سجّلَ لحظة تفاؤل ديمقراطي متجدد بعد الفشل الأمريكي في فيتنام، وانطلاق مأسسة عملية نشر الديمقراطية باعتبارها عنصراً جوهرياً في السياسة الخارجية الأمريكية. فنشرُ الديمقراطية يظل أولوية أمريكية كبري؛ إذ تقول الجملة الافتتاحية ل"استراتيجية الأمن القومي" لعام 2006 إن سياسة الولاياتالمتحدة تقوم علي "البحث عن الحركات والمؤسسات الديمقراطية في أي منطقة وثقافة من العالم ودعمها بهدف إنهاء الحكم المستبد في عالمنا". بيد أن إدارة بوش واجهت مقاومة شرسة وعقبات شتي في طريق تنفيذها. ولعل أولي العقبات، هي ظروف الشرق الأوسط، الذي يعد المنطقة الأكثر استئثاراً بتركيز الأجندة الديمقراطية لإدارة بوش. وقد تم تفهم هذا التركيز عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وكان الرئيس بوش مصيباً، في خطابه أمام مؤسسة "المنحة الوطنية للديمقراطية " في عام 2003، عندما أعلن رفضه رسمياً لمبدأ "الاستثناء العربي" القائل بأن الديمقراطية يمكنها أن تتطور في أي مكان ما عدا العالم العربي! والحقيقة أنه كان لإعلانه الشجاع هذا وقع تحفيزي في المنطقة الكبيرة الوحيدة التي لم تشملها "الموجة الثالثة" للديمقراطية في الثمانينيات والتسعينيات. ومع ذلك، فإن ظروف النهوض بالديمقراطية في الشرق الأوسط ما زالت غير واعدة؛ إذ يشغل الإصلاحيون الليبراليون حيزاً سياسياً ضيقاً بين الأنظمة السلطوية والحركات الإسلامية المعارِضة. كما أن استمرار العنف في العراق وتفاقم الأزمة مع إيران ساهم كثيراً في إضعاف دعوة الرئيس إلي "استراتيجية للحرية في الشرق الأوسط". ونتيجة لذلك، لا يمكن للمرء أن يتوقع تحقيق تقدم للديمقراطية في هذه المنطقة المضطربة من العالم علي المدي القريب. وتكمن العقبة الثانية في حقيقة أن ظروف تحقيق تقدم ديمقراطي علي الصعيد العالمي، تمثل اليوم تحدياً أكبر من أي وقت مضي. فلئن كان ريجان قال وقتئذ إن "الموجة الثالثة" تحشد زخماً وقوة، فإن بوش أطلق حملة الديمقراطية في بداية "الموجة العكسية"، والمقصود بها ردة الفعل علي فترة الانتشار الديمقراطي السريع. ونحن نري ردة الفعل هذه علي عدة جبهات؛ فهناك ردة الفعل علي المنظمات غير الحكومية والمساعدات المخصصة للنهوض بالديمقراطية من قبل حكومات تسعي إلي تلافي انتفاضات شبيهة ب"الثورة البرتقالية" التي اندلعت في أوكرانيا، وشعبوية جديدة تتغذي من انتشار مشاعر الإحباط بسبب أداء كثير من الديمقراطيات الجديدة، وصعود حكام سلطويين في روسيا وفنزويلا وإيران، يتقوي نفوذهم بفضل ارتفاع أسعار النفط، وصعود الصين كقوة عالمية تدعم العديد من الدول المارقة والأنظمة الديكتاتورية، وتمثل نموذجاً سلطوياً للتنمية الاقتصادية. إن علينا ألا نفقد الأمل بشأن آفاق الديمقراطية؛ غير أنه من الضروري في الوقت نفسه أن نستشرف المستقبل بنظرة واقعية. فقد أحيت "الموجة الثالثة" الآمال، ولكنها غذت أيضاً الأفكار الخاطئة حول كيفية إحلال الديمقراطية ودعمها علي أفضل وجه؛ ذلك أنها شجعت الرأي القائل إن ديمقراطية مستقرة يمكن أن تصبح واقعاً ملموساً بسرعة حتي بالنسبة للبلدان التي تفتقر إلي تجربة ديمقراطية مهمة، وبأن إرادتنا ومواردنا يمكنهما أن يشكلا العامل الأهم في إنجاحها. وقد آن الأوان كي نعود إلي بضع حقائق بسيطة، أولاها تكمن في أن مساعدة الديمقراطية عملية سياسية حقيقية، ومحل نزاع. ولذلك، فإن أي جهود ناجحة لابد أن تكون متعددة الأوجه تتوافر علي ثلاث خصائص أساسية: 1- منظمات للمساعدة يمكن أن تتكيف بمرونة مع الظروف المحلية، وترتبط بشكل شفاف وغير مثير للانتباه مع القوي الديمقراطية المحلية. 2- تضامن سياسي ودبلوماسي مع الأشخاص الذين يوجدون علي الخطوط الأمامية للنضال الديمقراطي. 3- الصبر لمواصلة الجهود علي المدي البعيد. إن الفرص المقبلة لتحقيق تقدم ديمقراطي ستأتي مع الأيام؛ وسيتعين علينا أن نكون مستعدين لاغتنامها. ومثلما قال ريجان، فإن "الديمقراطية ليست زهرة ضعيفة"، ولكنها "تحتاج إلي من يزرعها". وحتي في ظل التحديات الحالية، فإن توفير المساعدة للأشخاص الذين يناضلون .