ماذا سيحدث إذا ما قامت الصين بإسقاط قمر اصطناعي أمريكي من الفضاء كما فعلت مع قمر لها مؤخراً؟ هذا سؤال مزعج لا يريد أحد الحديث عنه علنا، كما أنه قد يبدو استفزازياً دون داع خصوصاً لو أخذنا في اعتبارنا أن الصين وأمريكا ليستا عدوتين لدودتين كما أنهما تعتمدان علي بعضهما بعضاً اعتماداً كبيراً في النواحي الاقتصادية والمالية بحيث يمكن لأي أعمال عدائية خطيرة تندلع بينهما أن تؤدي إلي إلحاق أضرار فادحة بهما. غير أن ذلك لا يحول دون القول بأنه كان من الواضح أن إسقاط الصين غير المعلن لقمرها العتيق" فنج يون "الذي يدور في مدار قطبي ويستخدم لإغراض التنبؤ بالطقس، لم يكن اختباراً تقنياً. فالسؤال الذي تردد من جميع أعضاء المجتمع الدولي هو: لماذا قامت الصين بذلك؟ هل كانت تلوّح من خلال ذلك بعصا ثقيلة في وجه الولاياتالمتحدة أو في وجه العالم بأسره؟.. أم هل كانت تقوم، كما يحاول بعض المفرطين في تفاؤلهم أن يوحوا، بمحاولة إجبار الولاياتالمتحدة علي دعم معاهدة لمنع سباق الأسلحة في الفضاء؟ سواء كان الأمر هذا أو ذاك فإن مجلة" إفييشن ويك" كتبت تقول إن الحدث أظهر بأن الصين التي أصبحت عام 2003 ثالث دولة بعد الولاياتالمتحدة وروسيا تقوم بإتمام مهمة فضائية مأهولة، قد أصبحت قادرة الآن- نظرياً علي الأقل- علي إسقاط صواريخ تجسس أمريكية وروسية ويابانية وأوروبية وإسرائيلية. والواقع أن جميع المؤسسات العسكرية في العالم تعمل علي تنفيذ مناورات عسكرية وتطوير خطط لمواجهة جميع أنواع الطوارئ حتي أقلها توقعاً. لذلك ليس هناك ما يدعو للدهشة عندما يتساءل خبراء الاستراتيجية في موسكو وواشنطن عما يمكن أن يحدث إذا ما قامت واحدة منهما بإسقاط الأقمار الاصطناعية التابعة للأخري. ومثل هذا التساؤل لن يكون افتراضياً إذ الواقع هو أن الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي السابق قد أجريا تجارب علي أسلحة مضادة للأقمار الاصطناعية في ثمانينيات القرن الماضي. في عام 1993 كنت قد نقلت في كتابي "الحرب والحرب المضادة" عن رئيس أركان القوات الجوية الأمريكية قوله: "ببساطة يتعين علينا إيجاد طريقة للمضي قدما في إنتاج القدرات الهادفة إلي ضمان أن أي دولة لن تكون لديها القدرة علي حرماننا من السيادة التي حققناها علي الفضاء بشق الأنفس". وكتبت في الكتاب نفسه أنه بحلول ذلك الوقت كانت الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي قد توصلا إلي" اتفاق ضمني بعدم إقدام أي منهما علي إطلاق الصواريخ علي الأقمار الاصطناعية التابعة لهما لأن إسقاط الأقمار الاصطناعية يعتبر من الوسائل الخشنة لإصابة الطرف الآخر بالعمي في حين أن هناك وسيلة أسهل وأرخص وأكثر فعالية ل"قتل القمر قتلاً رحيماً"، ألا وهي تخريب وتدمير وتشويه وإعادة برمجة المعلومات التي يعالجها ويرسلها". وان أساليب التخريب والتلاعب في الأقمار الاصطناعية للعدو وما يرتبط بها من أجهزة كمبيوتر وشبكات، تزداد تطوراً وتعقيداً علي الدوام". وفي الكتاب الذي نشر قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر بثماني سنوات كاملة، أشرت إلي أنه "خلال الحرب الباردة، كان العدو معروفاً، أما في الغد فقد لا يكون ممكنا لنا إدراك من هو الخصم الذي نواجهه"، وهو ما يصدق علي بعض التنظيمات التي تنفذ هجمات إرهابية اليوم. ومنذ ذلك الوقت تغير كثير من الأشياء؛ فالعدد الإجمالي للأقمار الاصطناعية قد تزايد، وأن إحصاء هذا العدد في حد ذاته قد أصبح أكثر تعقيداً لأن بعضها يعمل، وبعضها قد انتهت دورة حياته بالفعل، وبعضها عسكري والآخر تجاري، كما أن بعض أجهزة الاستقبال والاستجابة الموجودة في الأقمار التجارية مؤجرة لمستخدم أو أكثر من المستخدمين العسكريين، وفي بعض الأحوال لدول مختلفة. وهناك ما بين 40 و50 دولة تمتلك أقمارها الخاصة حالياً. ومجرد إحصاء أولي سيبين لنا أن هناك 270 قمراً اصطناعياً تستخدم لأغراض عسكرية بحتة، وهي الآن في مدارات فضائية وغالبيتها العظمي أمريكية. لكن هناك في الوقت نفسه حوالي 600 قمر تجاري مزدوج الاستخدام، أو مملوك لمنظمات غير حكومية. ومن المحتمل أن يزداد ذلك العداد حثيثاً سيما وأن حجم الأقمار الاصطناعية أصبح أصغر، كما أن إطلاقها للفضاء أصبح أسهل من ذي قبل.