المعادلة صعبة: حرية الصحافة.. وخصوصية المسئول.. هل حرية الصحافة مطلقة.. وهل خصوصية المسئول لها حرمة وسياج وأطر ممنوع الاقتراب منها وتصويرها؟ المعادلة صعبة، والقضية أصعب.. فنحن في زمن الدنيا فيه علي الهواء مباشرة، دون حذف ودون رقابة ودون قص أو لصق أو مونتاج.. وفي الوقت نفسه المسئول هو أولا وأخيرا إنسان يأكل ويشرب ويشرد ويسرح ويغفو ويعيش حياته الخاصة، فهل هذه الحياة الخاصة ملكه وحده أم أننا نشاركه فيها ومن حقنا أن نطلع عليها؟ سألت هذا السؤال مباشرة للسيدة جيهان السادات حرم الرئيس الراحل أنور السادات؛ فأجابت: رئيس الجمهورية له وضعه، ورئيس الوزراء له وضعه والمسئول له خصوصيته، ولابد أن نفرق بين حرية الصحافة وخصوصيات المسئول حتي لا يحدث خلط بين الحرية والفوضي والديمقراطية. تضيف: أنا من النوع المتحفظ رغم أنني أساير التطور وأنادي بالحرية، ولكن الحرية التي توازن بين الطرفين.. حرية الصحافة والإعلام، مقابل خصوصية المسئول. قلت: وماذا كان يفعل الإعلام والصحافة مع الرئيس السادات؟ أجابت: وقت السادات كنا في بداية الديمقراطية، ولم تكن الدنيا مثلما هي الآن، ولذلك عندما دخل المصور فاروق إبراهيم وصوره بالملابس الداخلية أنا غضبت وعاتبت المصور، وقلت له إن رئيس الجمهورية رمز له وضعه وخصوصيته ولا يجب أن نتصرف وكأننا في أمريكا، فنحن في مجتمع له عاداته وتقاليده وتحكمه الأصول. تضيف: وما ينطبق علي رئيس الجمهورية ينطبق علي المسئول، وبالمناسبة ينطبق علي أي إنسان له خصوصيته التي يجب أن نحترمها.. حيث يجب أن نفرق دائما بين ما هو للنشر، وما هو لغير النشر. تضيف: يحضرني هنا الحوار الذي أجري مع وزير الثقافة.. فالرجل كان يدردش مع الصحفية ولم يكن في حوار صحفي معها للنشر، ومن هنا يجب ألا نخلط بين الأمرين حتي ننعم دائما بالجانب الإيجابي للحرية، والذي يراعي الخطوط الفاصلة لحرية الصحافة والإعلام والجانب الشخصي والخاص للمسئول. كثيرون لا يتفقون مع رأي السيدة جيهان السادات ويرون أنه لا حدود علي حق الصحفي في تتبع الشخصية العامة ومعرفة كل أخبارها وأمورها، فقد تم تصوير بوش الأب وهو يقع علي الأرض، ولم يغضب الرجل ولم يعاقب المصور الذي التقط له هذه الصورة. ونفس الشئ مع تاتشر، وهي تجلس علي الرصيف.. أيضا لم تقم قيامة الدنيا حينما قام أحد المصورين بالتقاط صورة لرئيس البنك الدولي الأسبوع الماضي بجورب مقطوع "في الفردة اليمين والفردة الشمال أيضا"، ولم يغضب رئيس البنك الدولي من ذلك لأنه واثق في نفسه ويعلم الجميع أن باستطاعته أن يشتري كل جوارب الدنيا. يضيف أصحاب هذا الرأي: أننا نعيش الآن عصر المواطن الصحفي بجانب الصحفيين والإعلاميين المحترفين.. فهناك مواطنون يقومون الآن بهذا الدور ويلتقطون الصور ويسجلون الأحداث ويرسلونها للصحف ووسائل الإعلام.. وبالتالي فالدنيا كلها مرصودة، وأحداثها مسموعة ومقرؤة ومرئية، ولم يعد هناك مجال لكي نقول هذا محظور وهذا ممنوع، فتلك مفردات انتهت من قاموس العصر الحديث، عصر الكاميرات والعيون المحدقة التي لا تخفي عنها خافية. أنا شخصيا مع نظرية توفيق الرأيين.. لا الخصوصية مطلقة، ولا حرية الصحافة مقيدة.. فهناك خصوصية تهم الناس ويريدون الاطلاع عليها باعتبار أن الشخصية العامة وكما هو واضح من اسمها ليست ملكا لصاحبها فقط وإنما ملك الناس، ولكن علي الوجه الآخر هناك خصوصية لابد أن نحترمها ونفهم أنها من حق صاحبها وحده، لأنه أولا وأخيرا إنسان له ما لنا وعليه ما علينا، فكيف نحافظ علي حقنا في أن تكون لنا حياتنا الخاصة ولا نسمح لأحد بالمساس أو الاقتراب منها، بينما نهدر حق الشخصية العامة في ذلك. علي سبيل المثال لو جاز لي وأنا صحفي أو مصور صحفي أو تليفزيوني.. إنني كنت بمارينا في الصيف، ورأيت مسئولا علي حريته وراحته في إجازته يسبح في البحر، أو "يقزقز" الكابوريا علي الشاطئ، أو حتي يلعب "استغماية" أو حتي "حلق حوش" مع أبنائه وأقاربه أو أنه في استراحة تحت قبة المجلس "يقزقز" اللب والسوداني.. فهل من حقي أن أصوره وأقول إن تلك هي حرية الصحافة والإعلام؟ وإذا فعلت ومنعني حرسه إن كان يصطحب معه حرسا في إجازاته وتمت مصادرة الكاميرا فهل لي أن أصرخ وأولول وأقول إنهم يغتالون الحريات؟ علي الوجه الآخر أنا كصحفي أو مصور، يجوز لي أن التقط لشخصية عامة صورة أو أسجل له وهو يفعل فعلة مشينة أو يقوم بتصرف يخون به أمانة المنصب، أو يزعزع به ثقة الناس فيه. وليس بالضرورة أن تكون الشخصية العامة وزيرا أو رئيس وزراء، وإنما يمكن أن يكون كاتبا كبيرا يتابعه الناس أو نجما سينمائيا يقدورنه، وتم تصويره وهو في "غرزة حشيش" أو يتعاطي المخدرات أو يتلقي رشوة. في هذه الحالة أنا مع النشر ومع حرية الصحافة، ولكن بعد التأكد من الصورة وأن الكلام ليس مبتورا، أو مبتسرا علي "طريقة لا تقربوا الصلاة" فلا تعني مثلا صورة لمسئول وهو يتسلم نقوداً من شخص ما أنه يتقاضي رشوة، وإنما يجوز أنه كإنسان باع لشخص سيارة أو شقة ويتقاضي ثمنها. إشكالية كبيرة لابد أن ندرسها ونعيد النظر في التوفيق بين أطرافها.. حرية الصحافة، وحريات المسئولين.. والقانون يمنحنا حريات كثيرة كصحفيين.. فالمادة الأولي تنص علي أن الصحافة سلطة شعبية تنهض برسالتها بحرية واستقلال من أجل تأمين وممارسة حرية الرأي والفكر والتعبير والنشر والحق في الاتصال والحصول علي المعلومات الصحيحة ونشرها وتداولها كحقوق أصيلة غير قابلة للمساس بها. كما أن المادة 11 من قانون الصحافة تقول: للصحفي في حدود تأديته لعمله الحق في حضور الاجتماعات العامة وجلسات المحاكم وجلسات المجالس النيابية والمحلية والجمعيات العمومية للنقابات والاتحادات.. ويعاقب كل من يعطل حق الصحفي في حضور الاجتماعات العامة بالغرامة، فضلا عن تحمله للمسئولية الجنائية. كما أن المادة 15 تقول: نقد الحياة الخاصة للمشتغل بالعمل العام ونقد أعمال وسلوكيات الموظف العام أو الشخص ذي الصفة النيابية العامة أو المكلف بخدمة عامة مباح مادام يستهدف المصلحة العامة. وهكذا لدينا حريات كثيرة لا نقول طبعا إنها كل ما نريد ولكن كيف نستغلها، وكما يقول القانون من أجل المصلحة العامة، وليس من أجل التشهير أو التشويش.